+A
A-

إبراهيم عبدالكريم (2-2) .. مهندس تحويل البحرين إلى مركز مالي عالمي

حفلات البنوك في 1976 كانت تجمع جنسيات العالم

رفضت دعوة مندوب “الكيان الصهيوني” باجتماعات البنك والصندوق الدوليين

يجب إدارة الاقتصاد “بأيدينا” وعدم الاستماع للمؤسسات الدولية

حوّلنا “البحرين الوطني” إلى بحريني 100 % ليكون وطنيا بحق

السيد محمود العلوي.. معلمي بـ “المالية” مثال الرجال الوطنيين

فرضت على مندوب إيران عدم التعرض للعراق باجتماعات واشنطن

 

لخص مهندس تحويل البحرين إلى مركز مالي عالمي في سبعينات القرن الماضي أسباب تدفق البنوك والمؤسسات المالية إلى المنامة، بولادة الفكرة وجهوزية البنية التحتية ووجود مطار والعامل الزمني وغياب الضرائب، إضافة إلى توافر الكوادر البشرية المدربة. لكن إبراهيم عبدالكريم، وهو وزير المالية والاقتصاد الوطني الأسبق، عاد ليؤكد أن كل ذلك لا يمكن أن يكون لولا تبني باني البحرين، رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان، للفكرة، (...) أعجبته، اقتنع بها، تبناها، وأمر بتنفيذها، وسريعا. وفيما يلي الجزء الثاني من المقابلة، إذ حدثنا أبو مازن عن المركز المالي، وبحرنة بنك البحرين الوطني، وحبه للصحافة، وتجربته رئيسا للصندوق والبنك الدوليين، وغيرها من أحاديث الذكريات، ولم ينس ضيفنا معلمه في وزارة المالية كنوع من رد الجميل، إذ أسهب في حديثه عن مناقب السيد محمود العلوي.

وفيما يلي نص الحديث: -

البحرين مركز مالي

في العام 1973 كان عدد البنوك قليلا، لا تتجاوز أصابع اليد، هي بنك البحرين، “البحرين الوطني”، والبنك الشرقي (ستاندرد تشارترد)، والبنك البريطاني للشرق الأوسط (HSBC)، وبعد جهود كبيرة سمح بالعام 1974 لبنك هولندي بالعمل. في منتصف السبعينات ارتفعت أسعار النفط، من دولارين إلى 10 دولارات، وبدأت فوائض الأموال تتراكم بدول الخليج العربي، ما جعل المنطقة مستهدفة من قبل البنوك والمؤسسات المالية والاستثمارية.

فكّرنا بكيفية الاستفادة من ذلك بما يتناسب مع ظروف المملكة، ووجدنا أن هناك ما يسمى “بنوك الأفشور” وهي بنوك المناطق الحرة، تمارس أعمالها بعيدا عن الاقتصاد الداخلي (المحلي).

كيف نجذبها، علينا إعطاؤها حوافز، وهو ليس بالأمر الصعب، فنحن تقريبا جاهزين، لا يوجد ضرائب، ولدينا كوادر بشرية، كما كنا متطورين نسبيا بالبنية التحتية والاتصالات، وكذلك الأمر بالنسبة للمطار، حيث كان مقرا للترانزيت لمعظم الخطوط التي تمر بالمنطقة. أضف إلى ذلك العامل الزمني، فعندما تكون بالبحرين صباحا، يكون الوقت في دول شرق آسيا ظهرا، ثم تفتح أسواق أوروبا عندما تكون عندنا ظهرا، ثم أميركا، وبالتالي نستطيع التواصل مع العالم على مدار الساعة وبالتناوب. وبالفعل بدأت البنوك بالحضور وأصبحت بالمئات. وأذكر في العامين 1975 و1976عندما تدخل حفل استقبال لأي بنك في البحرين، تجد أناسا يتحدثون كل لغات العالم، فأصبحنا مركزا ماليا بحق وجدارة. بذلنا أنا والفريق الذي معي، جهدا كبيرا لاستقطاب البنوك والمؤسسات المالية. الفكرة الجيدة قد يقولها أو يطلقها أي شخص، ولكن الأمر الأهم هو التبني والتطبيق، وهو فضل يعود لصاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، الذي اقتنع بالفكرة وتبناها وأنجحها، (...) فهو مستمع جيد وسريع باتخاذ القرارات، ويقدم المصلحة العامة على البروتوكولات من لجان ومذكرات وغيرها. كل الذي عملته لا يوازي الدعم الذي حصلت عليه من قبل سموه. خلال سنة واحدة صدر قانون مؤسسة النقد، الذي جاء قويا ومرنا بذات الوقت، وبدأ العمل سريعا.

ما تقييمك لوضع البحرين المالي اليوم؟

لا زالت البحرين مركزا ماليا مزدهرا، وزادها حيوية أنها أصبحت مركزا للصيرفة الإسلامية، لكن الأمر الصعب هو جذب مؤسسات جديدة، فالمنافسة كبيرة، والبنوك على المستوى العالمي تقلصت.

هل مطلوب من البنوك البحرينية الاندماج؟

نعم بالتأكيد، فالمسالة ليست خيارا، فعلى البنوك والمصارف تكوين كيانات مالية كبيرة لتستطيع المنافسة والبقاء، وهو أمر ينسحب على قطاع التأمين أيضا.

البحرين رئيس البنك والصندوق الدوليين

استلمت البحرين في العام 1987 رئاسة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ضمن البرتوكول المعتمد بتدوير الرئاسة على الدول الأعضاء سنويا، بحيث تشرف على السياسة العليا وتدير الاجتماعات، فيما تبقى الرئاسة التنفيذية على حالها.

ولم تسبق البحرين من الدول العربية لهذا المنصب سوى الكويت. وبحكم وظيفي مثلت المملكة في هذا الموقع.

وتعقد المؤسستان الدوليتان اجتماعاتهما في سبتمبر من كل عام، فيما تستضيفها واشنطن سنتين، وأي دولة ترغب بذلك سنة وهكذا، وصادف عند رئاستنا أن عقدت الاجتماعات في واشنطن.

وجرت العادة في واشنطن أن يلقي الرئيس الأميركي خطابا، ورئيس البنك والصندوق خطابا، كما يتم توجيه الدعوات والبطاقات والتقديم باسم الرئيس. وعند اقتراب موعد الاجتماعات تنبهت لمسألة مهمة، وهي كيف سأدعو مندوب “الكيان الصهيوني” باسمي وأوجه له الشكر، فقالوا لي العاملين معي: هي دولة عضو، فتحايلت على الموضوع، إذ تغيبت عندما جاء دور ممثل “الكيان” وطلبت من أحد نوابي القيام بالمهمة.

وهو أمر تكرر مع إيران، التي كانت بحرب مع العراق، إذ من المعروف أن المسؤولين الإيرانيين عادة ما يزجون بالسياسة في خطاباتهم، وبالتالي سيسعى إلى الإساءة لبلد عربي شقيق، وهو أمر لن أرضاه أبدا.

لذا قررت عدم الحضور، فعلم مندوب إيران بالأمر وطلب مقابلتي معترضا عليَّ وضعي إياه بصف “الكيان الصهيوني”، فقلت له إذا أردت أن أقدمك عليك عدم الكلام بالسياسة والإساءة للعراق، فوافق، والتزم باتفاقنا.

وعن تدخل صندوق النقد والبنك الدولي بسياسة البحرين الاقتصادية، وتقديمه برامج وخططا ونصائح مالية، حذر عبدالكريم من الاستماع لهذه المؤسسات، ودعا إلى إدارة الاقتصاد والمالية بأيادٍ وطنية، (...) لدينا الكثير من الخبراء، وأهل مكة أدرى بشعابها.

وتابع “محاولة جعل البحرين تطبق برامجها كانت مطروحة منذ الثمانينات وكان مسؤولو هذه المؤسسات يحاولون دفعنا حيال ذلك، ومن ضمن هذه البرامج ضريبة القيمة المضافة مثلا”. القائمون على هذه المؤسسات أصحاب نظرية، والنظرية غير التطبيق، فكثير منها قد ينفع هنا ولا ينفع هناك، ولكن بلا شك هناك تأثير سلبي لنظرياتهم وبرامجهم على الكثير من الدول وهذا لا يخفى على أحد، فهم يسعون لإبقاء الدول معتمدة على غيرها. وعندما تقترض منهم يلزموك بشروطهم. خرجت الكثير من الدراسات والتصريحات من أميركا نفسها وهي مقر هذه المؤسسات وتديرها بطريقة ما، تشير إلى الدسائس والمؤامرات التي تحاك لتبقى الدول تابعة و ”غريقة” في الديون. لا يوجد دولة واحدة اقترضت من هذه المؤسسات واستطاعت الخروج من المأزق.

طالما دعوت إلى عدم الاستماع لهم، وإدارة اقتصادنا بأنفسنا وبطريقتنا، (...) لو أنا اليوم مسؤول سأرفض إي إملاء منهم.

بنك البحرين الوطني

أسسته الحكومة على أسس تجارية، وامتلكت 50 % منه، وكان اسمه بنك البحرين، وفي بداية السبعينات أصحبت عضو مجلس إدارة بحكم وظيفتي.

وقبل دخولي مجلس إدارته، أرادت الحكومة عمل شيء لصالح البنك فقررت بيع نصف حصتها (25 %) لبنك “ناشونال جريندليز” البريطاني، من باب أن ذلك سيدعم البنك ويمنحه القوة كون المشتري مؤسسة عالمية، لكن ما حدث كان العكس، فقد أدار المستثمر الجديد البنك وقدم مصالحه على مصلحة البحرين. قررنا إعادة تسمية البنك إلى البحرين الوطني ثم استعادة ملكيته بالكامل ليصبح وطنيا بحق. وبالفعل وافق مجلس الوزراء على الاقتراح واشترت الحكومة حصص الشركاء السعوديين والهنود و ”ناشونال جريندليز”، وأصبح وطنيا 100 %.

تحديات أن تكون وزيرا

أصعب شيء على وزير المالية هو كيف يكون محبوبا من قبل زملائه خصوصا الوزراء الآخرين؛ كون جميع مشروعاتهم وبرامجهم ترتبط بالموازنات التي هي من مسؤولية وزارة المالية، لكن الحمد لله كما دخلت خرجت على حب وعلاقات طيبة مع الجميع.

تجربتي مع الصحافة

بدأت علاقتي بالصحافة وأنا بالثانوية، في العام 1956، إ عملت بهيئة تحرير مجلة شهرية اسمها المعرفة، ولدي بعض الكتابات فيها، ثم صدرت واحدة أخرى باسم الخميلة، فقررت الكتابة فيها، ثم واصلت كتابة المقالات في مجلة هنا البحرين (...) وجدت نفسي ميالا ومحبا للصحافة. صدرت صحيفة “الأضواء” في العام 1965، وكنت أمضيت في “بابكو” نحو 3 أشهر. جاءني صديق، وقال لي إن الصحافي الكبير محمود المردي يريد أن يرانا أنا وأنت. التقيناه وقال لنا إن الحكومة سمحت بصدور صحيفة وأريدكم معي، فاختارني للاقتصاد، ومحمد عبداللطيف راشد للثقافة والأدب ومحمود بهلول للسياسة، كما عمل معنا الدكتور محمد الرميحي. عملت بـ “الأضواء” وأنا في “بابكو”، (...) الإنجليز لم يرتاحوا لعملي بالصحافة لكنهم لم يعترضوا صراحة، وواصلت على ذلك لأقل من سنتين بقليل، لتأخذني مشاغل الحياة والعائلة عن الصحافة.

السيد محمود العلوي و “المالية”

طالما ساعدني ودعمني السيد محمود منذ بداية عملي بالحكومة، اعتبرني كابنه، ينصحني وينقل لي خبرته، وكأنما يجهّزني للمنصب الذي جاء لاحقا.

والسيد محمود من أنبل وأشرف الناس وأوفاهم، وهو مثال لرجال البحرين الوطنيين. عمل في المالية منذ العام 1927 إلى العام 1975. كانت المالية من أهم مؤسسات الدولة فقد كانت تشرف على كل شيء تقريبا بالبحرين، عدا الصحة والأمن والتعليم، فقد كانت تضم العديد من الجهات كالنفط، شؤون الموظفين، البريد، المخازن المركزية، الجمارك، الموانئ، إسكان مدينة حمد، وغيرها.

تعرض السيد محمود لوعكة صحية أتعبته وأجبرته على قضاء معظم وقته بالخارج للعلاج، وبت أحضر مجلس الوزراء نيابة عنه، وكذلك الأمر بالنسبة لجلسات المجلس الوطني.

شهادة فخرية.. “بوسطني”

تزوجت في العام 1968 ورزقت بابنتي ندى، ثم جاء مازن، ولاسمه حكاية.

عندما عملت في التربية، زاملني بمدرسة الحد الابتدائية أستاذ فلسطيني فاضل يدرس اللغة الإنجليزية اسمه مازن فياض أيوب، وكنت أحبه كثيرا رغم فارق السن بيننا، فقد كان يكبرني بـ 15 عاما على الأقل، تزاملنا سنتين ثم انتقل إلى الكويت. أحببت الاسم بسببه وأطلقته على ولدي. ثم رزقني الله بابنتين لميس ونور، وجميعهم درسوا في بوسطن، (مازن ونور في جامعة بنتلي، وندى ولميس في جامعة بوسطن).

كنت أتردد كثيرا على بوسطن لمتابعة دراستهم، وفي إحدى المرات دعتني عمدة بوسطن لتناول القهوة معها، ثمنت ثقتي بجامعات بوسطن ومنحتني شهادة فخرية، تشير إلى أنني من مواطني بوسطن أو بلغتنا “بوسطني”.

عندما قررت التقاعد

أيقنت في نهاية التسعينات بضرورة عدم البقاء بالعمل إلى ما لا نهاية، بمعنى أنك لا تستطيع المواصلة حتى تتعب أي من المكتب إلى البيت (الفراش)، فألمحت أكثر من مره لدى الحكومة بهذا الخصوص، ولكن الأمر يبقى بيد سمو رئيس الوزراء، (...) كيف يمكن أن أقول ذلك لرجل يكرمني دائما؟ فهو صاحب الفضل.

والحقيقة أن كل الخير الذي أنا فيه، بعد الله عز وجل، بسبب رعاية القيادة الرشيدة، وهو أمر ينطبق على جميع البحرينيين، لولا المكارم والإسكان والعطايا لما استطاع معظم الناس المضي، فالراتب بالنهاية لا يعمل شيئا. كان راتب الوزير (بالبداية أي في السبعينات) نحو 1250 دينارا، وعندما خرجت من الحكومة في 1999 وصل إلى نحو 4000 دينار. لله الحمد، استطعت العيش مرتاح البال، وبعد التقاعد أصبح لدي وقت كثير لرؤية أبنائي ومتابعة دراستهم وحياتهم، والقراءة، خصوصا الشعر فأنا محب للشعر والأدب والتاريخ. كما أستطيع السفر متى ما أريد سواء لوحدي أو مع الأهل، (...) رغم سفري كثيرا بالماضي، إلا أنها كانت رحلات عمل أقضيها من اجتماع إلى آخر، أما الآن فالوضع اختلف والمسألة باتت اطلاعا وثقافة.

كتاب عن مسيرتي

النية موجودة، وكل مذكراتي مدونة، وكتبت بعضا من الأفكار في 1995 أي قبل خروجي من الحكومة بـ 4 سنوات، ثم تابعت بعد ذلك كتابة بعض الفصول، ولكن إلى الآن المشروع مازال معلقا، إلى أن يشاء الله.

مثلي الأعلى

أبي (رحمه الله)، ولكن يبقى المثل الأعلى لنا كمسلمين هو سيدنا محمد (عليه أفضل الصلاة والتسليم)، والمثل الأعلى يعني أن تقتدي به. كما أن ذلك ينطبق على أي شخص ترك أثرا، وليس بالضرورة أن تعجب بشخص واحد، فمثلا كثير من مدرسينا تركوا أثرا جيدا لدينا. الأمر في ذلك يبقى مفتوحا.