+A
A-

معاش المتوفى ليس تركة.. ولا يورّث.. و“الفقه” قرّر: لا زكاة عن أموال المتقاعدين

تفاعل القارئ محمود أحمد الشيخ علي الأنصاري مع تحقيق نشرته "البلاد" يتناول جدل توريث معاش الزوجة المتوفاة لزوجها من المنظور الشرعي والقانوني.

وخلص بورقة قدمها تعليقا على الموضوع أن المعاش التقاعدي للمتوفي لا يعتبر جزءا من الإرث، ومن بين أسباب ذلك أن من أركان الإرث أن يكون مال المتوفى مملوكا مملوكة ملكية تامة للمورّث حال حياته أو عند الوفاة، ولكن الأموال الموجودة في صناديق التقاعد ليست مملوكة للموظف ولا في حيازته، وهي أموال عامة ضمن منظومة أساسها التكافل، والتشارك الاجتماعي، وتخضع لرقابة الدولة.

وأضاف: مما يؤكد على عدم اعتبار معاش المتوفى جزءا من الإرث أنه لا يجب على الموظف دفع الزكاة عن تلك الأموال الموجودة في صناديق التقاعد، بسبب عدم ملكيته لتلك الأموال، فقد صدر قرار من المجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي بتاريخ 30 صفر – 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 – 14 إبريل 2005م، بعدم وجوب الزكاة على الأموال الموجودة في الصناديق التقاعدية لكونها أموال عامة خاضعة لإدارة الدولة.

وفيما يأتي نص مشاركة الأنصاري وهو موظف متقاعد من الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وحائز على درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية:

حلال أو حرام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

لقد أطلعت على موضوع في جريدة البلاد البحرينية بتاريخ 25 مايو 2020م، تحت عنوان" توريث راتب المتوفاة لزوجها.. حلال شرعاً وحرام قانوناً ". وصلة الموضوع:

http://http://www.albiladpress.com/newspaper/4241/646924.html

وكان يناقش موضوع توريث معاش الزوجة المتوفىة لزوجها، ولقد لفت انتباهي عبارة "حلال شرعاً"، حيث أن إطلاق كلمة حلال أو حرام على أي مسألة من المسائل، لابد أن نتقيّد فيه بالأطر الشرعية، والضوابط المرعية، حتي يكون الحكم بعدها قابلاً للتداول بين عامة الناس؛ خصوصاً فيما يتعلق بالأمور الشخصية، والحقوق المالية، وأن يكون إلمامنا بجوانب المسألة إلماماً شاملاً، وتصورنا لحيثياتها تصوراً متكاملاً انطلاقاً من القاعدة الأصولية التي تنص على: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، أي: أن الحكم في المسائل عموماً؛ مرتبطُ ارتباطاً وثيقاُ بمدى تصورنا لتلك المسألة بجميع جزئياتها المبنيّ على الفهم العلمي، والشرعي من ناحية، واطلاعنا ومباشرتنا لواقع تلك المسألة من ناحية أخرى؛ حتى يكون الحكم الصادر على تلك المسألة مطابقًا للواقع، وموافقاً لقصد الشارع الحكيم.

وفي هذا السياق نود طرح الموضوع والتطرّق له من عدة محاور حتى نستطيع أن نضع تصوراً شاملاً، وسأكتفي في هذا الطرح على سرد المواد القانونية الخاص بقانون رقم (13) لسنة 1975م بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، وعدم سرد المواد الخاصة بقانون القطاع الخاص لتشابه المواد في مضمونها، ولعدم الإطالة، وذلك على النحو الآتي:

المحور الأول: تعريف المعاش التقاعدي

 حسب الفقرة (ط) من المادة رقم (1) من القانون رقم (13) لسنة 1975م بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، نصت على أن المعاش هو: "المبلغ الذي يصرف شهرياً بموجب هذا القانون للمتقاعد أو للمستحقين عنه".

وجاء تعريف المتقاعد حسب الفقرة (ح) من المادة رقم (1) على أنه: "الموظف الذي انتهت خدمته"، ويراد به الموظف الحكومي الذي انتهت علاقته الوظيفية بالجهة التي كان يعمل بها، ولدية سنوات من الخدمة تسمح له بالحصول على المعاش التقاعدي.

 كما ورد تعريف لصاحب المعاش في الفقرة (ك) من المادة رقم (1) على أنه:" المتقاعد الذي تقرر له معاش بموجب هذا القانون، ويشمل هذا اللفظ الموظف الذي توفي وتقرر للمستحقين عنه معاش بموجب هذا القانون".

المحور الثاني: آلية استحقاق المعاش التقاعدي

 يستحق الموظف المعاش التقاعدي بعد انتهاء خدمته من العمل، حيث نصت المادة رقم (13) من قانون رقم (13) لسنة 1975م بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، على أن" الموظف يستحق الموظف معاشاً تقاعدياً متى قضى في الخدمة:

خمس عشرة سنة كاملة إذا كان انتهاء الخدمة بسبب بلوغه سن التقاعد الاعتيادي، أو بقرار تأديبي، أو بحكم قضائي.
عشر سنوات إذا كان انتهاء الخدمة بسبب إلغاء الوظيفة أو الفصل بغير الطريق التأديبي.
خمس عشر سنة إذا كان انتهاء الخدمة بسبب الاستقالة بشرط أن يكون الموظف قد بلغ الخمسين من عمره وإلا وجب ألا تقل مدة الخدمة عن عشرين سنة".

وعليه: فإن الموظف يستحق المعاش التقاعدي بعد خدمته في العمل بمدة من الزمن حددها القانون، وبعد سداد الاشتراكات المستحقة على الموظف تجاه صندوق التقاعد، ووفقاً للنسب المحددة في القانون، حيث نصت المادة رقم (11) من قانون رقم (13) لسنة 1975م بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة: "يقتطع من الموظف أو المستخدم الخاضع لأحكام هذا القانون 6% من راتبه الأساسي السنوي، ويكون الاقتطاع من الراتب بأقساط متساوية شهرياً أو كل أسبوعين وفقاً لأساس دفع مرتبه، وتساهم الحكومة بنسبة 18% من الراتب الأساسي لكل موظف أو مستخدم خاضع لهذا القانون أو أية نسبة أخرى يقررها مجلس إدارة الهيئة العامة للصندوق بموافقة مجلس الوزراء، ويصدر وزير المالية والاقتصاد الوطني بقرار منه الإجراءات الواجب اتباعها في تسديد الاشتراكات وحصة الحكومة".

وهذا الاقتطاع هو من مقتضيات وشروط الوظيفة سواء كانت في القطاع العام، أو في القطاع الخاص، فمتى قَبَلَ الموظف بالوظيفة، أو وقع على عقد العمل، فإن هذا يعتبر قبول من قبل الموظف بجميع الشروط التي تخص تلك الوظيفة، سواء نصت عليها قوانين الخدمة المدنية، أو قوانين العمل في القطاع الخاص، ما دامت أن تلك الشروط لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وفيها تحقيق للمصالح العام.

المحور الثالث: الغاية من إنشاء صناديق التقاعد

الغاية من إنشاء صناديق التقاعد تكمن في تقديم وتأمين دخل مناسب، وتوفير الحياة الكريمة لما بعد الخدمة لموظفين العاملين في القطاع العام والخاص، وإيجاد أفضل السبل لتحقيق هذه الغاية، وهذا يمثل الغاية الرئيسي لإنشاء تلك الصناديق، والذي يحقق توجّه السياسة الاجتماعية للدولة من خلال توفير الحياة الكريمة للمواطنين بعد انتهاء خدمتهم.

وعلية يمكن القول: أن فكرة إنشاء صناديق التقاعد تقوم على تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، ويساهم في تمويل هذا الصناديق كل من الموظف، والدولة، وصاحب العمل، من خلال منظومة متكاملة تساعد الدولة لتوفير الكريمة لجميع مواطنيها. 

المحور الرابع: ملكية صناديق التقاعد

تعتبر أموال الصناديق التقاعدية أموال عامة تخضع لرقابة الدولة، حيث نصت المادة رقم (1) من قانون رقم (3) لسنة 2008 بشأن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي على أنه: " تُنشأ هيئة عامة تسمى "الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي" تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري وتخضع لرقابة وزير المالية"، وكما نصّت المادة رقم (2) من هذا القانون على أنه: " تتولى الهيئة إدارة الصناديق المنشأة بموجب القانون رقم (13) لسنة 1975 بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، وقانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976، والمرسوم بقانون رقم (6) لسنة 1991 بإنشاء صندوق التقاعد لضباط وأفراد قوة دفاع البحرين والأمن العام البحرينيين وغير البحرينيين، وتحل الهيئة محل كل من الهيئة العامة لصندوق التقاعد والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وتؤول إليها كافة الحقوق والالتزامات المتعلقة بهاتين الهيئتين.

المحور الخامس: تعريف الإرث

من معاني ‌الإرث في اللغة: الأصل، والبقية من كل شيء، ويطلق ‌الإرث ويراد منه انتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين، ويطلق ويراد منه الموروث، ويقاربه على هذا الإطلاق في المعنى التركة.

والإرث اصطلاحا: هو حق قابل للتجزّؤ يثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها، ويطلق على الإرث ايضاً بالتركة، والتركة في اللغة أسم مأخوذ من ترك الشيء يتركه تركاً، ويقال: تركت الشيء تركا: خلفته، وتركة الميت: ما يتركه من الميراث، والجمع تركات، وهو ما يتركه الشخص بعد موته من أموال وحقوق مالية أو غير مالية.

المحور السادس: أركان الإرث

الركن في اللغة هو: الجانب الأقوى والأمر العظيم، وما يقوى به من مَلِكٍ وجند وغيرهما، والأركان: الجوارح، وفي حديث الحساب: يقال لأركانه: انْطِقِي، أي جوارحه، وأركان كل شيء جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها، وفي الاصطلاح هو: ما لا وجود لذلك الشيء إلا به، والإرث يقوم على ثلاثة أركان إن وجدت كلها تحققت الوراثة، وإن فقد ركن منها فلا إرث، وهي على النحو الآتي:

المورّث: وهو الميت أو الملحق بالأموات.
الوارث: وهو الحي بعد المورّث أو الملحق بالأحياء.
الموروث (أي التركة): وهو لا يختص بالمال فقط، بل يشمل المال وغيره.

وعلى هذا فمن مات وله وارث ولا مال له فلا إرث، لأن المال أو التركة هو ركن من أركان الإرث، وعدم وجود هذا الركن هو انعدام وجود الإرث، فإن تعريف الركن عند بعض الأصوليين هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم؛ فإذا وجد الموروث (أي التركة)، مع وجود باقي الأركان وجد الإرث، وإذا انعدم ركن واحد من هذا الإركان انعدم وجود الإرث.   

ولابد أن يكون المال أو التركة -الموروث- مملوكاً للمورّث، أي يملكه ملكية تامة في حال حياته، والملكية التامة هي التي يستجمع فيها المالك (المورث) السلطات الثلاث، وهي حق الاستعمال، وحق الاستغلال، وحق التصرف، وهذه الحقوق يمارسها المالك على ملكه القابل للتوزيع...، وكذلك من مات ولا وارث له فلا إرث أيضاً عند من لا يرى بيت المال وارثاً.

مناقشة الحكم

وبعد تطرقنا للمحاور السابقة، نصل إلى مناقشة الحكم فيما إذا كان المعاش التقاعدي للمتوفى جزء من التركة أو الإرث أم لا، والجواب: أن المعاش التقاعدي المستحق للمتوفي لا يعتبر جزءا من الإرث، وذلك للأسباب الآتية:

من أركان الإرث وجود التركة، أي المال القابلة للتوزيع على الورثة، وأن يكون هذا المال مملوكة ملكية تامة للمورّث حال حياته أو عند الوفاة، حيث أن الأموال الموجودة في صناديق التقاعد ليس مملوكة للموظف ولا في حيازته، بدليل أنه لا يستطيع التصرف بهذا المال قبل استلامه في حال حياته بأي وجه من وجوه التصرفات الجائزة شرعاً، حيث أن طبيعة وملكية تلك الأموال الموجودة في الصناديق التقاعدية قبل صرفها للموظف المتقاعد، هي أموال عامة ضمن منظومة أساسها التكافل، والتشارك الاجتماعي، وتخضع لرقابة الدولة.
ومما يؤكد على عدم اعتبار المعاش التقاعدي المستحق للمتوفي جزءا من الإرث؛ حيث أنه لا يجب على الموظف دفع الزكاة عن تلك الأموال الموجودة في صناديق التقاعد، بسبب عدم ملكيته لتلك الأموال، فقد صدر قرار من المجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي بتاريخ 30 صفر – 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 – 14 إبريل 2005م، بعدم وجوب الزكاة على الأموال الموجودة في الصناديق التقاعدية لكونها أموال عامة خاضعة لإدارة الدولة.
هناك فرق بين المعاش التقاعدي المستلم، والمعاش التقاعدي المستحق، حيث أن المعاش التقاعدي المستلم هو المعاش أو المال الذي انتقل ملكيته من صناديق التقاعد إلى ملكية الموظف المتقاعد وأصبح المال في حوزته، وهذا المال إذا توفى المتقاعد أصبح جزء من الإرث، لأنه مملوك ملكية تامة للمتقاعد عند الوفاة، وأما المعاش التقاعدي المستحق هو وعد ملزم من قبل الصناديق التقاعدية بدفع مبلغ محدد للموظف المتقاعد على فترات زمنية متساوية، كأن يكون شهرياً مثلاً، وهذا الوعد إن لم يتحقق بدفع المبلغ واستلامه فإنه لا يكون جزء من الإرث.
التوصيف الشرعي للاشتراكات التي يدفعها الموظف أو العامل إلى الصناديق التقاعدية، بأنها يعتبر مشاركة أو مساهمة من قبل الموظف على سبيل التبرع إلى تلك الصناديق، وليست من قبيل القرض أو الإقراض.
وفي الختام أرجو أن أكون قد شملت في موضوعي جميع الأفكار، والعناصر، متمنياً من الله عز وجل التوفيق والسداد في القول، والعمل، فإن أصبنا فمن الله الكريم المّنان، وإن أخطانا فمن أنفسنا والشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بروفايل

كتب هذه الورقة لصحيفة البلاد محمود أحمد الشيخ علي الأنصاري. مسجل في مرحلة العالمية (الدكتوراه) شريعة – شعبة الدراسات الإسلامية. وحاصل على ماجستير في الشريعة الإسلامية – شعبة الدراسات الإسلامية- فكر معاصر.

وعنوان رسالة الماجستير: الهندسة المالية الإسلامية ودورها في مواجهة الأزمات والتحديات الاقتصادية في مملكة البحرين.