+A
A-

الدولار القوي يعمق أزمات الأسواق الناشئة

كانت المرحلة الأولى في الأزمة الحالية لعملات الأسواق الناشئة هي كيف أن المشكلات الفردية للدول تمتد لتصبح عدوى، لكن دون أخذ عامل الدولار القوي في الاعتبار.

ويشير تحليل نشره موقع “بلومبرج أوبنيون” أن ما تتعرض له عملات الأسواق الناشئة تزامن مع بيانات كشفت ارتفاع متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة لأعلى مستوى في 9 سنوات، إلى جانب القراءة القوية لمؤشر مديري المشتريات في الولايات المتحدة عند أعلى مستوى منذ 2004، ما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لآجل عامين إلى الوصول إلى مستويات غير مسبوقة منذ 2007. وكل ذلك يجتمع مع أن الفيدرالي الأميركي في وضع لا يسمح له بالتراجع عن خطته لزيادة معدل الفائدة في أي وقت قريب أو إيقاف عملية بيع حيازته من السندات خلال فترة التيسير الكمي. ويجب على النظام المالي العالمي أن يعتاد على تراجع حجم السيولة الدولارية في الأسواق في الفترة المقبلة.

ومع وضع الاقتصاد الكلي الحالي، فإنه يبدو من الصعب تصور ما يمكن أن يوقف المسار الصاعد للدولار الأميركي.

وتعد اقتصادات الأسواق الناشئة التي لديها عجز كبير في الحساب الجاري وتعتمد بشكل واسع على تمويلات بالدولار الأميركي هي الأكثر عرضة للمخاطر.

ومع ارتفاع أسعار النفط، فإن الدول التي تعتمد على واردات الهيدروكربونات، والتي يتم استيرادها بالدولار الأميركي أكثر عرضة لتلك الأزمة.

وتعتبر تركيا والأرجنتين وجنوب إفريقيا - من كل الأسواق الناشئة التي تعرضت عملاتها إلى تراجع حاد مؤخرا - هي الأكثر عرضة لنوبة تراجع جديدة نتيجة الدولار القوي.

ويعد فشل تلك الدول في حل مشكلاتها الاقتصادية والسياسية هي دليل على أن مزيد من البؤس سيتكدس على عاتقها الفترة المقبلة.

كما أن الحساب الجاري لتلك الدول ما هو إلا دليل على مزيد من التدهور الذي ينتظرها، حيث إن الأسواق الناشئة، والتي تعاني عجزا ماليا كبيرا هي الأكثر عرضة لسلبيات ارتفاع الدولار.

وفي الأسبوع قبل الماضي، فقدت تركيا فرصة أخرى لإعادة كسب بعض السيطرة على عملتها المحلية عن طريق زيادة معدل الفائدة بعد التقرير الذي أظهر أن التضخم ارتفع لأعلى مستوى في 15 عاما خلال أغسطس.

ورغم أن البنك المركزي التركي رفع معدل الفائدة في الأسبوع التالي مباشرة، فإن القرار أصبح “متأخرا للغاية”؛ لتحفيز الليرة للتحول نحو الارتفاع.

وبالفعل، فإن البيانات الاقتصادية في تركيا أظهرت كيف أن الوضع يتدهور بسرعة، حيث سجلت نموا بنحو 5.2 % في الريع الثاني من العام الجاري، مقابل 7.4 % في الربع السابق له.

أما الأرجنتين التي رفعت معدل الفائدة إلى مستوى 60 % ولم تشهد حتى الآن تعافيا في عملة البيزو، فإنها في أمس الحاجة لتسريع صندوق النقد الدولي مدفوعاته التي تعهد بها عند 50 مليار دولار.

وتلجأ حكومة الأرجنتين إلى الاعتماد على ضرائب التصدير؛ لتضييق عجزها المالي قبل عام من الموعد المقرر، ويعتبر فرض ضرائب على القطاعات التي تدر دخلا في اقتصادها الهش؛ من أجل سد عجز الموازنة إستراتيجية غير مفيدة للنمو على المدى الطويل.

وفي جنوب إفريقيا وبعد انزلاق الاقتصاد وبشكل غير متوقع داخل الركود يبرز كيف أن المشكلات السياسية تعمقت منذ الإطاحة برئيسها جاكوب زوما مع بداية العام الجاري.

وانخفضت أسعار العقارات بمقدار الثلث، حيث إن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم يخطط إلى تنفيذ إصلاحات فيما يتعلق بالأراضي، كما أن وزير مالية البلاد حذر من خفض محتمل لتقديرات الإيرادات والنمو للعام الجاري.

وليس معنى ذلك أن أيا من الدول النامية الأقل تعرضا للدولار قد تشهد أياما ميسورة، والروبل الروسي خير دليل على ذلك، فتراجعه الفترة الراهنة هو دليل جوهري حول كيف أن المشكلات الأخرى يمكنها إثارة الرغبة في الابتعاد عن أي مخاطرة لدى المستثمرين.

وسيجعل الاقتصاد الأميركي النابض بالحياة التعافي أكثر صعوبة بالنسبة للاقتصادات الضعيفة التي تعتمد على تمويلات الدولار من الخارج. ومن المتوقع أن تأخذ العدوى داخل الأسواق الناشئة منعطفا مقلقا.