+A
A-

المسرح العربي يحتاج اليوم إلى “جهاز مناعة” فكري وفلسفي

ضمن الدورة الأولى لمؤتمر الصواري المسرحي الدولي للشباب، وتحت عنوان “المسرح وما بعد الإنسانية” اجتمعت كوكبة من الباحثين والمسرحيين والنقاد أيام 6 و7 سبتمبر 2018 للنظر في الإشكالية المطروحة أعلاه، وقد ضمت هذه الكوكبة الأسماء التالية:

نادر كاظم (البحرين)، روبيرتا لوفياتو (الولايات المتحدة الأميركية)، فيصل القحطاني (الكويت)، محمد الروبي (مصر)، عبد الله العابر (الكويت)، حسين الرفاعي (البحرين)، عبد الله السعداوي (البحرين)، نورا أمين (مصر)، نايف البقمي (السعودية)، أحمد خميس (مصر)، محمود سعيد (مصر)، عبد الحليم المسعودي (تونس).

وقد خلصت هذه الكوكبة المجتمعة طوال الجلسات المخصصة لأشغال المؤتمر إلى التقرير التالي:

أولًا:

الإقرار أن طرح إشكالية ”المسرح.. وما بعد الإنسانية” هو طرح مستفز ومخاتل في نفس الوقت، يستجيب لتوصيف واقع المسرح اليوم في العالم العربي بشكل خاص والعالم الآخر بشكل عام، وتضاؤل فاعليته في المجتمعات الراهنة زمن العولمة الكاسحة والمكننة الطاغية والاستهلاك المتوحش وتعمد الوسائط القهرية والاغترابية التي يعيشها الفرد المعاصر والتي أثرت أيما تأثير في الأطروحات المسرحية الجديدة، سواء تعلق الأمر بالإنتاج أو التلقي، وهو ما يحتم اليوم إعادة النظر في وظيفة المسرح في المجتمع على خلفية تراجع القيم الإنسانية في العالم المعاصر.

ثانيًا:

لأن مصطلح “ما بعد الإنسانية” مصطلح مخاتل وموجود بالقوة لتوصيف ما آلت إليه العلاقات الإنسانية من تحول متسارع على خلفية طغيان التكنولوجيا الاتصالية الحديثة وما رافقها من تغيير انطولوجي في علاقة الإنسان بالعالم والمحيط وأثر ذلك كله فيما ينتجه الإنسان رمزيًا وعلى رأسها الفنون والآداب، فإن المسرح كتعبير إنساني فريد ليس بمعزل عن هذه التحولات الكاسحة التي تقع في دائر الهيمنة لما نسميه بزمن “ما بعد الإنسانية” بالمعنى الذي يجرد المسرح كممارسة جمالية واجتماعية من مضامين الإنسانية تحت وطأة تشييئ الإنسان وسلعنته وإقحامه في المتاهة الافتراضية التي لا تنفك التكنولوجيا في استلاب ذاكرة الإنسان المسرحية وإقحامه في عزلة “التكييف” منقطعًا عن العالم وعن تاريخه الحميمي.

ثالثًا:

لأن مصطلح “ما بعد الإنسانية” في حقيقته مصطلح جامع وكوارثي قياميّ، فإن التعايش الدؤوب في هذا المؤتمر ارتأى إبدال توصيف “ما بعد الإنسانية” بمصطلح “ما بعد الإنسانوية” نظرًا لما يدخره هذا المصطلح من معانٍ جامعة تحوم حول الفلسفة التي تقرّ بالإنسان محورًا للكون، وبوصف فكرة “الإنسانوية” قائمة على مبادئ العقلانية والنزوع لاختراق الحدود، ووالإيمان بالنزع الحقوقي لهذه الفكرة التي تؤكد على المطالبة بالحق ومبدأ الكرامة الإنسانية، وعليه ودرءًا لكل اشتباه، فإن المؤتمرون يحذرون من غواية هذا المصطلح وعدم تلفيقه للمسرح، كأن نعتبر أو نقرّ بوجود “مسرح ما بعد إنساني” أو “مسرح ما بعد إنسانوي” وإنما التأكيد على أن هذا المصطلح توصيف لسياق راهن تناقش على خلفيته مشاكل الممارسة المسرحي ورهاناتها، وعليه أيضا فإن رهان هذا المؤتمر فلسفيًا هو النظر إلى راهني المسرح في مواجه زمن “ما بعد الإنسانوية”.

رابعًا:

يقر المؤتمرون بأن المسرح العربي في حاجة اليوم إلى “جهاز مناعة” فكري وفلسفي يقف صدًا منيعًا تجاه تشييئ الإنسان وتضاؤله في الرقعة المسرحية، وضد الثروما القهرية المكرسة على المسرح والمسرحيين سياسيًا ورمزيًا، وضد الاستهلاكية المجحفة التي وسعت “مجتمعات الفرجة” إلى صعود عزل الكائن المسرحي في هامش هوامش الشأن العمومي، وإخراس الصوت الاحتجاجي ضد النمطية والاستسهالاك والاستنساخ والتهميش التي تمارسه سلطات “مسرحاوية” ضد المسرح نفسه.. وعليه فإن المؤتمرون يطالبون بضرورة إعادة النقاش الملهم الخلاق للفنان المسرحي العربي كبداية لإقامة أسس هذا الجهاز المناعي للكائن المسرحي العربي.

خامسًا:

على ضوء النقاشات والمقابسات المشتركة التي تناولها المؤتمرون في هذه النسخة الأولى للمؤتمر المسرحي الأول الذي يحتضنه مهرجان الصواري الدولي المسرحي للشباب في دورته الإثني عشر، فإن المؤتمرون تخلصوا إلى ضرورة بعث وحدة بحثية مسرحية تكون نواة تأسيسية لمركز بحثي في صلب مسرح الصواري، مركز بحثي دولي منفتح على كل الطاقات الفكرية والفنية من أجل إعادة النقاش والحوار الملهم والخلاق، يعيد مشغل اكتشاف المسرح بتساؤلات جديدة، على خلفية أزمة المسرح العربي وعلى ضوء رهانات الاستحقاقات الإنسانوية ودون الانقطاع عن “الآخر” من خلال مد جسور تواصلية لإبلاغ المشاغل الفكرية الجديدة في المسرح العربي في الدوائر المسرحية الغربية... هذا ويؤكد المؤتمرون على أن الوحدة البحثية التأسيسية التي سيتمخض عنها المركز البحثي المسرحي العربي الجديد ستكون بمثابة المنصة الفكرية المفتوحة التي ستتمحور اعمالها حول مشاغل الكاتب المسرحي العربي ورؤاه ومقترحاته المستقبلية بما في ذلك برنامج المسار للمؤتمر في دوراته القادم.

سادسًا:

لأن المسرح مرتبط بالإنسان في محيطه، ولأن المسرح أيضًا ممارسة اجتماعية، فإن المؤتمرون يؤكدون ضرورة النظر في المشاغل المسرحية على مستويين أساسيين، مشغل سياسة التلقي، أي الاهتمام بموقع الجمهور كإعادة الاعتبار له في الممارسة المسرحية، ومشغل مكمل لسياسة التلقي، وهو مشغل الأطروحة الجمالية الأصيلة والمتعددة التي لا تنفي تنوع الفرجة بالمعنى الأنثروبويولجي ضمن الممارسة المسرحية في المجتمعات العربية.