+A
A-

شبكة الجيل الخامس “G5”... من يفوز في السباق؟

 كانت التجارب الأولية لمنظومة اتصالات الجوال تُنفذ بشركات أميركية وأوروبية، ولكن في عصر شبكة الجيل الخامس “G5”، يحتدم السباق بين الولايات المتحدة والصين لتطوير هذه التكنولوجيا الثورية لتدشين أسرع إنترنت لاسلكي في العالم، وتساءل تقرير نشرته “وول ستريت جورنال”: “من سيفوز في هذا السباق”؟

وتهرع شركات معدات وتشغيل الاتصالات في كلتا الدولتين بحسب ما نقل موقع “أرقام” عن الصحيفة، نحو اختبار الجيل القادم من تكنولوجيا الشبكات اللاسلكية التي ستكون أسرع مائة مرة من شبكة الجيل الرابع “G4”، ولكن على ما يبدو، فإن الشركات الصينية تسبق بخطوة.

 

أبحاث طور التجربة

من المتوقع أن تنعش الشبكة الجديدة من تطوير السيارات ذاتية القيادة كما ستسهم في نمو أداء الأطباء وتمكينهم من إجراء عمليات جراحية عن بعد، وأيضًا المزيد من التطوير في مجال “إنترنت الأشياء” والواقعين الافتراضي والمعزز فضلا عن تزويد المستهلكين بإنترنت فائق السرعة وتقليل الاعتماد على الكابلات وأجهزة “واي فاي”.

وفي مقر “هواوي تكنولوجيز” بمقاطعة “شنتشن” في الصين، التقى باحثون ومسؤولون تنفيذيون في يوليو للاحتفال بواحدة من أهم التقنيات التي تدعم شبكات الجيل الخامس، وابتكر هذا الجزء عالم تركي يدعى “إردال أريكان”.

وفي معمل شركة “فيريزون كومينيكيشن” في ولاية “نيوجيرسي” الأمريكية، أظهرت شاشات حواسب كيف لطلاء النوافذ التداخل مع الإنترنت فائق السرعة من شبكة “G5” حيث تجري اختبارات لأجهزة تدعم هذه التكنولوجيا، وأجرت الشركة تجارب لتكنولوجيا “G5” في 11 سوقًا العام الماضي.

وبالقرب من “فيريزون”، هناك أيضا “نوكيا” في ولاية “نيو جيرسي” تختبر بعض تقنيات شبكة الجيل الخامس حيث بدأت أبحاثها منذ عام 2007.

ويرى محللون أن الأسواق العالمية على وشك أن ترى ثمار هذه التجارب كما أن الشركة التي تعكف على اختبار “G5” ستجني مليارات الدولارات، أما الدول التي ستظهر تقدما في تطوير “5G”، فسوف تفوز في السباق كما أن مزودي أجهزة هذه الشبكة سيكون لهم الأولوية في تزويد وكالات الاستخبارات والجيوش بميزة تجسسية على الدول المعادية.

وقال المدير التنفيذي لـ”فيريزون” “هانز فيستبيرج” إن الشركة ترى أن “G5” سوف يكون لها آثار قوية للغاية على المجتمعات حول العالم وعلى مختلف المجالات كالإعلام والترفيه والصناعات.

بخطوات سباقة..الصين

بناءً على بعض المعايير، فإن الصين تسبق الولايات المتحدة بخطوات، فمنذ عام 2013، عملت لجنة حكومية مع شركات الاتصالات في البلاد على تطوير اختبارات وتطبيقات “G5”، ومن بين الشركات المنخرطة في هذا الأمر “هواوي” التي تنوي بيع معدات التكنولوجيا الجديدة وجني الكثير من ورائها.

وفي الولايات المتحدة، تفوض الحكومة بعض الوكالات للتعاون مع القطاع الخاص في تطوير “G5”، وتقود شركة “إيه تي آند تي” التجارب كما تشارك “فيريزون” و”سامسونج” و”نوكيا” و”سيسكو سيستيمز”، وذكرت الأخيرة أن الحرب التجارية التي شنتها واشنطن ربما تتسبب في إبطاء تطوير “G5”.

وتعتزم ثلاث من الشركات الكبرى في أمريكا تجربة خدمات “G5” بشكل مباشر في بعض المدن هذا العام على أن تكون الكثير من التقنيات جاهزة للعمل عام 2019.

ولم يكن السباق بعيدًا عن أعين الجهات التنظيمية حيث سعت منذ البداية إلى تأمين التحركات التي تتخذها الشركات، وظهر ذلك جليًّا في عرقلة إدارة “ترامب” استحواذ شركة “برودكوم” السنغافورية على “كوالكوم” للرقائق الإلكترونية التي تطور أيضًا تكنولوجيا “G5”  بدعوى أن هذه الصفقة سوف تسهم في تقييد عمليات التطوير والبحث التي تجريها الشركة الأميركية وتتيح للصينيين السبق في الشبكة القادمة.

وتشعر واشنطن بالقلق حيال تنامي شركات تكنولوجية صينية مثل “هواوي” و”زد تي إي كورب”، كما اتخذت أستراليا خطوات تحظر على الشركتين الاطلاع على أبحاث “G5” الخاصة بأستراليا، وتدرس دول أخرى خطوات مشابهة.

وجعلت الصين “G5” أولوية بعد فشلها في السباق مع الغرب في شبكات اتصالات وجوال سابقة حيث هيمنت أميركا على “G4” من بداية الألفية الجديدة بينما هيمن الأوروبيون على “3G”، وتسببت ريادة الأميركيين في منح شركات “آبل” و”كوالكوم” مميزات على نظيراتها في السوق التكنولوجي العالمي.

ومنذ عام 2015، بنت الصين 350 ألف موقع خلوي مقارنة بأقل من 30 ألف موقع أنشأته الولايات المتحدة، وتسهم هذه المواقع بشدة بتكنولوجيا “G5” التي تحتاج إلى عدد أكبر من المواقع الخلوية مقارنة بـ”G4”.

وتجري التجارب على قدم وساق مع تحالف من شركات تكنولوجية في الصين وجامعات ومؤسسات بحثية تنخرط تحت جهات عسكرية، ومن المتوقع انتهاء الاختبارات هذا العام.

وبعد انتهاء التجارب، ستطلق أكبر شركة اتصالات في العالم من حيث عدد المشتركين “تشاينا موبايل” أنشطة تجريبية حقيقية في 17 مدينة مع توقعات بأن تكون “G5” جاهزة للعمل بحلول عام 2020.

البنية التحتية لـ”G5”

وتعتمد شبكة اتصالات الجيل الخامس على تكنولوجيا تتيح استخدام الموجات اللاسلكية بكفاءة أعلى من “G4”، وتوجد خطط لبناء مواقع خلوية عالية التردد ذات أطول موجية ملليمترية يمكن أن تتعامل مع المزيد من البيانات التي تنتقل بسرعات خارقة.

ويعني ذلك أن “G5” سوف تعتمد على مستشعرات وهوائيات مجمعة بالإضافة إلى مراكز بيانات لامركزية قرب الأعمال والمستهلكين، أي استثمارات ضخمة في بنية تحتية لشبكة واعدة.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الشبكة في تطوير مجالات أخرى كالسيارات ذاتية القيادة التي تنوي الشركات المطورة لها في تحقيق اتصال بين المركبات ببعضها البعض ومع الإشارات المرورية.

وتعتمد محاولات الصين في الأخذ بزمام الأمور في التكنولوجيا القادمة للاتصالات على معايير فنية ربما سيكون على العالم السير على خطاها فضلا عن براءات اختراع كثيرة ومتنوعة في هذا المجال بالتزامن مع براءات اختراع تسجلها شركات أميركية مثل “كوالكوم” وغيرها، ولكن بكين تحرز تقدمًا هائلاً.

وفي عام 2009، ضخت “هواوي” في بداياتها موارد كبيرة لتطوير “G5” وغيرها من التقنيات الواعدة التي تريد بها التوسع عالميًّا حيث رأى الصينيون أنه من المهم جدًّا الفوز في هذه المعركة التكنولوجية التي ستنعكس بالطبع على قدراتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية، وأنفقت “هواوي” أكثر من مليار دولار على أبحاث وتطوير “G5” حتى الآن. وأوقفت الحكومة الأميركية بعض الجهود البطيئة للقطاع الخاص في تطوير “G5” ومنحت الفرصة لشركات منفردة، كما أعلنت المفوضية الفيدرالية للاتصالات في أميركا عن خطة لبناء شبكات “G5” متخطية قواعد محلية ومهدت الطريق لوضع أجهزة بث خلوية في بعض المدن كنواة لبنية تحتية لهذه الشبكة.

ومولت واشنطن بعض الأبحاث الأكاديمية التي مهدت الطريق نحو تقنيات تجارية، وتعكف إحدى المؤسسات البحثية على تنفيذ اختبارات “G5” والأجيال القادمة من شبكات الاتصالات اللاسلكية.

وفي الوقت نفسه، لا تزال أميركا خلف أوروبا وكوريا الجنوبية واليابان والصين في سباق تطوير “G5”، كما أن واشنطن تستثمر بعشوائية في تطوير هذه التكنولوجيا مقارنة بالصين التي تعد استثماراتها منسقة وفي موضعها الصحيح – بناء على آراء خبراء ومراقبين. وفيما يتعلق بكافة الاستثمارات، أفاد خبراء في صناعة الاتصالات بأن معايير “G5” لم يتم تحديدها وصياغتها بالكامل، وأن شركات الاتصالات لا تزال تحاول استكشاف مدى الربحية التي ستحققها من هذه الخدمة.

وعلاوة على ذلك، لا تزال شركات الاتصالات في حاجة لتقليل تكلفة التطوير والأبحاث والتطبيقات الخاصة بـ”G5” من أجل بيعها للمستهلكين وتزويدهم بخدمات في متناول الأيدي على غرار نجاح الأمر في “G4” و”واي فاي”. ومع ذلك، فإن مسؤولين لدى “هواوي” و”تشاينا موبايل” أكدوا أن الشركتين ستندفعان نحو تطوير واستخدام شبكة الجيل الخامس سريعًا دون النظر إلى أي تحديات تتعلق بالتكاليف أو المعايير نظرًا لأن “G5” تمثل مشروعًا استراتيجيًّا شديد الأهمية للصين، فلو ثبتت بكين قدميها في هذه التكنولوجيا وتفوقت بها على العالم، فإن ذلك يعني وضع قدم لها في تكنولوجيا ثورية في أجيال قادمة لـ”G6” و”G7” و”G8”.