+A
A-

سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة... حين يترجل العظماء

وترجّل شيخ الحكمة البحرينية رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة (طيب الله ثراه)، فكيف للتاريخ بصفحاته المضيئة ومحطاته الخالدة، أن يستوعب تاريخًا عاصر جل محطات الدولة البحرينية الحديثة بأدق تفاصيلها؟عاصر سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة (رحمه الله) مراحل عدة من تاريخ البحرين الحديث، كما عايش جل أحداث القرن العشرين، فأكسبه هذا الحضور اتصالًا شخصيًا بالتاريخ، وأكسبته مكانته الاجتماعية وإرثه العائلي اتصالًا شخصيًا بالقادة الذين حكموا البحرين على امتداد قرن من الزمان؛ ليكون شاهدًا على مملكة البحرين وهي تصنع لحظاتها التاريخية وتنتقل بعزم من الإمارة إلى الدولة ومنها إلى المملكة.

التحق سموه بالعمل العام سنة 1951، حين عمل قاضيًا في محاكم البحرين، ولم يشغله عمله عن انغماسه الفكري في بناء أركان الثقافة وتدوين التاريخ وجمع مصادره، ليحمل على عاتقه سبق تأسيس أول مكتبة عامة في المحرق سنة 1954 وهي المكتبة الخليفية.

عُهد إلى الراحل مهمة رئاسة بلدية الرفاع، ليكون أول رئيس لهذه البلدية الناشئة، إذ بادر سموه بالقيام بهذه المهمة لمدة 5 سنوات، لينتقل بعدها الى رئاسة بلدية المنامة ومعها رئاسة أول مجلس للتخطيط والتنسيق الذي تم إنشاؤه سنة 1969، وبعدها بسنتين، التحق بالحكومة البحرينية الأولى بعد الانضمام إلى الأمم المتحدة وزيرًا للزراعة والبلديات، ثم وزيرًا للعدل والشؤون الإسلامية، والتي حمل معها أيضًا حقيبة وزارة التجارة والزراعة بالوكالة، ثم بعد ذلك وزيرًا للعدل والشؤون الإسلامية في حكومتين تاليتين، ووزيرًا للشؤون الإسلامية ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، وأخيرًا رئيسًا للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية حتى وفاته (رحمه الله).

وفي سنة 1978 أوكلت إلى الراحل مهمة تأسيس ورئاسة مركز الوثائق التاريخية، الذي أصبح بفضل جهود سموه قلب البحرين التاريخي وذاكرتها التي تتكئ على أكثر من 70 ألف وثيقة تاريخية عن البحرين وشعبها وعاداتها وتقاليدها.

كما تم تكليف سموه (رحمه الله) بالإشراف على تأسيس مركز عيسى الثقافي؛ ليكون هذا الصرح عمدة المراكز الثقافية البحرينية، وخلاصة لكل تجسدات تاريخها، وجامعًا لكل مأثوراتها وتراثها من الكتب والوثائق التي يصل عددها إلى حوالي نصف مليون كتاب ووثيقة، ومع الانتهاء من إنشاء هذا المركز التاريخي، بادر سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة بتقديم مكتبته الشخصية التاريخية النادرة؛ لتكون أيقونة هذا المركز وبذرته المباركة.

بين أول وظيفة وآخرها، بين القاضي المبتدئ في المحاكم البحرينية، والرئيس الممتلئ علمًا وحكمة وخبرات متنوعة للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خاض الراحل غمار أعلى الواجبات الوطنية قامة وأكثرها جلالًا، حين تسلم رئاسة لجنة إعداد وصياغة ميثاق العمل الوطني، ثم رئاسة لجنة إعداد وصياغة الدستور في العام 2002، واضعًا كل خبراته في خدمة هاتين الوثيقتين الخالدتين على مر الأيام والعهود: الدستور، وميثاق العمل الوطني.

مهما سردنا ووصفنا فكل ما تحمله الكلمات من معانٍ يبقى قليلًا لتجسيد هذه الشخصية الوطنية النادرة.. رحم الله أمين مسيرة التاريخ البحريني الحديث، وعمدة مؤرخي الخليج العربي ورائدهم.

إنا لله وإنا إليه راجعون.