+A
A-

سمو الشيخ عبدالله بن خالد : لماذا نبحث عن الخلاص هنا وهناك وبين أيدينا القرآن العظيم؟

ستظل الثقافة العربية هي العروة الوثقى للأمة العربية، وميراثها الحي، ملتقى أمجادها، ومستقر قيمتها، ويعتبر سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رحمه الله منبعا لا ينضب للتراث العربي الإسلامي وقدم للعرب والمسلمين كتبا نفيسة وفريدة في أبوابها ومنفردة في مواضيعها، ومن هذه الكتب العظيمة كتاب “رؤى إسلامية من وحي القرآن” الصادر العام 1996 ويقع في 91 صفحة. هذا الكتاب فياض بالعلم والمعرفة والتفسيرات ونظرا لقيمته نقدم للقارئ نبذا يسيرة من صفحاته كما لخصها الباحث الدكتور مكي سرحان رحمه الله في كتابة “شخصية عبدالله بن خالد آل خليفة.. عبقرية جذابة هادئة”.

ليالي رمضان كلها خير وبركة ويمضي رمضان كل عام ويطوي الزمن سريعا تلك الليالي المضيئة والايام المشرقة بنور الهداية والطاعة، والامل في ثوابه وجنته والشكر على نعمه وافضاله، فقد اختص هذه الامة بفضل لا يدانيه فضل وخير لا يقاربه خير ونعمة ليتنا ندرك ابعادها ونفهم مغزاها ونسبر اغوارها.

فليالي رمضان لها فضل وخير، والليالي العشر الأواخر من رمضان هي قمة الفضل وقمة الخير، ففيها ليلة القدر التي شرفت بنزول القرآن الكريم، انها الليلة التي يحوطنا دائما نورها ويشملنا ظلها، هي ليلة عظيمة في التاريخ الاسلامي وبكل المقاييس، فهي ليلة القرآن. ولو علم الناس فضل هذه الليلة المباركة لأدركوا بصدق عظيم النعمة التي انعم الله بها على المسلمين، وهي قمة الفضل وقمة الخير.

في ليلة القدر نزل القرآن الكريم رباطا وثيقا يربط بين كل المنتمين لهذه الأمة العريقة، وحول ليلة القدر تلتقي القلوب والأرواح في العشر الأواخر من رمضان يجمعهم أمل واحد، هذه الأمة التي توافر لها من عناصر التلاقي والتجمع ما لم يتوافر لأمة اخرى في التاريخ.. مالها تعصف بها الخلافات وتمزقها الانتماءات وتبعثرها الأهواء؟

ويتساءل الشيخ خالد بن عبدالله رحمه الله قائلا:

لماذا نبحث عن الخلاص هنا وهناك وبين أيدينا القرآن العظيم، قبسا من نور الله لا يضل من اهتدى به؟ لماذا نفتح الباب للفتن التي تمزق الصفوف وتبدد القوى وتجهض الجهود وفي أيدينا كتاب الله يدعو للتماسك ويدعو للحذر ويكشف ما يبيته اعداء الحب واعداء الاسلام واعداء الامن لهذه الأمة من غدر وما يمارسونه من مكر وما يضمرونه من شر، لقد قامت هذه الأمة على القرآن، والقرآن بين أيدينا، نحتفل بليلته كل عام ونتذكر كثيرا من الاشياء، نتأمل في واقع الأمة من حولنا، تدور في رؤوسنا اسئلة حائرة، كيف تستعيد هذه الأمة قوتها؟ كيف تعود لسابق عهدها؟ كيف تبعث من جديد امة واحدة، متماسكة، متراصة، قوية، حصنا للعدل والحق؟

كما يقول الشيخ عبدالله بن خالد رحمه الله:

ورغم ما مر بالأمة الإسلامية من خطوب ورغم ما تتابع عليها من محن، ورغم ما فرق من صفوفها من فتن، فقد ظلت على مر التاريخ امة كبيرة، يربطها حبل من الله متين ويوحد بينها رغم الفرقة كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتابا محفوظا في الصدر وفي الصحائف تتلى آياته ليل نهار في مشارق الأرض ومغاربها، فهو العمد الراسخة التي يقوم عليها البناء الكبير، بناء الاسلام وبناء المسلم، لقد تتابع على الكون أمم ولكل امة بعث رسول، ولبعض الرسل كتب منزلة، وطوى الزمن الأمم والرسل والكتب وبقيت امة الإسلام وبقي كتاب الإسلام معجزة، حية نابضة، ناطقة بقدرة الخالق وبنفاذ وعده.

كما جعل الشيخ عبدالله بن خالد الخيار بين المسلمين حينما قال:

برغم كل التفسيرات والتفصيلات والتفريعات والاجتهادات فقد كان الخيار دائما بيد المسلمين، وكان الحصن دائما هو كتاب الله تمسكوا به في القرون الأولى وساروا على نهجه فغزوا وانتصروا، وتركوه في القرون التالية والتمسوا الهوى في غيره فكانت الهزائم التي مازال مسلسلها مستمرا يواجه المسلمين في كل ارض. لقد فشل اعداء الاسلام رغم محاولاتهم المستميتة ان يحرفوا كتاب الله او يزيفوه او يخفوه او يبعدوه عن عين المسلم ويده، ولكنهم نجحوا الى حد كبير في ان يصرفوا المسلمين عن التمسك به والتأمل فيه واتخاذه دليلا يحدد مسارهم في كل مناحي الحياة، فخسر المسلمون ولم يخسر القرآن، وهزم المسلمون ولم يهزم القرآن، وضاعت أجيال في متاهات الدونية ومازالت أجيال اخرى تعاني الحصار والتشتت والوهن وبقى القرآن وسيبقى لأجيال اخرى قادمة تدرك قيمته وتعرف حقه وتعز به وتسمو وتنتصر.

هذه هي الحقيقة الواضحة رغم مرارتها وقسوتها ولا خيار أمام المسلمين اليوم – إذا كانوا حقا يبحثون عن النصر ويتوقون إلى العزة لا خيار لهم الا الاستعانة بكتاب الله لا بتعليقه على الصدور، وانما بدراسته وفهمه والعمل بما جاء فيه، ليس امام المسلمين خيار إلا ان يدركوا تمام الإدراك ان هذا الكتاب الذي بين أيديهم هو كلام الله وليس كلام بشر وان التوجيهات التي امتلأ بها هي توجيهات مباشرة من خالق الكون بما فيه ومن فيه، وان النظام الذي حدده لحركة الإنسان على الأرض هو النظام الوحيد الكامل الشامل القادر على تحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، ولو ادرك المسلمون ذلك حقا فسوف يستعيدون مجدا يبحثون عنه ويستعيدون عزة يتوقون اليها ويسترجعون مجدا ضاع منهم من امد بعيد، ويوفرون لأنفسهم كرامة يعبث بها الآن أعداء من كل لون وجنس وارض.

ويأخذ سموه رحمه الله في شرح تفاسير القرآن فيقول:

ان جهودا كبيرة تبذل في التفاسير الميسرة وفيها يقوم العلماء بشرح الكلمات التي يرونها هم صعبة في النص القرآني، والنتيجة مصحف كبير الحجم، فيه في اسفل الصفحات شرح لبعض الالفاظ ولست ادري كيف يكون هذا تفسيرا؟

اننا بذلك نوفر على القارئ اللجوء الى احد معاجم اللغة ونترك له هو مهمة التفسير، انني افهم ان التفسير الميسر معناه أولا تفسير جديد يحشد له ما قاله السابقون على ضوء معطيات العصر وما كشف عنه من حقائق في الكون والحياة سوف تكون بلا شك معينا للتفسير، وبعد ان يفسر القرآن بهذه الصورة يبسط الشرح للمستويات الأقل ثقافة او وعيا، ذلك هو في اعتقادي معنى التفاسير السابقة التي مرت عليها قرون وتبقى جمهرة المسلمين وليس امامها سوى تفاسير تراثية قد يصعب عليهم فهمها، وسوى تفاسير ميسرة بالصورة التي عرضتها وهي لا تغني ولا تفيد.