+A
A-

إيميلي جوشي: التسامح هو الضمانة للتعايش بين الناس

ثمنت الباحثة الأميركية في الشؤون الإسلامية ايميلي جوشي التجربة البحرينية في تعزيز التحاور والتعايش والانفتاح على الآخر، موضحة بأن الجهود الكبرى التي يقوم بها جلالة الملك عبر مركز الملك حمد بن عيسى للتعايش السلمي، تعكس الاهتمام بأن يكون العالم مكان أفضل للحياة.

وأوضحت ايميلي بحوار أجرته معها (البلاد) بأن” التعايش يرتكز على تقريب المفاهيم الانسانية المختلفة بين البشر، على أسس مهمة، منها التساوي بين الرجل والمرأة، المساواة بين الناس بغض النظر عن لون البشرة ودياناتهم ومواقفهم السياسية، وعليه فإن من المستحيل أن نٌعرف التعايش بطريقة ناقصة”.

كلمة موجزة عنك.

باحثة أميركية من ولاية (مينيسوتا)، والدي أميركي ووالدتي بريطانية، مولودة باليابان، وأحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الاسلامية.

البدايات، كانت بتعرفي بمراحل مبكرة بحياتي بعدد من الطلبة الصوماليين واللذين تعلمت منهم اللغة العربية ومفاهيم الدين الاسلامي، فاهتمت بالأمر بشكل موسع عند دخولي الجامعة، وأخذته كمسار أمضي فيه بالدراسة والبحث والتقصي.

برأيك، كيف تكون البدايات لأن تحتضن المجتمعات المختلفة قيم التسامح والسلم وصون الحريات؟

يجب أن تكون هنالك رؤية موحدة بين المجتمعات المختلفة، تُقارب الاختلاف على كافية المستويات، كالاطمئنان السياسي والاقتصادي، والدفاع عن الديانة التي ينتسب اليها الفرد ويريد انتشارها، فللناس -وكما تعلم- اهتمامات واولويات مختلفة، لكننا حين ندخل في مضمار التعايش والتسامح فمن المهم الاتفاق على رؤية تقوم على تحقيق (وحدة الجنس البشري).

التسامح يشكل ضمانة أساسية للتعايش بين الأفراد واحترام حقوق الانسان، كيف نستطيع أن نحقق هذا المبادئ دون الدخول في الصدامات مع الآخر، والتي تكون موضع خلاف دائم؟

قبل التعريف يجب أن ننظر للهدف، فالتعايش يرتكز على تقريب المفاهيم الانسانية المختلفة بين البشر، على أسس مهمة، منها التساوي بين الرجل والمرأة، المساواة بين الناس بغض النظر عن لون البشرة ودياناتهم ومواقفهم السياسية، وعليه فإن من المستحيل أن نعرف التعايش بطريقة ناقصة.

وأشير هنا، بأن البحوث العلمية والدراسات بهذا المضمار كثيرة، ومتشعبة، ومتعددة، والدخول فيها يحتاج لفترة طويلة لقراءتها وبحثها والتقريب بينها، لذا فإن البداية المثلى هي وجود الرؤية الموحدة والهدف النهائي لها.

كيف تقرأين النجاحات التي حققتها بعض الدول العربية كالبحرين والامارات في تعزيز قيم التسامح والانفتاح على الأديان، ومكافحة التمييز والكراهية، وتجريم ازدراء الأديان؟

بالرغم من عدم الوصول (عالمياً) لاتفاق موحد يضمن التعايش والتسامح العادل للجميع، هنالك خطوات مهمة وكبيرة تقدم عليها الدول في المنطقة، أولها مملكة البحرين والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان لتحقيق ذلك، وشخصياً أرى أهميتها بوضوح، وبدورها الايجابي في حياة الشعوب.

فالبحرين وعبر تجربة جلالة الملك  في انشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وكرسي جلالته في جامعة لا سينزا الايطالية، رسخت دلالات ايجابية عن وجود الرغبة الملكية في أن تكون البحرين مركز اشعاع حضاري بذلك، وهو أمر جميل ومقدر ومشكور، يقدم الهاماً لبقية الدول الأخرى.

الا ترين بأن ثقافة التسامح ترتبط بالمجمل في استقرار الأوطان، وفي الحراك التعليمي والإنساني؟

نحن نعيش في مجتمعات متعددة ومتنوعة، عرقياً ودينياً وثقافياً، وكل دولة تحتاج لتعزيز فكر التسامح والتعايش لكي تستقر، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في دول متنوعة يغيب عنها (التعايش) بين مكوناتها، فمن الضرورة تعزيز ثقافة المحبة والتعارف بين الناس، كأرضية مثلى للاستقرار نفسه.

كيف نستطيع أن نغرس قيم القبول للآخر في المجتمعات الفقيرة والمفلسة؟

يفترض هذا السؤال بأن الدول الفقيرة والمفلسة لديها اشكاليات مع التسامح والتعايش أكثر من غيرها من الدول الأخرى، بحكم الانشغالات في الأولويات المعيشية وربما الأمنية، وهو أمر ممكن مع تعاظم الثغرات المؤثرة سلباً على معيشة الفرد، وعلى فرص رفع مستوى التعليم والتحضر لديه.

لكنه وفي المقابل، فإن هذه الحالة لا يمكن تعميمها على كافة الدول والمجتمعات، فأنا وعلى سبيل المثال واثناء زيارتي لطاجيكستان لم أرى أمراً كهذا، بالرغم من المستويات المعيشية البسيطة لأغلب الشعب هنالك، بل العكس كانت فئات المجتمع (الطاجيكي) متقاربة ومتفاهمه يسودها الود والاحترام.

ولي أن أشير بأهمية دور الدول في تعزيز مفاهيم القبول للآخر، والانفتاح عليه، كما تفعل مملكة البحرين والتي تسخر الميزانيات والكوادر والطاقات الشبابية لتحقيق هذه المساعي، وهو أمر رائع ومساعد.

أضف أن التغيير الحقيقي يأتي من الأسفل، أي من القاعدة الشعبية نفسها، والتي تؤثر بشكل بالغ على تغيير مفاهيم الثقافات العامة، وطريقة التفكير الخاص بالفرد.

لتتوائم مع المتغيرات حولنا، وعلى التنوع القائم، وهي أمور تُسهم بشكل مباشر في عملية (التحول) المطلوب، فالأمر لا يرتبط بالماديات فقط، وانما بارادة الشعوب نفسها.

هل تستطيع قيم التسامح والتعايش أن تم جسورا في تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية؟ هل لكي بذكر أمثلة.

أولها الفضاءات للتعارف والتفاهم بين المجموعات، ومنها المجالس العائلية، مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وغيرها، لأنه ومن خلالها يجتمع الناس بشتى فئاتهم واختلافاتهم ويتحاورون وخلال ذلك، يبدأون -تدريجياً- بالوصول الى نقاط التقارب والتفاهم والاتفاق، ولأن يكون العالم مكان أفضل للحياة.

برأيك، لماذا تشح المكتبة العربية من الكتب والوثائق ذات العلاقة؟

مع أن التعايش والتسامح والتفاهم موجودة في الدول العربية منذ الأزل، وهو أمر معروف، ولكن ومع هذه المفردات الجميلة، إلا أنه وفي المئة العام الأخيرة، بدأ الغرب يركزون على هذه المفردات بلغة خاصة، جانب منها سلبي وآخر ايجابي.

أميركا تحاول فرض رؤيتها بهذا على العالم بأسره، وهو أمر سلبي، وأؤكد هنا بأن الحوار في العالم العربي يعيش تقدماً طبيعياً بدأ منذ عهد الديانات السماوية، والآن مع العالم المعاصر والمعرفة التكنولوجيا القائمة، بالخليج -مثالاً- تطور طبيعي، لا يحتاج خلالها أبناءه للسفر للدول الغربية لدراسة التعايش والتسامح.

هنالك تزواج بين الخيارين، ولكنني على قناعة أبناء الخليج والعرب كتابة تاريخهم بهذا الأمر، بأسلوبهم الخاص.

كيف نستطيع أن نؤسس أجيالاً تعي واجباتها قبل أن تطالب بما هو لها؟

التعليم هو الأساس لذلك، ويفضل أن يوفر كل مجتمع بالعالم، فرصة لكي يتعلموا الخصال التي ترتبط في خدمة الآخرين ومساعدتهم والاهتمام بهم، ولكن وللأسف الشديد فإن التعليم العام لا يغطي هذه المواضيع، وهو أمر قائم في أميركا نفسها والتي يغيب عن مناهجها مباديء التعايش والحوار والتفاهم مع الآخر، وتقدير الاختلافات.