+A
A-

ندوة ليوسف الحمدان بالكويت المسرحي

شارك الناقد المسرحي البحريني يوسف الحمدان في ندوة بمهرجان الكويت المسرحي التاسع عشر حملت عنوان “الناقد والمؤلف ..علاقة إبداعية اشتباكية” حضرها عدد كبير من المهتمين والمتابعين، وفي مستهل الندوة أوضح الحمدان هذا المحور الإشكالي الذي تتعدد أوجه العلاقة بين الناقد والمؤلف، فهناك المؤلف الناقد والعكس، الناقد المؤلف، وهناك الناقد للمؤلف من خارج دائرة المؤلف الناقد أو العكس، وهناك المؤلف المخرج الذي يكتب نصه على فضاء عرضه المسرحي، وهناك المؤلف الناقد الذي يرتجل نصه وفق الموقف اللحظي، وهناك وهناك، حيث تتعدد أوجه العلاقات حد الالتباس بين الناقد والمؤلف.

ولنعد لبدايات تاريخ هذه العلاقة، وتحديدا في المسرح الأثيني، حيث مخرج العرض هو مؤلفه وناقده قبل أن يؤطرها المعلم الفيلسوف أرسطو في كتابه (فن الشعر)، ولعل هذه العلاقة قد اتضحت بشكل جلي، في مسرحية (السحب) لمؤلفها ومخرجها وناقدها أريستوفانيس، الذي أرسى من خلال هذا النص أول منيفستو للنقد المسرحي في تاريخ المسرح، حيث كان المسرح محورا رئيسا بكافة عناصره ومفرداته فيه، ومخضعا لمجهره النقدي فيه، ولي في هذا الشأن رسالة تخرجي من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت والتي حملت عنوان (أريستوفانيس بوصفه ناقدا مسرحيا)، كان ذلك العام 1979، وأزعم أنها أول رسالة تطرق أبواب النقد المسرحي من التأليف المسرحي.

وكذا الحال مع أنتونين أرتو، مؤلف المسرح وقرينه وجسد يختبر العالم، والذي أسهم في تشكيل تيار مسرحي عالمي.

وكذلك رائد مسرح المقهورين أجوستو بوال، الذي اكتنز وانطوى مسرحه على نقد ساخط مؤثر، تشكل على ضوئه تيار مسرحي يقرأ النقد من عمق النص والعرض.

ويتابع الحمدان ..وكذلك الحال مع غروتوفسكي ومايرخولد وبينا باوش وأريان نوشكين وبيتر بروك وأوجينيو باربا وتسادك وروبرت ويلسون وباتريس بافيس وتادوش كانتور ومونجيك، كلهم شكلوا اتجاهات نقدية تتماهى مع التجربة الإبداعية وأسهموا في حراكها، فكانوا منظرين لها ومبدعين في الآن نفسه.

وعلى الصعيد العربي لدينا نماذج مهمة وساطعة ومؤثرة في سياق هذا الاشتباك المؤسس والخلاق بين التأليف والتنظير، وهم الكاتب الراحل سعدالله ونوس وتجربته مع (بيانات لمسرح عربي جديد)، والتي وثقها في كتاب في أوائل التسعينات، وتجربته النقدية في مجلة الحياة المسرحية التي كان لفترة يرأس تحريرها، والكاتب عبدالكريم برشيد وتجربته التنظيرية في بيانات المسرح الاحتفالي، والكاتب عز الدين المدني.

كما يهمني أن أشير أيضا في هذه السانحة، إلى الدور النقدي والتنظيري الريادي الذي لعبه الناقد والباحث البحريني إبراهم عبدالله غلوم في ساحتنا المسرحية الخليجية، فله كبير الأثر على كثير من التجارب المسرحية بالخليج، وهو من أهم من وقف على الظاهرة المسرحية وكيفية تطورها.

ومن المهم أيضا الإشارة إلى الدور التأسيسي الفاعل للحركة النقدية في المغرب، والذي اضطلع به وتصدى له الأستاذ الناقد الكبير حسن المنيعي.

ويردف الحمدان ..هذه التجارب، بلاشك وجدت من يتبناها ويترسم أفقها في وعيه النقدي، ويقيس على ضوئها المسرح الذي يريد أو يطمح أن يكون، وإن أخذ الشطط ببعضهم إلى درجة العمى، حيث لا يرى أي مسرحية تستحق الاهتمام ما لم تترسم ما جاء في مثل هذه البيانات.

وتتحدر من هذه التجارب المؤسسة في حينها؛ نظرا لعلو صوت المد الفكري والسياسي والمسرحي واشتباكاته الخلاقة إبان سبعينات وثمانينات القرن الماضي في وطننا العربي، تتحدر تجارب أخرى في خارطتنا المسرحية العربية، تقاطع واشتبك فيها التأليف مع النقد والتنظير، وربما تكون تجربة مسرح الفوانيس الأردنية مع بيان مسرح الفرجة، وبيان كاتب السطور في مسرح الشحنة الذي تشكل إبان وهج الحراك التجريبي في المسرح العربي ومدى تأثر مسرح الصواري البحريني به، وانعكاس تأثير بيانات ونوس على هذا البيان، ربما تكونان أقدم هذه التجارب. ومن بين هذه التجارب الاشتباكية الخلاقة التي تشكلت في رحم المؤلف الناقد أو الناقد المؤلف، تجربة الناقد سامح مهران من مصر مع التأليف، والناقد محمود سعيد من مصر والناقدين المغربيين سعيد وخالد أمين.

ومن بين هذه التجارب أيضا، محمد مبارك بلال ، وفيصل القحطاني، ثم يعرج الحمدان على قضية الإبداع ويقول: من يقود الآخر للإبداع؟ النص أم النقد؟ إذا قاد الناقد المؤلف للإبداع، فحتما أسهم في الارتقاء بعملية النقد إبداعيا.. إن اشتباك الناقد مع المؤلف يضمن لعملية النقد تجددها في الاكتشاف والبحث حد الإبداع، مثلما يسهم في استفزاز مخيلة المؤلف التي من شأنها أن تقود الناقد للبحث عن آليات جديدة في النقد. وفي هذا الصدد أحب أن أشير وأؤكد، بأن النص المسرحي الذي يخلو من الحس النقدي المعرفي المُرتأى إبداعيا، هو نص ليس جديرا بأن يقرأ؛ لأنه يعتمد على خواء.

كذلك النصوص التي تكتنز بالوعي الخلاق تنتج مؤلفين خلاقين ونقاد خلاقين، أما النصوص التي تأتي خلاف ذلك فلا تنتج مؤلفا ولا ناقدا ولا مسرحا؛ لذا لا ينبغي من وجهة نظري أن يوضع الناقد خارج دائرة الإبداع، فللناقد مقترحات ورؤى أسهمت في ضخ ماء الإبداع في روح مسرحنا المعاصر ولا تزال، وربما لولاه لكانت أرض الخلق في مسرحنا يباب.