+A
A-

“الديكور”.. رئة العمل الفني والخادم الأمين للنص

الديكور عامل أساس ومهم جدا في أي عرض فني، إذ إنه يعطي الجو العام للعمل ما يدور فيه من أحداث وحقائق ومفاهيم وأخلاقيات وأحاسيس، وهو الذي يعطي الانطباعية الأولى للمشاهد عن كل ما يراد توصيله من مفاهيم وأحاسيس إليه، فهو أذن الكلمة أو النبضة الأولى لأي عمل فني، لذا يجب أن تتفق المناظر تماما وأسلوب العمل وروحه، إذ تعطي المعلومات والمفاهيم والأفكار المهمة للعمل. والديكور عامل مهم؛ لإيجاد البيئة الحسية لجميع أحداث العمل (مسرحي، تلفزيوني، سينمائي)، إذ يعطي الزمان والمكان والحالة الاجتماعية والروحية والسياسية للعمل.


ويجب أن يكون الديكور في خدمة النص والعمل، وألا يكون عاملا لتشتيت أذهان المشاهد بأشياء خارج نطاق المضمون والنص، فينصح بضرورة مراعاة البساطة والإيجاز والتركيز، بحيث لا يأخذ انتباه المشاهد، وأن يكون من الناحية الجمالية متزنا كالشعر والموسيقى تماما، بحيث لا يكون ثقيلا من ناحية وضعيفا من ناحية أخرى، ويكون مع الإضاءة وألوان الملابس والممثلين وتحركاتهم وتكويناتهم عملا فنيا متكاملا.


إن الديكور يعتبر بحق بند مهم في عملية الإخراج، وبما أن العمل الفني ليس عملا فرديا بل عمل جماعي، فيجب أن يكون المؤلف والمخرج ومصمم الديكور والأزياء وكل الذين يشتركون في العمل على تفاهم تام، من حيث الأسلوب والاتجاه وطريقة التنفيذ، حتى يصل إلى المشاهد ناضجا متكاملا تماما، ليس به أي ثغرة تخلخل العمل وتنقص من المفاهيم المراد توصيلها إلى الجمهور، ولهذا يجب أن يكون مصمم الديكور فنانا أصيلا على جزء كبير من الثقافة الفنية والعلمية والأدبية والاجتماعية؛ ليبرز كل هذه المفاهيم من بين سطور النص في تصميماته، ومن المهم أيضا أن يكون مصمم الديكور على تفاهم تام مع المخرج من حيث الأسلوب والمضمون والتخطيط للعمل ككل، حتى توجد وحدة فنية واحدة في العمل، كما انه يجب أن يكون مصمم الديكور يجمع بين مؤهلات المخرج والممثل، كما تجمعت في روسيا مثلا عند ستانيسلافسكي وفاختانكوف، وعند بريخت في المانيا وبلاشون في فرنسا.


ونتفق جميعا أن فن الديكور في الأعمال المسرحية البحرينية، في الستينات والسبعينات، كان ديكورا بسيطا يعتمد بشكل أساس على المناظر الطبيعية المرسومة على الستارة الخلفية وبعض القماش، وحتى في بعض الأعمال التلفزيونية، ولكن اليوم أصبح الديكور حقلا للتجارب والحلول المختلفة، كما أضيفت مواد جديدة جعلت من هذا الفن الجميل يحلق في أجواء أكثر خصوبة واتساع، ومن الأسماء التي أحدثت تغييرا في الديكور المسرحي الفنان خالد الرويعي، الذي يقف موقفا مدهشا من الديكور ينسجم مع رؤياه للمسرح، ومع فلسفته وقراءاته الطويلة ومع ممارسته لفن المسرح على الخشبة، مكنته من هذه الرؤية الجميلة، فالرويعي استطاع بأستاذيته أن يشيع الحياة والصراع في داخل المسرحية، معتمدا على الأعماق والأبعاد الضوئية.


وهناك أيضا الفنان عبدالله السعداوي الذي يشبه “فيكتور هوغو”، إذ كان يخطط بنفسه المشاهد ويصنع نماذج لديكورات مسرحياته، ويمكن القول إن السعداوي أوجد انقلابا في الحياة المسرحية المحلية، وتم تحقيقه بواسطة “صورة خاصة للديكور”.


وهناك أسماء عديدة مثل: إبراهيم خلفان، جمال الصقر، حسين الرفاعي، باسل حسين، عبدالله الدرزي، علي سيف، حسين الحليبي، علي حسين، وغيرهم كثيرون لا يتسع المجال لذكرهم “سامحونا”، تفوقوا على نظرائهم في دول الجوار، واقتربوا كثيرا من تطبيق نظرية “بيسكاترو” التي تدعو للوقوف على التفصيلات الدقيقة لفن الكلمة وفن الأداء وفن الإخراج وفن الحركة المسرحية وفن الرسم وفن الديكور والتشكيل، فهؤلاء جميعا يبهرون المشاهد باستخدام التراكيب المبتكرة في الديكور، والربط بينها بصورة غير متوقعة، وكل المسرحيات التي قدموها وشاركوا بها تنبض بالحيوية والنشاط.