+A
A-

انتشار مبدأ “أنا” و”هو” بدلا من “نحن” كفريق عمل متكامل

متى نطلق لقب “الإداري الجلاد” على أحد إداريي مؤسسة ما؟

ما نتائج وتبعات سلوك هذا الإداري على زملائه وموظفيه في المؤسسة؟

من أنجح الأساليب الحديثة الاتصال المباشر بين الإدارات العليا والوسطى والدنيا

إحساس الموظف بالمشاركة في صنع القرار يثبـّت شعور كونه جزءا من المؤسسة

 

تنشر “البلاد” على حلقات كتاب نبيل آل محمود “قبل أن تتهاوى” الذي يتضمن مجموعة دروس عن الممارسات الإدارية المتبعة بالقطاعين العام والخاص.

الكتاب يقدم حقائق وممارسات تفاعلية في علمي الاجتماع والسيكولوجيا.

ويُعالج تحديات الأداء والإنتاج والإنتاجية والسلوكيات والممارسات الإيجابية والسلبية والأساليب الإدارية المتعددة وآليات قياس الأداء والتنافسية والمخاطر والقيم المؤسسية وأخلاقيات المهنة.

وتترك للقارئ مؤشرات الحلول التي تقوده للتوصل إليها عبر سيناريو الموضوع ذاته؛ من أجل تدارك ما يمكن تداركه قبل أن تتهاوى، وهو سر عنوان الكتاب.

 

الإداري الجلاد يُطلق على من يعمل على إحباط الموظفين

يجب أن يكون صارما ولكن عادل

يقول الكاتب Ivancevich J. في كتابه Organizational Behaviour Management عن الإداري الذي لا يعتمد أسلوب المكاشفة والتفاهم مع موظفيه في العمل. هو الشخص الذي يستعرض قوته وسلطته كإداري في موقع مهم، لهذا فهو عدواني، غامض، لا يهتم لأحد من حوله، ولا يُعطي أيّة أهمية أو قيمة لآراء ومقترحات الآخرين، بمعنى آخر هو “الإداري الأوتوقراطي (Autocratic Leader).

أمّا “الإداري الجلاد”، فنقول إنه لقب يُطلق على الإداري الذي (بالإضافة إلى ما سبق ذكره) يعمل على إحباط من حوله وتثبيط عزائمهم بقراراته غير المدروسة واستبداده بآرائه وبرعونته في ردود فعله على كل ما يحدث في نطاق سلطته، فهو بذلك يكون جلادا للموظفين وجلادا لاقتصاد المؤسسة ذاتها. وتتعدد اوجه الإحباط وتثبيط العزم الذي يتسبب فيه الإداري، فبالإمكان أن يكون ذلك من خلال:

• إسناد مهام للموظف بما لا يمت بصلة إلى وصفه الوظيفي.

• تجاهل بعض الموظفين بعدم إسناد المهام التي تمكّنهم من إظهار قدراتهم ومهاراتهم.

• تجاهل آراء ووجهات نظر زملائه وموظفيه فيما يخص العمل.

• تعيين من لا يستحق من الموظفين في المكان الذي يستحقه غيره.

• عدم تمييز ومكافأة الموظف المتميز في إنتاجيته وأدائه.

• منح الترقيات والحوافز المخصصة للموظفين الأكفاء لغير الأكفاء.

• المعاملة السيئة للموظفــين/العـمّال التابعين لإدارته.

• نسْبة منجزات موظفيه إلى نفسه للظهور بما لا يستحق أمام مسؤوليه.

• الجري وراء مصالحه الشخصية لتحسين وضعه الخاص وفي المقابل تجاهل احتياجات ومستحقات موظفيه.

ويعتقد بعض الإداريين أنه بهذه الأساليب وهذا السلوك يكون صارما وذا شخصية قوية، ولكن يجهل أن الصرامة يجب أن تُقرن بالعدل. فطبقا لنظرية الشبكة الإدارية لــ Blake & Mouton المتعلقة بأساليب الإدارة. إن الإداري يجب أن يكون “صارما ولكن عادل Firm but Fair”، فهو الشخص الذي يؤمن باحتياجات الموظفين وكذلك متطلبات الإنتاج، يعامل موظفيه معاملة حسنة، يثق بهم، يؤمن بمصداقيتهم وبإمكان تكيفهم لأداء العمل بقناعة، فهو الشخص المنظّـم في أسلوب إدارته والذي يتسم بالمرونة مع الآخرين.

وهناك الكثير من مسببات الإحباط وانحدار المعنويات التي تصدر من الإداري مع تفاوت تأثيراتها السلبية على نفسية الموظفين، فهي إما أن تكون بقصد أو دون قصد، بمعنى أن بعضها يأتي بتبييت النوايا وبالتخطيط المسبق والبعض الآخر يأتي من جرّاء تجاهل الإداري واستهتاره بكل أو بعض من حوله، لذلك يتسبب في تثبيط عزائمهم تدريجيا، ويكون بذلك قد أسهم في نضوب مصادر حيوية لتطوير الإنتاج والإنتاجية. الأمر الذي يسوّيه بوظيفة الجلاد، فالأول يقطع خيوط المهارات والإبداعات الوظيفية للموظفين، والآخر يقطع الأعناق، لكن الفرق هو أن الإداري حين يفعلها يؤثم ويُفترض أن يُحاسب على ذلك. أما الجلاّد، فيُؤجر على ما يفعل إن كان ذلك قصاصا من آثم.

 

ضرورة المحافظة على الثقة المتبادلة بين الموظفين والمسؤولين

لا لتفشي الأحقاد وتبعاتها والتنافس غير المشروع

• بماذا نفسر سوء التفاهم الوظيفي الذي يحدث داخل مؤسساتنا فيما بين الأفراد أو فرق العمل؟

• وبماذا نفسر ازدواجية العمل المنجز داخل المؤسسة الواحدة من الإداريين أو الموظفين/ فرق العمل والذي يهدر على إثرها الوقت والجهد والمال؟

إن الإجابة عن هذين التساؤلين تكمن في غياب عامل الاتصال داخــل المــؤسسـة (Internal Communication) بـين جميع الفئات الوظيفية، حيث تمثل هذه الفئات حلقات وصل إن تم تجاهل إحداها أو تجاوزها فُقد التكامل، ومن ثم التفاهم المطلوب داخل المؤسسة. والنتيجة هي تفشي الأحقاد وتبعاتها والتنافس غير المشروع، ناهيك عن خلق ازدواجية في إنجاز المهمات سواءً بقصد أو دون قصد، الأمر الذي يساعد على انتشار مبدأ “أنا” و”هو” بدلا من “نحن” كفريق عمل متكامل.

لاشك أن من أنجح الأساليب الإدارية الحديثة هو تطبيق نظام الاتصال المباشر بين الإدارة العليا والوسطى والدنيا، والاتصال المباشر بين الإدارات والأقسام وكذلك خلايا الإنتاج في المصنع. فمن الضروري أن يكون الجميع على علم ودراية بكل ما يدور في المؤسسة مع انتهاج مبدأ الشفافية في التعامل، ومن جانب آخر يتحتم اعتماد سياسة تبادل الآراء والمقترحات فيمـا يخـص العمـل وذلك يطلـق عليه “أنظمة المعلـومات الأفقيـة والعمودية “(Horizontal & Vertical Information Systems) بمعنى انتقــال المعلومـات فيما بين فئات المستوي الواحد كأقسام الإدارة الواحدة وكذلك انتقال المعلومات من المستوى الوظيفي الأدنى إلى الأعلى والعكس. ذلك لا يتأتى إلا عن طريق عقد اجتماعـات دورية لكل الأطراف المعنية في المؤسسة (Periodical face-to-face Meetings) بالإضافة الى عقد اجتماعات طارئة عند الحاجة. ولاشك أنه في جميع المؤسسات (إلى جانب عقد الاجتماعات) يتم الاتصال الإلكتروني المباشر عبر (e-mail) لنقل المعلومات ولمناقشة قضايا العمل، حيث السرعة وتخفيض التكلفة، بل إن معظم المؤسسات أصبحت تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أيضا مثل الواتساب وما شاكل.

وكمثال مختصر على آلية الاتصال، في حال تنفيذ تعديلات إجرائية في المؤسسة أو عند محاولة تطوير منتج قائم/تدشين منتج جديد أو تحسين عمليات إنتاجية في حقل معين، يتحتم على المدير الأخذ في الاعتبار وجهة نظر زملائه المعنيين ومرؤوسيه واستشارتهم قبل اتخاذ أية خطوة، حيث اتصالهم المباشر بالإنتاج ودرايتهم بالحيثيات الصغيرة التي يجهلها صناع القرار. يلي ذلك إقرار المهمات وجدولتها زمنيا وتخصيص ميزانياتها ومن ثم توزيعها على حسب المسؤولية والتخصص والقدرات، وأخيرا يتم إعلان بدء التنفيذ. ثم تبدأ عملية اتصال أفقية وعمودية بين القائمين على تنفيذ المهمات والإدارة لحين الانتهاء من المشروع.

ونؤكد أن الاتصال الإداري الجيد والفعال هو ضرورة من ضرورات بيئة العمل وذلك لدوره في تشجيع ودفع الموظفين لتقبل خطط الإدارة الجديدة والتي يُفترض أن تنفذ لتطوير وتحسين الإنتاج والإنتاجية. وقد يعكس الموظف تأثير القرارات الإدارية المفروضة عليه برفضه الآتي:

• تقبل توجهـات الإدارة للممارسـة الأفضـل للعمل Best Practices) Orientation).

• تقبل التكامل المطلوب في مواقع العمل أو تقبل إعادة التنظيم والبناء.

• تقبـل النــداء لانظمامـه لفــرق تحسـين النوعية Quality Improvement) Teams) أو اختياره لمعالجة وحل مشكلات في أداء المنتج.

• تقبل متطلبات الإدارة للالتزام بالعمليات والإجراءات من أجل حل مشكلات الجودة.

• تقبل تعليمات التلطيف من علاقة الزبون المعادي Hostile Client) Relationship).

• تقبل قرارات التخلص من العمالة الزائدة عن الحاجة (Redundancies).

إن إحساس الموظف بالمشاركة في صنع القرار ولو بجزء بسيط يثبـّت لديه الشعور بكونه جزءا من المؤسسة، وبالتالي ينعكس إيجابا على انتمائه لها وعلى تقبله كل قرارات الإدارة ومن ثم تنفيذها برحابة صدر.

وختاما نود التنويه الى ضرورة المحافظة على الثقة المتبادلة بين الموظفين والمسؤولين بجميع المستويات من خلال تكوين اتصال رسمي وغير رسمي بشكل جيد ومميز؛ وذلك بغرض منع الشائعات التي قد تطلق من حين لآخر لتعكير جو العمل، وفي المقـابل للحـث على تبادل المعلومات الدقيقة والصحيحة.