+A
A-

جمعة الماجد ،، من بيع البضائع إلى تأسيس كبرى الإمبراطوريات التجارية في الإمارات

كان اللقاء مع رجل الأعمال الإماراتي الوجيه جمعة الماجد في مكتبه مختلفًا بالتأكيد. فالجلوس بمعية هذه القامة الاقتصادية الاستثنائية ليس بالأمر المتكرر كثيرًا.. شخصية توجز مسيرته التجارية التي بدأها من نقطة الصفر، والحياة العصامية كيف تكون، وإلى أين يمكن لها أن تصل.
نجح الماجد بتأسيس امبراطورية تجارية كبرى، لها يد طولى في عمل الخير، ونشر التعليم المجاني، وخدمة المواطنين والمقيمين على حد سواء في الإمارات العربية المتحدة، وفي أقطار أخرى.
في هذا اللقاء نستعرض، بشكل هادئ، أهم محطات صعود هذه الشخصية المختلفة، والناجحة في صنع التغيير البنّاء والمؤثر.

- ترعرعت أنا وزملائي بذلك الوقت لدى المعلمين في البيوت

- تتلمذت على يد معلم إيراني كان يتقن العربية والإنجليزية

- أول محل كان في بداية الخمسينات ويختص ببيع الأقمشة

- عارضتُ قرارا خليجيا بعدم تعليم أبناء الأجانب والوافدين مجانا

بدأت في منطقة “الشندغة” التاريخية، ونشأت نشأة عصامية، كيف كانت ملامح البدايات؟
ترعرعت أنا وزملائي بذلك الوقت لدى المعلمين في البيوت، حيث كانت أساليب التعليم المتبعة وفقًا للطرق التقليدية الشائعة حينها. واستمر الحال كما هو عليه، حتى تم إنشاء مدرسة شبه نموذجية، مثلت بدايات مراحل التحول التعليمي في الإمارات إلى “النظامي”.
انتقلت لهذه المدرسة وأنا بالعاشرة من العمر، وتدرجت في صفوفها الدراسية، بمناهج جديدة ومتنوعة تختلف تمامًا عما كنت أتلقاه في الدراسة بالبيوت، والتي كانت تنحصر في العلوم القرآنية.
ومن المحطات التي لا تزال محفورة بذاكرتي، تلمذتي على يد معلم إيراني كان يدرّس بإتقان اللغتين العربية والإنجليزية. وفي مرحلة تحول لاحقة، قام أحد المواطنين العائدين من الهند، واسمه حسن ميرزا، بفتح مدرسة جديدة وحديثة، كنت ممن عرجوا عليها، وتتلمذوا بها.
وأذكر أن المرحوم محمود القمبري، وهو صاحب مدرسة أخرى، كان يأخذ رسومًا على الطلبة بحدود العشر روبيات، في حين كان ميرزا يأخذ 20 روبية.
ذهبت إليه مبديا رغبتي بالدراسة عنده، وقلت له إنني لن أدفع له أكثر من 10 روبيات، فوافق وقال “عطني إياهم بس مو قدام الأولاد”، فدرست هنالك لسنوات عدة اللغتين العربية والإنجليزية. بعدها طلب مني خالي أحمد بن ماجد الغرير، أن أعمل بمكتبه، فكان ذلك لعامين تقريبا.

ماذا عملت لديهم؟
عملت معهم كل شيء، من بيع البضائع، والتسويق لها، إلى تحصيل الأموال من تجار السوق كل سبت، وبذلك الوقت لم يكن أحد يشتري البضائع بالنقد الفوري.
كما كنت أتواصل مع التجار، وأرسل لهم الرسائل البريدية، بعدها ساعدوني على فتح محل، وأعطوني بضاعة صغيرة (أقمشة) و700 روبية، وكان ذلك ببداية الخمسينات.

هل كنت من محبي هذا النوع من التجارة؟
بذلك الوقت، لم يكن لنا كناشئة مقبلين على العمل والتجارة أي رأي، بل كنا نطيع من هم أكبر منا سنًا، خصوصًا في العمل التجاري، الذي يكون وفق خياراتهم هم، فقبلت العمل والبداية الجديدة على مضض. وفي آخر السنة الأولى وجدت نفسي قد ربحت ألفي روبية، وكانت بداية جيدة وموفقة، وواصلت عليها لسنوات عدة، حيث كنت أتنقل لشراء البضائع من الكويت، والبحرين؛ لبيعها في الإمارات.
وأشير هنا إلى أن بعض البواخر التجارية التي كانت تأتي من البصرة، كانت تعرج على دبي مرة كل أسبوعين، وعندما كنت أذهب للكويت وأنهي عملي، كنت أزور البحرين من خلال الباخرة المقبلة من البصرة، والتي تمر على الكويت في طريقها للبحرين.

- عملت على مضض ولكن بعد السنة الأولى ربحت ألفي روبية

- كنا نتعامل تجاريا مع المسقطي وعبدالرحمن آجور في البحرين

- استغرقت في بيع 200 مكيف عامين ولم تكن هنالك كهرباء حكومية

- لدينا 11 ألف طالب لكل المراحل وندرّس مجانا في المساء

مع من كنت تتعامل في البحرين؟
مع المسقطي، حيث كنا نشتري البضائع من الكويت ونبيعها له، وأذكر أنه كانت لديه صيدلية، وهنالك أيضًا التاجر عبدالرحمن آجور، والذي كنا نبيعه بعض الخامات من الكويت.

متى توسعت تجارتك في الأقمشة وتنوعت؟
الأمر يعتمد على احتياجات السوق نفسها. بدأت فعليا مع التاجر محمد القاز، إذ كان يسافر قبلي، ومع الوقت وجدنا أن السفر للكويت لم يعد مجديًا، ففتحنا محلا بدبي، وكان لمعرض القصيبي في البحرين وكالة “جنرال إليكتريك” الأميركية، وكنا نبحث حينها عن الوكالات الأجنبية.
وبينما كنت أتفحص إحدى الثلاجات في المعرض، وجدت ورقة الضمان، وعليها عنوان الشركة الأم، فوضعت الورقة بجيبي وخرجت من المحل، وعدت أدراجي لدبي، وكتبت رسالة لــ “جنرال إليكتريك”، فردوا علي بأن ممثلهم التجاري في لبنان، فأرسلت له رسالة أطلب ترتيب لقاء، فجاءني الرد بأنه مرحب بي، وسافرت إثر ذلك إلى لبنان.
في صباح اليوم الثاني من وصولي، ذهبت لشركة “الكتاني” صاحبة الوكالة العامة بالشرق الأوسط كله، وتركيا، والمغرب، وإيران، وعندما التقيت مسؤولها، أوضحت له رغبتي في العمل ممثلا لهم بالإمارات، فسألني: كم تريد؟ فأجبت: 200 مكيف، فقال: لو تشتري من عندنا سيكون أرخص لك، ووجه قسم المبيعات لأن يبيعونني الكمية.
استغرقت في بيع هذه المكيفات عامين كاملين، إذ لم تكن هنالك شبكة كهرباء حكومية، وإنما فردية. بعدها راسلت شركات كثيرة، بالشرق والغرب، فنمت التجارة تدريجيًا، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.

لدى سعادتكم، مركز مرموق للكتب، غني بالكتب التاريخية والثمينة، كيف بدأت ذلك، وإلى أين وصلت الآن؟
عندما نزل سعر برميل النفط الخليجي في منتصف السبعينات إلى 6 دولارات، تم اتخذ قرار خليجي بشهر أغسطس بعدم تعليم أبناء الأجانب والوافدين مجانا، وذلك مع قرب فتح أبواب المدارس بشهر سبتمبر.
وكنت حينها رئيسًا لمجلس الآباء، فقلت لأحمد الطاير، وكان وزيرًا بالنيابة، إن هذا قرار خاطئ، وكان من المفترض إطلاع الأهالي قبلها بعام على الأقل، فأجابني بأنه اتفاق بين دول مجلس التعاون وليس قرارا فرديا.
بعدها طلبت منه السماح لي بأن أستفيد من المدارس بالفترات المسائية لتعليم الطلبة من أبناء الوافدين والمقيمين، وطلبت منه أن يوفر لي الكتب أيضًا، وبعد أن أخذ الأذن من مجلس الوزراء بالموافقة، وفر لي الكتب اللازمة لذلك، فبدأت بالمشروع وتكفلت أنا بدفع الرواتب للمدرسين.
في السنة الثانية، كان هنالك بناية في البر، والبلدية أمرت بهدمها، طلبتها من الطاير، فوافق، فقمت بترميمها، ووفرت اللوازم للدراسة، وأخذت أحد المسؤولين من وزارة التربية والتعليم، وكلفته ليكون مديرًا عليها، ثم بدأنا مشوار التعليم.
كم عدد الطلبة الذين يتم تدرسيهم بمدارسكم اليوم؟
بفضل من الله لدينا 11 ألف طالب لكل المراحل، بكلفة دراسية لا تتخطى 7 آلاف درهم سنويًا للمقتدر، أما الذي لا يمتلك مقدرة الدفع، فإنه يستطيع الالتحاق بالدراسة في الفترة المسائية مجانا.

كم عدد هذه المدارس؟

مدرستان في الشارقة، وواحدة في عجمان، وأخرى بدبي، وتتصدر هذه المدارس العديد من الجوائز سنويا.

ما الهدف من إنشائك كلية الدارسات الإسلامية واللغة العربية؟
محاربة الجهل، الذي أخر تقدم الأمة العربية. كان هذا الهاجس الملازم لي دائمًا.

كيف كانت بدايات الحركة التجارية في دبي؟
البداية مع توجيه سمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في العام 1969 ببناء ميناء متطور في المياه العميقة من 4 أرصفة عند مدخل الخور، وهو المشروع الضخم الذي كلفت به إحدى الشركات البريطانية، لـ 17 موقفًا للبواخر، وبتمويلات دفعت كلها بالقروض.
وأثناء الإعداد لبناء ميناء جدة، جاء وفد من هنالك للاطلاع على التجربة الإماراتية في بناء ميناء دبي، وكان مكونًا من شخصين فقط، فقال الشيخ راشد (رحمه الله) حينها متعجبًا “عشان يسوون الميناء، مرسلين شخصين اثنين بس؟”.
وأذكر أنه حين تم افتتاح ميناء خور دبي، بعد فترة طويلة من العمل الشاق والمكلف، حدثت ضجة كبرى على مستوى الشرق الوسط، كلها تعجب واندهاش بهذا الميناء العالمي الذي نجحت إمارة دبي بإنشائه، وبمواقف تتسع لـ 17 باخرة ضخمة.
مع الوقت توالت المشاريع التي كان يوجه لها سمو الشيخ راشد (رحمه الله) كمركز للتجارة العالمي، والحوض الجاف، مصنع للألمنيوم، مصنع للكابلات، وغيرها، فكانت المشاريع بتوفيق من الله، واجتهاد من أبناء الإمارات تنمو وتتصاعد، بتمويلات قروض من بريطانيا.
بعدها طلب سمو الشيخ راشد، وكان رجلًا طموحًا، بإنشاء ميناء جبل علي، وحين سُئل عن السبب وميناء دبي موجود، قال “أريد ميناء أكبر”، فسألوه مجددًا “بتحتاج له؟”، فأجاب برؤية ثاقبة “إذا ما احتجت له، عيالي بيحتاجون له”، وكان ذلك بالفعل.
بعد وفاته، تسلم سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زمام الأمور كلها؛ ليكمل نفس الرؤية التي بدأها والده، والتي جاء من ضمنها مطار دبي، ثم تم إنشاء شركة طيران خاصة بالإمارات (الإماراتية)، التي تعد اليوم من أفضل شركات الطيران بالعالم، وتوالت النهضة المتسارعة والشاملة تباعًا، حتى وصلت إمارة دبي إلى ما هي عليه الآن، يفاخر بها أبناء العرب جميعا، ويرحب بهم فيها جميعًا.