+A
A-

جواد حبيب... من بيع “اللومي” إلى تملك أكبر شركات المحاسبة

التحق بـ “بابكو” وهو في سن الـ 14 عاما

لم يتوقع أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم

أسس شركة عربية للمحاسبة مع الغانم وأبوغزالة في السبعينات

تأسيس “جواد حبيب وشركاه” أصعب قرار اتخذه في حياته

أكثر من 40 عاما في مجال المحاسبة والتدقيق

 

جواد حبيب رجل محاسبة من الطراز الأول، وصاحب تجربة طويلة استمرت لأكثر من 40 عامًا، أسس خلالها إحدى أكبر شركات التدقيق والمحاسبة في البحرين. الطفولة كان لها نصيب الأسد في التأثير على تجربته، ففي خمسينات القرن الماضي وحينما كان في سن الـ 14 عامًا، بدأ أولى تجاربه بالاعتماد على نفسه، حيث عمل مع خاله بسوق الخضار في المنامة أثناء العطلة الصيفية، وذلك بحمل “سلة اللومي” على رأسه ليبيعها في الصباح، وفي المساء كان يعمل بمحل ملابس على شارع الشيخ عبدالله. بيْد أن أول عمل باشره بأجر يومي عقب إكماله المرحلة الابتدائية، إذ التحق بـ “بابكو”، وتقاضى فيها راتبًا يقدر بـ 4 روبيات و4 آنات.

قصة جواد حبيب مع عالم المحاسبة والتدقيق، بدأت حينما أُبتعث للتدريب من قبل “بابكو” لدراسة المحاسبة القانونية في بريطانيا مطلع السبعينات، وذلك قبل أن ينخرط في تأسيس شركة عربية للتدقيق إلى جانب ضرار الغانم وطلال أبوغزالة.

أصعب قرار اتخذه حبيب كان في 1980 حينما قرر الانفصال عن غانم وأبوغزالة، وتأسيس شركته الخاصة “جواد حبيب وشركاه” برأسمال لم يتجاوز الثلاثة آلاف دينار وشبكة واسعة من العلاقات في سوق البحرين، ليصبح حبيب مسؤولا عن مراجعة حسابات عدد من المؤسسات العامة والخاصة، كما اضطلع بمسؤولية إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لمجموعة كبيرة من الشركات الإنتاجية والمشروعات في المنطقة.

وأصبح جواد حبيب وشركاه أيضًا عضوًا في مجموعة كوبرز أند ليبراند الدولية وذلك في العام 1986. وفي بداية 2002 صار جواد حبيب وشركاه عضوًا في مجموعة “بي.دي.أو” العالمية.

تزخر حياة ضيفنا بالكثير من التفاصيل علاوة على الآراء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد، إلى جانب نشاطه الاقتصادي والاجتماعي، وكان له خدمة الوطن من خلال اختياره لعضوية مجلس الشورى، ولتوثيق هذه المسيرة، صدر كتاب بعنوان “جواد حبيب جواد جاسم الخياط.. التحديات والمستقبل” العام الماضي، إذ حواره فيه الكاتب كريم بوعكري عن حياته، وتم الاقتباس منه في اللقاء بناءً على طلب رجل الأعمال، إلا أن مهمة اختصار حياته ومشاهداته لمرحلة تاريخية طويلة في بضعة سطور أمر عسير.

فيما يلي نص الاقتباس من ذلك اللقاء:

 

هل كان يتوقع جواد حبيب جواد أن يدخل عالم الأعمال خصوصًا أنه نشأ في الريف؟

البداية كانت متواضعة ومؤثرة. لم أكن أتوقع يومًا من الأيام في الخمسينات أن أكون اليوم رجل أعمال يترك بصماته على كثير من المشاريع القائمة الآن في البلاد، ففي العام 1956، وهو عام تخرجي من المرحلة الابتدائية فرض عليّ والدي (رحمه الله) أن أدخل معترك العمل، وطرح ذلك بطريقته الخاصة تحت مبرر أن أولئك الطلبة الذين يدخلون الثانوية يختربون! وهو تفسير صحيح، لأننا عائلة مكونة من 10 أفراد وهو عائلها الوحيد.. وأنا أكبر الإخوة وهو بحاجة إلى من يساعده في هذه الظروف فالتحقت بشركة “بابكو” وعمري 14 عامًا، من خلال برنامج التدريب المهني، وكان راتبي 4 روبيات وربع، وأتذكر أول راتب سلمته لوالدتي (رحمها الله).

كل الذي أعرفه عن العام 1956 أن والدي متضمن دالية أو مزرعة لزراعة البقل والرويد والجزر، وكنت أمتطي الحمار في رحلتي اليومية إلى الدالية لمساعدة والدي.

 

كيف تبلورت قيمة العمل في طفولتك خصوصًا مع نشأتك بالريف؟

كان هناك أمران يدخلان السرور في قلبي، عبر ملامح بلاد القديم آنذاك، أولها عين قصاري التي لها طعم خاص حينما كانت تعانقها الخضرة، وكان لها امتداد عبر جدولها أو ما يطلق عليه “الساب” إلى المناطق الأخرى مثل النعيم والماحوز ليسقي النخيل ويمدها بالماء العذب، والأمر الآخر المشي لقريتنا بلاد القديم مرورًا بفريق “بوصرة” ثم “المهزع” مرورا بـ “سوق المقاصيص”، حتى  وسط سوق المنامة، ويستغرق هذا المشوار ساعة ذهاب وساعة عودة، وهي عادة يومية ولم نكن نشعر حينها بالممل ونحن في سن الرابعة عشرة.

إلى ذلك، كان هناك نشاطات حيوية ومفيدة ساهمت في بلورة مفهوم العمل واستثمار الوقت والجهد.

في العطلة الصيفية أشتغل مع خالي صالح المدحوب (رحمه الله) في سوق الخضرة بالمنامة يوميًّا، يمنحني “آنتين” ورحلة العمل تبدأ من الصباح حتى المساء قبل غروب الشمس والذهاب إلى السوق مشيًا على الأقدام، والعودة مساء إلى القرية.

وأتذكر، والفضل كله يعود لله ثم إلى خالي (رحمه الله) حيث كان يعطيني “سباك اللومي” لأبيعه فيقول لي “اليوم بيع اللومي الدرزن بآنتين”، وخلال نصف ساعة أبيع “سباك اللومي” كله وأعود للقرية منتشيًا بهذا الإنجاز الكبير.

ثم في اليوم الثاني يقول لي “اليوم اللومي غالي يا ولدي بيع الدرزن بـ 4 آنات” وهكذا هو الحال، كل يوم يتضاعف سعر درزن اللومي، وأنا لا أستوعب حقيقة هذه العملية التسويقية إلا لاحقًا، إذ كان يخفض سعر درزن اللومي في الدفعات الأولى من تجربتي في البيع إلى أقل من نصف السعر، ليحفزني عندما أبيع ما لدي في وقت قياسي حتى تعلمت كيف أتعامل مع زبائني وأجتذب اهتمامهم بالشراء، وصار عندي رغبة جامحة في البيع، وأصبح عندي زبائن وعملاء منهم “صيدلية المسقطي” إلى أن تجاوزت سعر السوق الدارج.

هذه في الحقيقة الطريقة المثلى لتدريب عملية التسويق في العلم الحديث، وكان العمل في الصيف على هذا المنوال، كان نصف النهار الأول عند خالي والنصف الثاني المساء عند الجشي، وهو دكان بشارع الشيخ عبدالله لبيع الملابس والغتر وصاحبه يعمل صباحا بإدارة الجمارك.

ومن ملامح حياة الطفولة أيضًا ذلك التطور اللاحق في طرق المواصلات من القرية إلى سوق المنامة، وكان لسيارات “اللوري” الفضل الكبير في اختصار الجهد والوقت، فكنا نحن الصبية نقف على الشارع العام ننتظر أيًّا من سيارات اللوري فنلوح لها بأيدينا، ونشعر بفرح حين تقف إحداها لتقلنا إلى سوق المنامة.

 

حدثنا عن بداية تألقك بمجال المحاسبة القانونية.

شاءت الأقدار أن ترسم لنا سبلاً ممهدة عن طريق التدريب في قسم المحاسبة القانونية، وكنا 12 متدربًا ابتُعثنا إلى بريطانيا لدراسة هذا التخصص من العام 1966 إلى العام 1970، واختير لنا أصعب أقسام المحاسبة التي تسمى المحاسبة الإدارية القانونية.

بعد تخرجنا شجعتنا “بابكو” على أن نتوجه إلى آفاق أرحب من الفرص المتاحة، فثمة من توجه إلى العمل في الوزارات وآخرون في بنوك، والقصة الغريبة عندما توجه الشريك المسؤول لسابا وشركاه إلى وزير العمل جواد سالم العريض، وهو أول وزير عمل، لاستخراج رخصة عمل لجلب محاسبين قانونيين، رد عليه الوزير، وتربطني به علاقة عندما كنا في لندن، “لماذا محاسبون من الخارج؟ لدينا بحرينيون”، فاتصل بي الوزير العريض ودعاني إلى مكتبه حيث عرضني على مسؤول سابا وشركاه فاستقلت من “بابكو” العام 1971 وكان راتبي 150 دينارًا، والتحقت بشركة سابا براتب 325 دينارًا.

ومتى بدأت تأسيس شركة “جواد حبيب وشركاه” للتدقيق المحاسبي؟

بعد عام من التحاقي بشركة “سابا”، عاود الوزير العريض الاتصال بي موجها الدعوة إلى زيارة مكتبه، فلبيت الدعوة وكان بحضور علي بن يوسف فخرو (رحمه الله)، حيث عرض عليّ السفر للكويت للقاء ضرار يوسف الغانم، وهناك اتفقنا أنا وضرار الغانم وطلال يوسف أبوغزالة على تأسيس شركة عربية للمحاسبة والتدقيق عبر الدول العربية، وكنت أحد المؤسسين، والمسؤول عن البحرين وقطر والإمارات وعمان واليمن، فبدأنا هذا المشوار العام 1972 - 1979، بعدها اختلفت مع شريكي فأسست في يناير 1980 مؤسسة (جواد حبيب وشركاه). لم أكن أتوقع أن أصل إلى كل ما وصلت إليه اليوم.

عندما قررت تأسيس (جواد حبيب وشركاه)، كان ذلك أصعب قرار اتخذته في حياتي، وهو من أصعب الخيارات. وبقيت ليالي لم أذق فيها طعم النوم، لأنني تخليت عن وظيفة براتب 800 دينار شهريًّا، إلى جانب حصة أرباح شراكة مكونة من 7 أشخاص، أنا واحد منهم يملكون المؤسسة.

ووقعت على أوراق التنازل وعدم مطالبتي بأي حقوق فيما بعد، أعتقد أنه قرار صعب، رغم ديوني البالغة 60 ألف دينار قيمة بناء بيت للعائلة ولم أكن أملك حينها نقدًا سوى 3 آلاف دينار فقط.

والشراكة التي تخليت عنها تملك 21 فرعًا في الوطن العربي.

وعندما قررت تأسيس (جواد جواد حبيب وشركاه) اتصلت بزميلين هنديين يقطنان في بريطانيا، ليكونا شريكين معي، فسألاني عن رأسمالي، فقلت لهما 3 آلاف دينار، ثم سألاني، وماذا أيضًا؟ أجبتهم سوق البحرين بالكامل والعلاقات الموجودة عندي، إن كنتما تؤمنان بذلك تعاليا نؤسس الشركة فاستجابا، وبدأنا المشوار دونما اتفاقية.

مجرد “اتفاق رجال” وعملنا معا لغاية العام 1986 حينما قرر أحدهما الانسحاب من الشراكة والعودة إلى وطنه (الهند) لظروف خاصه به، والآخر قرر الانسحاب في العام 1997 لظروف خاصة أيضًا.

ثم دخل العديد من الشركاء الجدد فيما بعد وعلى فترات، وأصبحت الآن شركة (جواد حبيب وشركاه) مؤسسة مهنية رائدة ضمن أكبر 4 مؤسسات مهنية محلية تفرع عنها (بي.دي.أو جواد حبيب) في البحرين وقطر وعمان، ودشنت (جواد حبيب وشركاه) مرحلة جديدة في العام 2002 بعضويتها بمجموعة (بي.دي.أو) العالمية وهي شركة عالمية واسعة من شركات المحاسبة والاستشارات.

 

ذكرت أن أول وزير عمل دفع باتجاه توظيف المحاسبين البحرينيين، فهل اتبعت هذا النهج في شركتك؟

نسبة البحرنة في شركة جواد حبيب جواد تفوق 65 %، وتعتمد الشركة على نظام أساسي قائم على التدريب والتعليم والتطوير لما هو أفضل للبحرينيين، وتدفع الشركة جميع الرسوم المترتبة على ذلك حتى المتعلقة بالسفر خارج المملكة لتطوير الكادر البحريني للتفرد والتميز والارتقاء، والمجال مفتوح لكل العقول التي تتوق وتستوعب التطور المهني وترغب الدخول برامج التطوير، وإذا كانت الشركة تعتمد على ثمانية عقول لقادة كبار “أجانب” فنحن نطمح أن يكونوا القادة الكبار بحرينيين.

 

ما هواياتك؟

مع كثرة العمل والجهد تحتاج النفس إلى مساحة من الراحة، ونمط حياتي من السبعينات قائم على كثرة السفر واستمتع بالسفر، أحب مناطق جنوب فرنسا، زرت معظم الدول العربية والأوروبية، وحتى في الشتاء أستمتع في المناطق الريفية أو قمم الجبال. وكان لي شقة في كان جنوب فرنسا، ولكن بسبب مشاكل الضرائب المفروضة على الأجانب، بعتها واشتريت بديلا عنها في “بورمانة” على جبل لبنان وهي تطل على مناظر وجبال، وأنا ألتزم بالتفرغ مع عائلتي في رحلة إلى الخارج لشهر واحد كحد أدنى.

 

ما ميولك الثقافية؟

يشدني صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وأنا اليوم أحتفظ بأكثر من 65 أغنية لها، كما أقرأ كل ما ينشر ويكتب عن الشؤون السياسية وصحيفة الحياة، ومجلة إيكونوميك البريطانية ونيوز تايم الأميركية، وهذه اهتمامات ورثتها من الدراسة.

 

ما أمنياتك في الحياة؟

أتمنى أن يجد المجتمع الإنساني لهاتين الآفتين وهما الفقر والجهل حلولًا. أمنيتي أن يتحسس رجال الأعمال آلام الفقراء وألا يكون هذا الإحساس من أجل الإعلام والوجاهة، ثمة من يساعد الفقراء، وهناك مجالات واسعة للعمل الإنساني في المجتمع، والجهل هو سبب كل مشكلة، وهو سبب عدم فهم الآخرين ويسبب عدم احترام وقبول الرأي الآخر، والتعايش مع الآخر، وهو سبب إنجاب أطفال دون الأخذ في الحسبان تعلميهم وتربيتهم بخلق بيئة صالحة لهم ليكون منهم جيل صالح.