+A
A-

المعامير... قرية التلوث وكبريت السرطان

120 مصنعا أو أكثر بقليل هي حصيلة مكائن التلوث التي تسبب غرق قرية المعامير بالتلوث على مدار الساعة. شركات أسمنت وخرسانة وأسفلت وصهر حديد وتذويب بلاستيك ومطاط، وحدث ولا حرج، كلها تدور بفلك مصادر ملوثات البحر والجور والأرض، بقصة هدم وإعدام متصاعدة، بدأت فعليا مع تنامي التطور الصناعي الذي شهدته البحرين، منذ ثلاثينات القرن الفائت.

الغبار الصناعي

وعلى الرغم من تسليط الضوء المستمر على القرية الغارقة بالغبار الصناعي وبقية أرتال الملوثات، سواء من قبل الصحافيين والكُتاب والبيئيين والناشطين الاجتماعيين وغيرهم، يقابلها تنام مطرد لإحصاءات الوفيات، بسرطان الرئة، والجلد والحلق وغيره، تظل المعامير بواقعها “القاتل” كما هي. بلا أي تغيير يذكر.

وتشير كثير من الدراسات البيئية والتوصيات المختلفة إلى أن هذا التوحش والتوغل الصناعي في المعامير لا يتلاءم مع أبسط المعايير الدولية في المحافظة على صحة الإنسان، التي تحدد وبوضوح تام معايير فصل وإبعاد المناطق الصناعية عن السكنية والمأهولة، وهو ما لا يحدث هنا.

منها على سبيل المثال، وليس الحصر، القرب الشديد لبعض المصانع النشطة من بعض المرافق الحيوية والإنسانية المهمة، كالمدارس، مثل مدرسة الإمام علي الابتدائية للبنين، التي تجاور أحد مصانع الخرسانة الكبيرة، بمسافة فاصلة لا تتخطى 30 مترا فقط.

هنالك مصانع أخرى، يفصلها عن بيوت المواطنين شوارع جانبية لا تتخطى 6 أو 7 أمتار، بواقع يجبر الأهالي لإغلاق نوافذهم على مدار الساعة، لأسباب تتعلق بالتلوث الهوائي والضوضاء. ورصدت عدسة “البلاد” نوافذ تتكدس عليها الأتربة بشكل كثيف وقديم، يصل إلى التكلّس، إذ إنها لم تُفتح بكل تأكيد منذ فترات طويلة للغاية.

هذا الواقع، وهذا التغلغل للمصانع، أثر بدوره على البحر وخليج المعامير الطبيعي؛ ليحوله مع الوقت إلى واحات ملوثة من المياه الآسنة الخضراء النتنة، التي وبسببها تنفق الكثير من الأسماك على مدار العام، بصور مؤسفة خرجت بها علينا الصحف وحسابات التواصل الاجتماعي، والتي لأجلها أيضا هجرت الأسماك مصائدها، ومعها جزء من تاريخ البلد وهويته.

آبار قديمة

ويلف الناشط الاجتماعي محمد جواد بتصريح سابق لـ “البلاد” إلى استخدام بعض المصانع المتخصصة في تصنيع مواد البناء سرا، 3 آبار قديمة للمياه؛ لتكون مأوى لنفاياتها المُضرة، ما انعكس سلبا على المياه الجوفية للقرية، بل إن معظم الأراضي القريبة لها باتت غير صالحة للزراعة؛ بسبب تلوث التربة والمياه، بنفايات مواد البناء ومشتقات المواد الكيميائية.

كماشة حديد

وعلى إثر ذلك، يقول نائب المنطقة عمار آل عباس لمندوب الصحيفة إن المسبب الرئيس لكل ما يحدث هو التلوث الهوائي الجسيم؛ بسبب المصانع التي تحوط القرية كالكماشة الحديدية.

كل هذه الفوضى، يقابلها تكاسل من قبل إدارات المصانع القريبة، أولها بعدم الالتزام بمعايير الأمن والسلامة بالشكل الذي يراعي خصوصية وصحة أهالي القرية، أو ببعض ممارسات العمل الخاصة بها، كآلية غسيل الرمال الخاطئة، والتي أقفلت قناة المعامير البحرية بمادة “السلت” الطينية القاتلة.

هنالك أيضا ممارسات العمالة الآسيوية بهذه المصانع، التي تمعن بممارسة ببعض السلوكيات الشخصية، ما انعكس سلبا على المرافق الصحية وبيئة المعامير.