+A
A-

عبدالله الحواج: المستحيل اليوم... ممكن غدا

المنامة كانت ومازالت تعج بالحضارات والثقافات

رحيل أمي في وقت مبكر من عمري كان فاجعة

المحرق كانت كحبيبات الفسيفساء الأندلسي

عملت أولا بمكتب الإحصاء  التابع لـ“المالية” آنذاك

درست بكلية العلوم قسم الرياضيات في “الكويت”

منح  الدكتوراه الفخرية في العلوم من “بروينل” البريطانية

التحقت بـ “الهداية الخليفية” أول مدرسة في البحرين

تم اختياري عضوا باللجنة العليا للميثاق الوطني

 

يؤمن ضيفنا هذه المرة بأن ما هو مستحيل اليوم سيكون ممكنًا في الغد.. إنه مؤسس الجامعة الأهلية رئيس مجلس أمنائها نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الطفولة نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة يوسف عبدالوهاب وأولاده، عبدالله الحواج، الذي حصل أخيرا على الدكتوراه الفخرية في العلوم من جامعة بروينل البريطانية العريقة. “البلاد” كان لها شرف لقائه ومحاورته لسبر أغوار نجاحه...

حدثنا عن النشأة والطفولة والتعليم؟

الميلاد والنشأة في مدينة المنامة العميقة، التي كانت تشتهر آنذاك بدبيبها التجاري، وحالتها الإنسانية الخالصة، ثقافات تعبر أو تستقر، حضارات تمر أو تؤثر، وشعوب تستريح أو تغادر، جميعها كانت سمات تتميز بها المنامة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي. بكل تأكيد كان للنشأة أثر في حياتي، إذ كان والدي يمتلك محلًا لخياطة البشوت وكان يساعده آنذاك أخي الأكبر جواد.

لسوء الطالع انتقلت والدتي (رحمة الله عليها) إلى جوار ربها وعمري لم يتجاوز السابعة، شعرت بأن الأرض تجمدت من تحتي وعجلة الكون التي كانت تستعد إلى الانطلاق بي كي أستقبل زخم الدنيا بحلوها ومرها قد وافاها الأجل المحتوم، نعم إن فراق الأم لا يضاهيه فراق، والوحدة الحقيقية واليتم الأليم لا تشعر به إلا إذا فارقتنا أغلى وأعز الناس وهي الأم.

رغم ذلك، ورغم ضخامة المسؤولية المبكرة، إذ كان لزاما عليّ أن أتحملها وحدي، وكان مفروضًا عليَّ أن أواجه حتى تفاصيل الحياة الصغيرة بوعي مبكر، وإدراك فطري ظننته مقتصرًا على حضن أمي، كان والدي الحاج يوسف عبدالوهاب الحواج (رحمة الله عليه) سندًا وعضدًا، إذ قام بدور الأب والأم لي ولإخوتي، ولم يُقصر في توفير الرعاية الكاملة لنا.

زخم خليجي عربي بـ “الهداية”

وبالفعل، بعد انتقال العائلة إلى مدينة المحرق العريقة، حيث ترعرت في أجواء بحرينية خالصة، الأبواب المفتوحة، البيوت التي تكتسب صبغة عربية أصيلة، والفرجان الملتصقة بجوار بعضها في تناغم عمراني بديع كأنها حبيبات الفسيفساء الأندلسي المدهشة، في تلك الأثناء التحقت بمدرسة الهداية الخليفية أول مدرسة في البحرين، بدت وكأنها الشرق العربي بأسره، زخم خليجي، تراث وطني، عادات وتقاليد من رحم التاريخ البعيد، وأساتذة من البحرين ومصر وقطاع غزة الفلسطيني.

وللحق أقول إن والدي في تلك الفترة كان معلمي الأول، إذ يقوم بتحضير ربما كل شيء لي ولإخوتي، يحثنا على الدراسة، يعلمنا كيف نجمع بين تحصيل العلوم والعمل منذ نعومة أظافرنا، تسألينني عن المدارس والجامعات التي التحقت بها، فمثلما أشرت إليك استمرت دراستي في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق منذ المرحلة الابتدائية حتى أمضيت فيها المرحلة الثانوية؛ لكي التحق بكلية العلوم قسم الرياضيات بجامعة الكويت التي قضيت فيها أجمل أيام حياتي.

فور تخرجي من الجامعة عدت إلى البحرين والتحقت بالعمل في مكتب الإحصاء الذي كان يتبع وزارة المالية آنذاك، وعملت مراقبًا للمكتب ثم قائم بأعمال المدير لمدة سنة حافلة، إذ كانت الدولة تُعد العُدة لإجراء أول انتخابات نيابية في تاريخها العام 1973، في تلك الأثناء قررت أن استكمل دراستي العليا مقتنعًا بأن البكالوريوس وحده لا يكفي وأن بحر العلوم أعمق، وأن البلاد تحتاج لمن يسبحون فيه بكل مهارة واقتدار حتى ينتقلوا وينقلوا عالمهم الضيق إلى عالم آخر أكثر اتساعًا.

من محاسن الصدف

من طرائف الصدف وبعد أن حزمت أمتعتي وشددت الرحال مسافرًا إلى بريطانيا، فإذا بي أهبط مطار هيثرو في لندن يوم السادس من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان، العام 1973، والذي كان يصادف يوم انطلاق الحرب العربية ضد العدو الإسرائيلي، رغم ذلك كنت حريصًا على المواظبة لتلقي العلوم الحديثة من جامعة مانشستر البريطانية، والتي حصلت فيها على درجة الماجستير في علوم الرياضيات التطبيقية العام 1974، ثم على درجة الدكتوراه من الجامعة ذاتها في العلوم الرياضية العام 1980.

 

بتفصيل أكثر كيف كانت حياة الحواج في صباه بالتحديد على مقاعد الدراسة؟

حياتي المبكرة كانت خليطًا من العمل والاجتهاد في الدراسة، كنت متفوقًا في دراستي وكنت حريصًا على ألا يؤثر عملي في المحل مع والدي على مستوى تحصيلي العلمي، فكنت أصحو من النوم في الصباح الباكر؛ لكي أؤدي ما عليَّ من واجبات، ثم أذهب إلى المدرسة، وبعد انتهاء اليوم الدراسي الطويل، أعود إلى محل والدي، حيث كنت أساعده في حياكة جزء مهم من البشوت الأنيقة.

 

ولدت في عائلة تجارية، فكيف تحولت للمسار العلمي؟

منذ البداية كنت مؤمنًا بأن التعليم هو الطريق إلى التقدم وصناعة الحضارة، على الرغم من كوني منتميًا لأسرة تجارية إلا أنه كان لدي طموح وشغف لخوض الصعاب وقبول التحدي، كنت ومازلت مؤمنًا أنه من دون صعاب لا يتعلم الإنسان ولا يمكنه أن يقدم بديلًا دائمًا لواقع قد يكون غير مكتمل الأركان، الرغبة عندي والهدف أن أبحث طول الوقت عن حياة أفضل، عن سلوك أرقى، عن واقع وأيام أكثر جمالًا وإشراقًا.

لذا وبعيدًا أو قريبًا من انتمائي لأسرة تجارية، إلا أنني أعتقد أن ذلك لا يمكن أن يحد من طموحاتي، فالرغبة في الاكتشاف كانت عارمة، والإرادة في تحقيق ما أرغب كانت أقوى من التحدي.

إذن حدثنا عن التوجه للاستثمار في التعليم؟

هذا حديث له شجون وربما تطرقت إليه من قبل، حيث الكلام عن الاستثمار يعني الدخول في مناطق حساسة؛ لأنها تمس قطاعا اقتصاديا مهما ألا وهو توظيف المدخرات في قنوات آمنة ومربحة، في حالة الاستثمار في التعليم فإن الهدف التجاري أوالريعي لم يكن أبدًا بمثابة السبب الذي من أجله يقف رجل الأعمال أو المستثمر لينادي بإنشاء مدرسة أو معهد أو جامعة خاصة أو حتى مركز بحثي.

المعروف أن الاستثمار في التعليم هدفه قيمي، وعندما شرعنا بدخول هذا المجال، كنت آنذاك أشغل منصب عميد القبول والتسجيل وعميد شؤون الطلبة بجامعة البحرين، ساعتها ارتأيت مع زملاء أكاديميين أن الدولة لا يمكن أن تقوم بكل شيء رغم التفكير الشمولي الذي كان يسيطر على كل دول المنطقة آنذاك. فالامبراطورية الأميركية نشأت وترعرعت بفضل جامعات خاصة كان لها السبق والريادة في الدفع بهذه الولايات مترامية الأطراف لاعتلاء قمة الحضارة، هذه الجامعات هي “هارفارد” و “ديوك” و “ستانفورد” ومعهد “إم.أي.تي”، و “برنستون” وغيرها، جميعها مثلما أشرت جامعات خاصة، وكان السؤال الكبير المطروح آنذاك، هل يمكن استنساخ “هارفارد” و “ديوك” أو “ستانفوردط بحرينية؟ أجبنا جميعًا: ولم لا؟ فنحن نمتلك الإرادة والتحدي، والرغبة في تحقيق أمل آلاف الطلاب الذين يسافرون إلى الخارج يتلقون علومًا لم تكن متولفرة في بلادنا حينها، لذلك شرعنا في تأسيس الجامعة الأهلية رغم الصعوبات التي كانت تكتنف المشروع حينئذٍ، وهو ما دفعنا إلى قطع مشوار طويل تجاوز العشر سنوات في سبيل البحث عن مخرج يقودنا إلى تأسيس جامعة خاصة هي الأولى في البحرين، حتى تم اختياري بقرار ملكي عضوًا باللجنة العليا لميثاق العمل الوطني وممثلًا لقطاع التعليم، إذ تمكنت وزملائي من وضع بند عند التصويت الشعبي عليه بإجماع 98.4 % مع بقية بنود المشروع الإصلاحي الكبير لجلالة الملك، هذا البند يسمح بتأسيس جامعات خاصة أو أهلية، وعلى اعتبار أن هذه الجامعات منارات إشعاع حضاري وثقافي؛ لنبدأ المسيرة.

 

تقلدت كثيرًا من الشهادات الفخرية والأكاديمية آخرها من جامعة برونيل البريطانية، حدثنا عنها؟

لنبدأ من الشهادة الفخرية الأخيرة التي حصلت عليها من جامعة بروينل البريطانية العريقة وهي الدكتوراه الفخرية في العلوم.. هذه الدرجة العلمية لا تُمنح حسب نظام الجامعة مثلما قرأتم في الصحف إلا للعلماء والمفكرين وأصحاب الإنجازات الاستثنائية. نحن نعلم أن جامعة برونيل شأنها في ذلك شأن الجامعات البريطانية العريقة الأخرى لا تمنح هذه الشهادات إلا لفئة أثبتت قدرتها على الاستمرارية في العطاء، ومواصلة تقديم الإضافات الأكاديمية لعالمها المعاصر، ووفقا لرؤية مجلس المستشارين بالجامعة البريطانية العريقة تقرر منحي هذه الشهادة التي أعتز وأفخر بأنها أعُطيت لبحريني يحب قيادته ويعشق وطنه ويؤمن برسالته الأكاديمية.

 

إذا كان الأمر كذلك فكيف نجحت في التوفيق إذًا بين حياتك المهنية والشخصية؟

هذا سؤال مهم، ربما تجيب أسرتي عليه أفضل مني، هم الذين يعانون، وهم الذين يتأثرون، وهم الذين يشكون من التهام الجامعة الأهلية وقتي، إلى جانب إدارتي ومشاركاتي في بعض الشؤون العامة، سواء نائبا لرئيس مجلس إدارة جمعية الطفولة، أو كوني نائبًا لرئيس مجلس إدارة مجموعة يوسف عبدالوهاب وأولاده، هذا سؤال كبير بجميع المقاييس، زوجتي وأبنائي مثلما أشرت إليك وربما أحفادي، ربما يكونون أكثر قدرة مني على الإجابة والتفسير ورصد هذه الحالة الاستثنائية التي أشرك فيها جميع أفراد أسرتي بهمومي منذ الساعات المبكرة من اليوم حتى الساعات المتأخرة من الليل، لا فصل يا ابنتي بين العمل والبيت، كلاهما وجهان لعملة واحد، لذا فإنني لا أؤمن بالذين ينسون العمل في البيت، أو البيت في العمل، فكلاهما يشكلان جسدا حيا يحاول التوفيق قدر الإمكان بين همومه العملية ومسؤولياته العائلية.

 

وما التحدي الأكثر تأثيرا عليك؟

أكذب لو قلت إن شيئًا آخر غير رحيل والدتي المبكر هو الذي ألقى بظلاله الكثيفة على مفصل مهم من مفاصل حياتي، رحمة الله عليها كانت كل شيء لطفل في عمري، فقد وافتها المنية وأنا لم أتجاوز السابعة، كنت مثل غيري معتمدًا اعتمادًا كليًا عليها، فكانت مصدر الحنان والأمان للأسرة، وكانت نقطة الاتزان الضرورية لوالدي (رحمة الله عليهما) وإخوتي، لذلك كان رحيلها (طيب الله ثراها) يمثل تحديًا كبيرًا، ربما يكون هو التحدي الأول أو الأكبر في حياتي، كيف أصل إلى كل ما أحلم به، رغم أن والدي ساعدني على تحقيق كل ما أصبو إليه بعد ذلك.

في نظري أن التعليم المستنير والمتميز، هو العمل الجاد الدؤوب، فأنا من المؤمنين بضرورة أن ننظر إلى ما يجمعنا وما يوحدنا وما يلم شتاتنا أو تشرذمنا، وما يحد من تطلعاتنا وطموحاتنا، إن التحديات التي لا تكسرنا تقوي من عزيمتنا، والمخاطر التي لا تنال تقودنا دائمًا إلى بر الأمان.

سألتني عن الاستثمار في التعليم كفكرة، وعن الخروج من عباءة الاعتماد على الحكومة كمنهج أصيل في قياس أمور بناء الدول الحديثة، وهنا أستطيع التأكيد أيضًا أن أكبر تحد وأكبر أثر موضوعي في حياتي كان ذلك الانتساب للجامعة الوطنية في المملكة وهي جامعة حكومية “البحرين”، لكنني شعرت مثلما ألمحت إليك في مقام آخر أنه لابد من توظيف كل الإمكانات، ألا تعتمد فقط على جزء من إمكاناتنا أو مواردنا، وألا نكتفي بوضع أيدينا في جيب الحكومة طالبين منها المزيد كلما واجهنا مشكلة أو عرقلتنا فكرة جديرة، هنا قررت مع نخبة أكاديمية من زملائي أن يكون للقطاع الخاص دور في عملية التنمية.

وما الشخصية التي أثرت في حياتك؟

- شخصيات كثيرة وليست شخصية بعينها، في التاريخ الإسلامي والعربي لدينا من القامات والهامات التي أثرت فيَّ، المأمون والرشيد مثلًا في العصور الذهبية للتنوير العربي، عدد من المفكرين الرواد أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ورفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وجمال عبدالناصر الذي كانت دعوته للعروبة أشبه بمشروع إنقاذ لم تُكتب له النجاة حتى الآن.

 

وما أثر الوالد على شخصيتك؟

أرى والدي في كل شيء قريبًا بحياتي، أتذكر دبيب عصاه في كل أرجاء “البيت العود”، وأتحسس بصماته المحفورة في الكثير من تصرفاتي العفوية التي ورثتها منه، منذ تحملتُ المسؤولية كاملة أنا وإخوتي ونحن مازلنا نخطو الخطوات الأولى من حياتنا، تأثيره كبير علينا، وقدرته على تشكيل أهم الجوانب في شخوصنا كانت مبهرة، هو تقريبًا المعلم الأول والأجدر والأكثر إيمانًا بنا.

 

حكمتك المفضلة؟

ما هو مستحيل اليوم ممكن في الغد.