+A
A-

خالد الغزاوي .. خبير “التمويل الأصغر” الكبير الأثر اقتصاديًا

التمويل الأصغر لم يعد يستهدف “الفقراء فقط”

مستقبل صناعة التمويل الأصغر مرتبط بالاستثمار في “الفنتك”

نسبة البحرنة في البنك تتجاوز 85 %

أطلقنا برنامجا طموحا لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة

عشرات المشاريع الصغيرة ومعظمها يحمل بذور الاستمرارية والنمو

نهدف لخدمة 14 ألف بحريني خلال السنوات الخمس المقبلة

البحرين تخطو خطوات كبيرة لدعم محدودي الدخل ورواد الأعمال

 

لديه خبرة تمتد لأكثر من عشرين عاما في مجال التمويل الأصغر، عمل خلالها في مناطق مختلفة من العالم من بينها الولايات المتحدة الأميركية ومصر ولبنان والأردن والإمارات العربية المتحدة وغيرها، قبل أن ينتقل للبحرين رئيسا تنفيذيا لبنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر، وهو ما مثَّل تحديا أمامه من أجل إنقاذ هذا البنك المتعثر، لكنه استطاع إيقاف التدهور وتحول البنك إلى الربحية لأول مرة منذ تأسيسه.

الدكتور خالد الغزاوي، الرئيس التنفيذي لبنك الإبداع، يرى أن البحرين التي كانت سبَّاقة خليجيا في تهيئة الأرضية المناسبة لانطلاق صناعة التمويل الأصغر، باتت اليوم نموذجا يحتذى وقادرة على نقل تجربتها المتطورة في هذا المجال إلى الدول الأخرى.

ويؤكد أن بنك الإبداع تمكن بعد عشر سنوات من انطلاقته من تحقيق أهدافه إلى حد كبير في دعم محدودي الدخل وتوسعة الطبقة المتوسطة عبر توفير تمويل ميسر لأصحاب الأفكار التجارية والمشاريع متناهية الصغر، كاشفا عن إستراتيجية طموحة للبنك حتى العام 2023 تتمثل في مضاعفة الأثر الذي يحدثه في التنمية والاقتصاد الوطني.

 

* كيف كانت حياة الغزاوي في صباه وعلى مقاعد الدراسة؟ حدثنا عن بدايات مشوار العمل؟

ولدت العام 1971 لعائلة المهندس وليد محمد الغزاوي، وكان والدي وقتها مازال يخدم مهندس اتصالات برتبة رائد في سلاح الجو الملكي الأردني، تعلمت منه (رحمه الله) الانضباط والصدق وحسن الخلق والتصميم، ومن الوالدة حفظها الله العزيمة والصبر.

كيف كان قدومك أول مرة للبحرين؟

تربطني علاقات قوية مع برنامج الخليج العربي للتنمية “آجفند” - والذي يمتلك أكبر حصة من رأس مال بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر في البحرين- منذ أن بدأت عملي في قطاع التمويل الأصغر في الأردن، وقد توطدت هذه العلاقة في 2001 عندما توليت منصب الرئيس التنفيذي للشركة الأردنية لتمويل المشاريع الصغيرة “تمويلكم”، وساهمت الشركة في رأس مال أول بنوك أجفند الذي أُنشئ 2006 في الأردن. واستمرت اللقاءات بالرئيس التنفيذي للبرنامج ناصر القحطاني كثيرا، وفي أواخر العام 2013 اتصل بي وأعلمني آن أجفند يحتاجني لإنقاذ بنك الإبداع بالبحرين، حيث كان البنك يعاني خسائر كبيرة استهلكت أكثر من 57 % من رأس ماله المدفوع، وهكذا انتقلت للعمل في المملكة.

  كيف هو حال التمويل الأصغر بالبحرين؟

البحرين باتت تمتلك بنية متكاملة ومتقدمة لصناعة التمويل الأصغر، بما في ذلك التشريعات المتقدمة، والكوادر الوطنية المؤهلة، والوعي المجتمعي بماهية التمويل الأصغر وكيفية استثماره بالشكل الأمثل في دعم محدودي الدخل وأصحاب المشاريع الناشئة وبما يسهم في تنمية الاقتصاد الوطني.

لقد بدأ بنك الاإبداع سلسلة خطوات عملية تهدف إلى نشر ثقافة التمويل الأصغر على مستوى الخليج والوطن العربي؛ وذلك بهدف تشجيع المزيد من ذوي الدخل المحدود على إطلاق مشاريعهم الخاصة ورفع مساهمتهم في تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره.

لكن هناك من يرى أن التمويل الأصغر وُجِد أساسا لخدمة الفقراء في الدول الضعيفة اقتصاديا، مثل بنغلاديش والفلبين وغيرها، فكيف يمكن أن تستفيد الدول الغنية مثل دول الخليج العربي من هذا النوع من التمويل؟

إن نجاح تجربة التمويل الأصغر في البحرين يثبت خطأ ذلك، وأعتقد أن هناك أسبابا كثيرة تدعو لتبني منهجية التمويل الأصغر في دول الخليج العربي الأخرى، من بين ذلك توجه الحكومات الخليجية المتسارع نحو تفعيل طاقات جميع مواطنيها وتشجيعهم على العمل الحر، والاعتماد أكثر على القطاع الخاص في توفير فرص العمل، ومواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط.

كيف ترون منظومة المشاريع متناهية الصغر؟

البحرين تخطو خطوات كبيرة على صعيد دعم محدودي الدخل ورواد الأعمال، ويمكن أن أشير هنا إلى العديد من المبادرات والقرارات، ومن بينها دعم الأسر المنتجة، والسجل الافتراضي، وإنشاء مجلس تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع دائرة الأفضلية التي تمنح حاليًا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مشتريات ومناقصات الحكومة وفي المرافق الخدمية داخل منشآت الجهات الحكومية.

واسمحوا لي أن أخص بالذكر هنا  “تمكين”، وما يقدمه من برامج ومشاريع ومبادرات من أجل تمويل وتحفيز رواد الأعمال والمشروعات بمختلف أنواعها، إضافة إلى الدور الذي ينهض به المجلس الأعلى للمرأة على صعيد برامج دعم المرأة.

ما مستقبل صناعة التمويل الأصغر وكيف تتطور؟

إن مستقبل صناعة التمويل الأصغر يرتبط أيضا بمدى قدرة القائمين على هذه الصناعة على استثمار التقنيات الحديثة مثل التكنولوجيا المالية “الفنتك” وتطبيقات الذكاء الصناعي، وغيرها.

واعتقد أن مصارف التمويل الأصغر في طريقها عاجلا أم آجلا للتحول نحو بنوك رقمية من خلال استخدامها لتقنية البلوك تشين وغيرها، وبما يسهم في تقليل تكاليف التشغيل، وأؤكد هنا أهمية الاستعداد لتوفير متطلبات هذه المرحلة من تدريب واستثمار في التقنيات الحديثة.

وهناك توجه من برنامج “أجفند” لدعم تحول جميع بنوكه للشمول المالي في المنطقة العربية نحو بيئة خالية من الورق وتعمل وفق أحدث أدوات التكنولوجيا، وذلك بعد نجاح البرنامج في تحويل بنوكه في الأردن والسودان إلى استخدام التكنولوجيا بالكامل في عمليات الإقراض والتحصيل والتأمين.

متى تأسس بنك الابداع، وكيف؟

تأسس البنك في البحرين بالعام 2009 كأول بنك متخصص في التمويل الأصغر في المملكة وذلك برعاية ومباركة كريمة من قرينة عاهل البلاد، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، والمغفور له بإذن الله رئيس برنامج “أجفند” الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، وذلك إيمانا من الجميع بدور هذه البنوك في دعم محدودي الدخل.

وعمل بنك الإبداع منذ تأسيسه على تقديم كافة سبل الدعم لذوي الدخل المحدود وأصحاب المشاريع الصغيرة؛ سعيا من البنك لزيادة دخل المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم وذلك بتحويل المواهب والحرف التي يمتلكونها الى مشاريع ناجحة من خلال توفير القروض متناهية الصغر والصغيرة، مع التركيز على المرأة والشباب، ويقدم البنك التمويل بصيغته الإسلامية والتقليدية على حد سواء.

ما أبرز الأرقام والمؤشرات في مسيرة البنك؟

نجح بنك الإبداع في خدمة ما يزيد عن 14000 عميل خلال السنوات العشر السابقة، حصلوا على قروض تتجاوز قيمتها 13 مليون دينار، فيما يبلغ عدد المقترضين حاليا 2980 من البحرينيين أصحاب المشاريع متناهية الصغر، حصلوا على مبالغ قروض تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو ثلاثة ملايين دينار.

وخلال الأعوام الثلاثة السابقة فقط تمكن البنك من زيادة عدد المستفيدين من خدماته بنسبة 100 %؜ تقريبا ليصل عدد المقترضين اليوم إلى ما يتجاوز 2900 مقترض جلهم من الشباب والنساء.

وماذا عن نتائج البنك المالية؟

لقد أعلن البنك عن تجاوز أرباحه الصافية 306 الآف دينار عن السنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2018 مقارنة بأرباح بقيمة 94 ألف دينار العام 2017 وبزيادة تجاوزت 227 %، وذلك لعدة أسباب من بينها زيادة حجم الانتشار والعمليات التشغيلية، والتوسع في عدد وقيمة القروض المصروفة. ويتم إعادة ضخ هذه الأرباح في رأس مال البنك بما يساهم في رفع عدد وقيمة القروض الممنوحة لذوي الدخل المحدود.

ولقد تمكن البنك في العام 2018 من صرف ما يزيد عن 2,600 قرض لعملائه المكررين والجدد بقيمة تجاوز 2.6 مليون دينار، وحتى31 أغسطس 2019، تمكن البنك من صرف ما يتجاوز 2700 قرض بقيمة إجمالية تقارب 3 ملايين دينار، علما أن خطة البنك للسنوات الخمس المقبلة تركز على خدمة عشرة آلاف مقترض من العملاء الحاليين والجدد بقروض تتجاوز قيمتها 10 ملايين دينار.

ما دور مجلس إدارة البنك في رسم السياسات الإستراتيجية وتنفيذها؟

لا أكشف سرا إذا قلت إن مجلس إدارة البنك يضم نخبة من رجال الأعمال ذوي الخبرات الطويلة في مجالات مختلفة، ونحن في الجهاز الإداري والتنفيذي للبنك فخورون بالعمل بتوجيهات وإشراف هذا المجلس، بل ونعتبر أنفسنا محظوظون به.

يعزز من حماسة الكادر التنفيذي للبنك على تطوير الأداء والارتقاء بمستويات الإنتاجية بما يواكب توجيهات وتطلعات مجلس الإدارة ويحقق الأهداف الإستراتيجية للبنك.

ولا د من الإشارة هنا إلى أن مجلس إدارة بنك الإبداع ترأسه سيدة بحرينية فاضلة هي منى يوسف المؤيد، ومعروف عنها أنها تملك مقدرات إدارية واقتصادية وتجارية استثنائية.

ماذا يعني قروض متناهية الصغر يقدمها البنك؟

إن ميزة القروض متناهية الصغر المقدمة من بنك الإبداع أن المستفيدين يحصلون عليها دون ضمانات معقدة، كما ويتحمل البنك غالبا تكلفة ضريبة القيمة المضافة ورسوم السند التنفيذي عن عملائه، مع فترات تسديد مرنة.

وإن قيمة هذه القروض تبدأ عادة من مئتي وتصل إلى سبعة آلاف دينار، ويمكن تسديدها على فترات زمنية مريحة تصل لـ 13 شهرا وربما أكثر، وذلك في إطار التسهيلات التي يمنحها البنك للمقترضين.

أعلن بنك الإبداع مؤخرا عن تبني حزمة إجراءات داعمة لذوي الاحتياجات الخاصة، ما هذه الإجراءات؟

إن المفهوم الأساس لبنوك التمويل الأصغر، ومن بينها بنك الإبداع، هو دعم الشرائح الأكثر حاجة في المجتمع مثل محدودي الدخل والشباب والنساء، لذلك من الطبيعي أن يأتي دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، موظفين أو مراجعين أو مقترضين، في مقدمة سلم أولوياتنا.

ولقد تبنينا حزمة قرارات وإجراءات لتعزيز دعم موظفي ومراجعي البنك من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في إطار استلهام البنك للتوجهات الوطنية للبحرين نحو تشجيع مختلف الجهات على تقديم المزيد من الدعم والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة.

كم هي نسبة البحرنة في البنك؟ وما الإنتاجية؟

يحرص بنك الإبداع على استقطاب وتدريب وترقية الكوادر البحرينية، وفخورون بأن نسبة البحرنة في بنك الإبداع تفوق الـ 85 %، ويعمل البحرينيون في مختلف المستويات الإدارية، حيث إن 50 % من مديري فروع البنك بحرينيون، وجميع نوابهم بحرينيين. أما في الإدارة العامة، فالأغلبية العظمى لموظفي الدوائر المختلفة بحرينيون، وبدأنا الآن خطة طموحة من أجل ترقية المتميزين منهم إلى المستويات الإدارية العليا في البنك.

كيف هو الانتشار الجغرافي للبنك؟

بنك الإبداع حريص على التوسع في الانتشار الجغرافي بما يمكنه من خدمة عملائه بأفضل طريقة ممكنة، ولدى البنك حاليا فروع في كل من السنابس ومدينة حمد وعالي، ومؤخرا قمنا بافتتاح فرعنا بمنطقة سار على شارع البديع، وهناك خطط لافتتاح فرعين إضافيين في كل من المحرق وسترة.

ما الخطة الإستراتيجية للبنك للسنوات المقبلة؟

لقد وضع مجلس إدارة البنك برئاسة منى المؤيد خطة إستراتيجية للبنك للأعوام الخمس المقبلة 2019-2023، وتقوم هذه الخطة بشكل خاص على عودة البنك مرة أخرى إلى التركيز على تقديم قروض متناهية الصغر لأعداد جديدة من البحرينيين أصحاب الأفكار والمشاريع الناشئة، والراغبين للتو في دخول السوق ويحتاجون تمويلا ميسرا دون تعقيدات أو ضمانات، كما تتضمن الخطة الإستراتيجية للسنوات الخمس المقبلة خدمة 14 ألف عميل، بمعدل 2800 عميل سنويا، ورفع عدد العملاء الفعال من 2670 حاليا إلى قرابة 5900 عميل، إضافة إلى استقرار معدل قيمة القرض بحدود 950 دينارا، جنبا إلى جنب مع رفع قيمة المحفظة إلى 5 ملايين دينار.

ما أصعب المواقف أو القرارات التي أثرت في حياتك؟

على المستوى ‏الشخصي، كان فقدان والدي رحمه الله العام 2012 والذي تبعه بأقل من عام وفاة شقيقي الأصغر عمر رحمه الله ثم شقيقتي الكبرى رنا العام 2014.  ‏كانت هذه السنوات الثلاثة 2012-2014 من أصعب سنوات حياتي.

‏أما على مستوى العمل، فقد كانت أصعب ‏القرارات التي اتخذتها هو قرار تركي موقعي كرئيس تنفيذي للشركة الأردنية لتمويل المشاريع الصغيرة “تمويلكم” بعد أن أمضيت ما يتجاوز ست سنوات. ‏

ما أسعد لحظات حياتك؟

أسعد لحظات ‏حياتي هي لحظات النجاح وأصعب لحظات حياتي هي لحظات الفشل، عندما تمكنت من تحقيق أول هامش ربح بسيط في بنك الإبداع للتمويل متناهي الصغر نهاية العام 2016 بواقع 1500 دينار بعد أن كان البنك يقبع في خسائر لسنوات طويلة.

من الشخصية التي أثرت في حياتك؟

والدتي، ‏أطال الله عمرها، هي أكثر شخصية أثرت وتؤثر في حياتي منذ أن ولدت حتى اليوم. كان والدي كثير السفر والترحال، فأصبحت الوالدة هي الاب والأم في وقت واحد، فكانت هي من يتابع تقدمنا العلمي وتساعدنا في دراستنا ‏وتربي فينا قيم الأخلاق والأمانة والإخلاص.  

ماذا تحب أن تقرأ؟

القراءة ‏بالنسبة لي تعادل أهمية العمل نفسه، فبدون القراءة لم أكن لأتعلم الكثير مما تعلمته اليوم، وفي القراءة عادة يستهويني نوعان من الكتب: النوع الأول مرتبط بطبيعة عملي في التمويل الأصغر. والنوع الثاني ‏تستهويني قراءة السير الذاتية للسيدات والرجال العظماء الذين حققوا إنجازات عظيمة، كما تستهويني أحيانا قراءة الروايات البوليسية.

ما هي حكمتك المفضلة؟

من جد وجد ... ومن سار على الدرب وصل.