+A
A-

محمد آل محمود عراقة عائلية بتجارة اللؤلؤ تمتد لـ 130 عامًا

آل محمود توارثوا تجارة اللؤلؤ منذ 1890

افتتاح أول محل رسمي لـ “لآلئ المحمود” في 1980

اللؤلؤ للحاضر والمستقبل فهو زينة وخزينة

آل محمود عائلة خطباء وطواويش

مقولة لوالده: “مثلما ربيتكم ربيت عقود اللؤلؤ معكم”

العائلة تحكم في الخلافات بين الطواويش والغواصين

مهنة تجارة اللؤلؤ تحتاج إلى خصلة الصبر

جيل الشباب يواصل مسيرة الآباء والأجداد

آل محمود: لدينا عقود لؤلؤ استغرقت صناعتها 40 عامًا

 

تعد عائلة آل محمود من العوائل المعروفة في البحرين وبالتحديد في مدينة الحد بالمحرق. وعلى الرغم من أن العائلة معروفة بشيوخها ورجال الدين وعلماء الشرع الذين كانوا يقومون بالخطابة وأمور القضاء، إلا أنها أيضا لعبت دورًا كبيرًا في تجارة اللؤلؤ ليس على مستوى البحرين فحسب بل على مستوى الخليج، إذ كانت البحرين مركزًا لجمع اللؤلؤ بالخليج وبيعه للأسواق العالمية خصوصًا الهند. وللتعرف على تاريخ العائلة الحافل بالعطاء كان لـ “البلاد” وقفة مع المدير العام لشركة “لآلئ آل محمود”، محمد عبدالرزاق آل محمود، الذي يعد من الجيل الواعد الذي يواصل مسيرة نجاح عريقة بدأها أجداده قبل قرابة 130 عامًا.

 

تاريخ ممتد منذ 1890

يبدأ محمد آل محمود حديثه بتحديد تاريخ مباشرة العائلة لتجارة اللؤلؤ، مؤكدًا أنها تعود إلى زمن بعيد، فقد استطاعت العائلة الحصول على وثائق ومراسلات تعود لما قبل القرن الماضي، بعد أن كان التاريخ السابق لبدء العائلة في تجارة اللؤلؤ في 1913 إلا أن المراسلات الجديدة التي عثر عليها مع تجار البصرة تشير إلى تاريخ قبل ذلك.

وقال آل محمود “حصلنا على وثائق يعود تاريخها لنهاية القرن التاسع عشر، أي أي بحدود 1890“.

وأشار إلى أن هناك جهودا بدأت لتوثيق حياة الوالد والعائلة في كتاب، لكنه أقر بأن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت؛ خصوصا أن هذا التدوين سيكون مبني على وثائق.

وأوضح آل محمود أن بداية تاريخ العائلة في تجارة اللؤلؤ يعود إلى الشيخ عبدالعزيز آل محمود الجد الكبير محمد بن عبدالرزاق آل محمود، وهو مؤسس أول مدرسة أهلية في منطقة الحد، والذي اقتطع جزءا من منزله؛ ليعلم أبناء المنطقة عددا من العلوم ومن بينها الحساب.

وكان كل من الشيخ محمد عبدالرزاق، والشيخ عبدالعزيز والشيخ عبدالحميد، والشيخ أحمد، يقضون في الشرع بالأمور التي تتعلق بالخلافات في تجارة اللؤلؤ في البحرين، ويحكمون بين المتخاصمين بين الغواصين والتجار، إذ كانوا يقدرون قيمة اللؤلؤ حين نشوب خلافات بشأن السعر مثلا، فكان لهم القضاء والخطابة إلى جانب مهنة “الطواشة” أي تجارة اللؤلؤة.

أول محل لشركة لآلئ المحمود

وبالحديث عن النشاط التجاري لشركة لآلئ المحمود وبداية افتتاح المحلات التجارية، يشير المدير العام للشركة محمد آل محمود، إلى أن أول محل افتتحه والده في سوق الطواويش بالمنامة بشكل رسمي، وقبل ذلك كان الطواويش يعملون في “العمارة” والتي كانت العائلة تعمل من خلالها إذ كان لديهم - أي الطواويش - مجالس ولا يمتلكون محلات وكانوا دائمي التحرك.

وبيّن أن والده تعلم مهنة الطواشة من أبوه عبدالرزاق بن محمود آل محمود (مواليد 1942) من جده وخاله الشيخ عبدالحميد، إذ بدأ الوالد المهنة ومسيرة تأسيس شركة لآلئ المحمود بسجل تجاري رسمي في العام 1980، وقبلها كان العمل يمارس ولكن ليس من خلال المحلات التجارية المعروفة اليوم.

بداية محمد آل محمود

تعلمت الحرفة منذ أن كنت صغيرا، فمنذ أن كان عمري 7 سنوات كان الوالد يأخذني إلى غرفة على سطح المنزل، حيث يتم “الخراق” و ”فرد اللؤلؤ “ و ”الشكاك”، و “تعلمنا فرد الألوان والأشكال والمجموعات ثم عطونا الخيط وعلمونا الشك وغيرها”. وقال “عملت في معظم الأمور، جميعنا يعمل سواء الأخوان والأخوات (...).

وتحدث محمد آل محمود عن طقوس تجارة اللؤلؤ التي لا زالت باقية إلى اليوم “لا زلنا نستيقظ الصباح لعملية فرد اللؤلؤ أو تصنيفه، فالفجر هو أفضل وقت لرؤية اللؤلؤ في ضوء النهار لغاية الظهر، فنور الشمس هو أفضل إنارة للتعرف على اللؤلؤ والتجارة تكون دائما خلال أوقات النهار (...) تعلمنا ذلك منذ الصغر وتربينا عليه”.

ويشير إلى أنه كان يعمل في اللؤلؤ إلى جانب الدراسة، لكنه بدأ التفرغ لهذه التجارة من خلال الشركة بعد إنهاء فترة دراسته الجامعية في إدارة الأعمال، إذ وجد هوايته في هذه للمهنة ليندفع نحوها اندفاعا ويترك الكثير من الوظائف التي عرضت عليه ومن بينها منصب في مختبر البحرين لفحص اللؤلؤ، فهو حاصل على شهادة احترافية من مختبر “جي آي أيه” في بريطانيا في فحص اللؤلؤ إلى جانب شهادات في فحص الألماس.

وبدأ محمد آل محمود في التعمق في تجارة اللؤلؤ “الطواشة” منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، قائلا “تسلمت المنصب القيادي في الشركة في العام 2011 إلى 2013 حين سلمني الوالد معظم الأمور، لكننا نعمل جميعنا في الشركة كعائلة، وقبلها كان أخي الأكبر جلال (رحمه الله) هو بمثابة أساس العمل إلى جانب الوالد“.

واستطرد في القول “إلى جانب الوالد أعمل أنا واثنتان من أخواتي في تجارة اللؤلؤ”.

تطور العمل

كانت “لآلئ المحمود” تركز على تجارة اللؤلؤ وصياغة الذهب عيار 21، قبل أن تطور العمل في تجارة اللؤلؤ في شركة “لآلئ المحمود”، بدأ ذلك منذ منتصف التسعينات بقيادة أخيه المرحوم جلال، إلى جانب إحدى أخواته، إذ كانوا خريجي بريطانيا في مجال تصنيع المجوهرات. وتم إدخال الألماس إلى جانب اللؤلؤ في المجوهرات والساعات الفاخرة منذ العام 1994، وبعدها تم افتتاح ثاني فروع الشركة في مجمع العالي ليكون إلى جانب المكتب الرئيس في مجمع يتيم والذي تم افتتاحه في العام 1988. وتأمل الشركة في تجديد محلها قريبًا في مجمع العالي، ولديها حاليًا 4 فروع، فإلى جانب فرعها الأقدم في مجمع يتيم والعالي لدى المجموعة فرعان في مجمع “مودا مول”.

التوجه لمجوهرات اللؤلؤ البسيطة

وخلال السنوات الخمس الماضية، قامت شركة لآلئ المحمود بالتركيز على إدخال اللؤلؤ في المجوهرات مع ارتفاع الطلب، خصوصا المنتجات البسيطة والتي تكون أسعارها في متناول الراغبين، لاسيما للسياح الأجانب الذين يرغبون في شراء منتجات تذكارية عن البحرين.

وقال “بدأنا في زيادة مزج الألماس واللؤلؤ في المجوهرات، وصياغة مجوهرات بسيطة تبدأ أسعارها من 100 دينار، وصممنا منتجات لمختلف الأعمار من 10 سنوات وحتى السيدات من كبار السن”.

ارتفاع الطلب على اللؤلؤ

وأشار آل محمود إلى ارتفاع الطلب على اللؤلؤ في السنوات العشر الأخيرة، وأن الإقبال يأتي من مختلف الجنسيات بل وحتى على مستوى العالم، فاللؤلؤ البحريني معروف دوليًا، فحينما يحضر مؤتمرات ومعارض دولية عن المجوهرات، الجميع يعرف اللؤلؤ البحريني، وهذا سر أنه لا يزال الملوك والأمراء في الهند (المهراجا) يفضلون ترصيع مجوهراتهم باللؤلؤ، ومنهم ملكة بريطانيا والتي استخدم في مقتنياتها اللؤلؤ البحريني.

وأوضح أن الناس رجعت لطلب اللؤلؤ الطبيعي خصوصا اللؤلؤ البحريني والخليجي، “نرجع للمثل القديم الذي يقول اللؤلؤ زينة وخزينة”، مؤكدًا أن اللؤلؤ يعتبر استثمار مجدي علاوة على كونه زينة تتحلى بها النساء.

وأكد آل محمود أن شركات عالمية تطلب اللؤلؤ البحريني لصناعة مجوهراتها، لكن معظم هذه العمليات تتم عبر وسطاء.

عقود لؤلؤ تستغرق 40 سنة

ويعتبر العقد هو أبرز المجوهرات التي تتميز بحبات اللؤلؤ الكبيرة والمتجانسة، والتي يستغرق الحصول على حباتها وإكمال العقد سنوات طويلة. وفي هذا الصدد يشير محمد آل محمود إلى أن لدى الشركة عقود استغرق نظمها 20 و30 وحتى 40 سنة؛ ليكون العقد أكبر منه بنحو عام.

ويحيط عمل تجار اللؤلؤ بالسرية في بعض الأحيان، إذ يتكتم تاجر اللؤلؤ على اللآلئ الثمينة أو العقود الثمينة، ويعطي تاجر اللؤلؤ سعرا أعلى للؤلؤة إذا كان هو أول شخص تعرض عليه لشرائها، كما يشير آل محمود.

وحتى في بيع اللؤلؤ، يروي آل محمود كيف أن والده كان يحرص على بيع القطع المميزة على أشخاص يقدرون قيمة ما بحوزتهم من عقد، إذ يرى تاجر اللؤلؤ أنه بذل جهدًا في نظم هذا العقد فنشأت علاقة خاصة معه، ويريد أن يقتنيه شخص يقدر قيمة هذا العقد.

ويستحضر آل محمود هنا مقولة والده “مثلما ربيتكم ربيت عقود اللؤلؤ معكم” في كناية على الوقت الطويل الذي يستغرقه نظم عقد اللؤلؤ، وهو ما يؤكد أن هذه المهنة تحتاج إلى خصلة الصبر.

وأشاد آل محمود بتنظيم مهنة صيد اللؤلؤ ومنح التراخيص، وهي خطوة كانت يطالب بها شخصيا منذ سنوات، خصوصا أن الكثير من البحرينيين الشباب استفادوا من هذا العمل وحصلوا على تراخيص، وبدأوا بصيد اللؤلؤ وكسب الأموال سواء كأفراد أو مجموعات، حتى من دون الغوص إلى الأعماق، إذ يكفي الدخول مشيا على الأقدام عند حدود الجزر للحصول على المحار الذي قد يحتوي على لؤلؤ ثمين.

ويشير إلى أن كثير من الشباب يعرضون عليه اللؤلؤ، ويشعر بالفرحة شخصيًا حين يراهم يتقاسمون المبلغ الذي حصلوا عليه من صيدهم للؤلؤ.

وبيّن أن ما يميز البحرين وحافظت به على صناعة البحرين، هو منع تداول اللؤلؤ والعمل في اللؤلؤ المستزرع والصناعي، كما أن افتتاح مختبر اللؤلؤ نهاية الثمانينات واكتسابه مكانة عالمية أكدها موقع البحرين العالمي في هذا المجال.

الحفاظ على سمعة القطاع

وأشار محمد آل محمود إلى أنه يدير حاليًا معظم أعمال شركة “لآلئ آل محمود”، إذ يعتبر ذكر تجارة اللؤلؤ مسؤولية كبيرة على عاتقه كشاب؛ لحفظ تراث واسم العائلة الذي ارتبط بتاريخ عريق في تجارة اللؤلؤ، مؤكدا أنه يعمل على مواصلة تطوير العمل في مجال اللؤلؤ الذي يعتبر قطاعا تتميز به البحرين.