+A
A-

"البلاد سبورت" يفتح جرح الرياضة الكويتية (1)

الجيش العراقي حول الأندية والاتحادات لمعتقلات ومراكز للتعذيب

عدي صدام كلف لاعبين دوليين بنهب مقتنيات الرياضة الكويتية

ثلاث كؤوس خليج سرقت من الكويت وتمت المتاجرة بها في بغداد

في الساعات الأولى من فجر الخميس، اخترق أكثر من 20 ألف جندي عراقي الحدود مع الكويت من أربعة محاور، وفي غضون ساعات استولت هذه القوات، مدعومة بسلاح الطيران العراقي، على العاصمة الكويت.

حدث ذلك قبل 30 عاما وتحديداً في الثاني من أغسطس 1990 عندما استيقظ الكويتيون على وقع الاحتلال العراقي العسكري بأمر من الرئيس السابق صدام حسين وهو الحدث الذي مازالت المنطقة الخليج العربي تعيش تبعاته حتى اليوم.

وتسبب الغزو العراقي تسبب بخسائر بشرية ومالية فادحة لدولة الكويت الشقيقة، طالت جميع قطاعات الدولة ومنها القطاع الرياضي عندما تم نهب وسلب الأندية والاتحادات الرياضية الكويتية وسرقة مقتنياتها واستهداف العديد من القيادات واللاعبين الرياضيين.

والمصادفة إن الرياضيين الكويتيين كانوا خلال هذه الفترة يستعدون لبدء موسم جديد من خلال التحضير للخروج في معسكرات خارجية للأندية والمنتخبات الوطنية في مختلف الألعاب، وكان الاستحقاق الابرز آنذاك المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية الحادية عشرة في العاصمة الصينية بكين في أكتوبر 1990.

وتزامنا مع الذكرى الـ 30 للغزو الصدامي على الكويت يستعرض "البلاد سبورت" في هذا الملف المكون من ثلاث حلقات بعض الحقائق المتعلقة بالغزو ومدى تأثيرها على الرياضة الكويتية بهدف التوثيق وعرض حقبة من تاريخ هذا الزلزال السياسي الذي ضرب المنطقة وخلف تصدعات كبرى لا زالت آثارها باقية حتى اليوم:

شهادة المؤرخ مرزوق العجمي

يعتبر الإعلامي الرياضي الكويتي مرزوق العجمي واحدا من أبرز المؤرخين والموثقين لمسيرة الرياضة الكويتية ويمتلك وثائق ومعلومات عن تاريخها وأبرز أحداثها، وعندما نتحدث عن تاريخ الرياضة الكويتية لا بد أن نمر عبر الغزو الصدامي وانعكاساته وتأثيره السلبي على الرياضة الكويتية.

ويقول العجمي لـ "البلاد سبورت" أن الضرر الذي وقع على الرياضة الكويتية يشمل الخسائر البشرية والمادية، موضحا أن استشهاد الشيخ فهد الأحمد الصباح الأب الروحي للرياضة الكويتية ورئيس اللجنة الأولمبية الكويتية ورئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم ورئيس المجلس الأولمبي الآسيوي يوم 2 أغسطس 1990 يعتبر على رأس تلك الخسائر البشرية، بينما فقدت الكويت العديد من أبنائها الرياضيين الذين طالتهم أيدي الغدر إما بالقتل المباشر أو السجن أو التعذيب ومن بين هؤلاء لاعب منتخب الجهراء لكرة القدم الشهيد ابراهيم مرزوق العازمي والذي تم اسره داخل الكويت 15 أكتوبر 1990 عندما كان قادما من معسكر تدريبي في الرياض استعدادا للمشاركة في أولمبياد بكين 1990.

دم الرياضيين يختلط بالتراب

وأضاف العجمي بأن الكويت فقدت كذلك اللاعب الدولي السابق ونجم نادي الفحيحيل بالستينات والسبعينات ومشرف منتخب الكويت الأول خالد ادريس والذي كان مشرفا إداريا على الأزرق بكأس الخليج 1990، بالإضافة إلى لاعب نادي النصر ومنتخب الكويت لكرة السلة قشيعان المطيري والعديد من الرياضيين الآخرون الذين اختلط تراب الوطن الغالي بدمائهم ولم يبخلوا في بذل روحهم فداء للكويت.

وذكر العجمي بأن الخسائر المادية تمثلت في الأضرار التي لحقت بالمنشآت والملاعب والصالات الرياضية التابعة للأندية والاتحادات الرياضية التي تحولت إلى معتقلات لأسر وتعذيب الكويتيين، إلى جانب عمليات النهب والسرقة التي طالت مقتنيات الأندية والاتحادات، من بينها ثلاثة كؤوس لدورة الخليج التي فازت بها الكويت في النسخة الأولى بالبحرين 1970 والثانية بالرياض 1972 والرابعة بالدوحة 1976، لم يتم استرجاعها لغاية الآن، وبحسب الأنباء الواردة فإن أغلب هذه الممتلكات تمت المتاجرة بها في بغداد.

عدي يأمر بنهب مقتنيات الأندية

ووفقا لمصادر عديدة فإن سرقة مقتنيات الأندية والاتحادات الرياضية جاءت بأمر من رئيس اللجنة الأولمبية العراقية آنذاك عدي صدام حسين، حيث حصل الكويتيون على وثيقة رسمية صادرة من اللجنة الأولمبية العراقية بتاريخ 8 أغسطس 1990 تخول لاعبين عراقيين دوليين على علاقة وطيدة بعدي بالاطلاع على الأندية وجميع المنشآت الرياضية في الكويت، وسرقة ما فيها من تجهيزات ومقتنيات ومعدات.

وثيقة تكشف تورط لاعبين دوليين

ويقول العجمي عن ذلك " هناك وثيقة صادرة بتاريخ 8 أغسطس 1982 كلف من خلالها عدي اللاعب العراقي السابق ووزير الشباب والرياضة الحالي عدنان درجال واللاعب الدولي ورئيس الاتحاد العراقي السابق حسين سعيد.. ولكن الأخير نفى تلك التهمة وقال بأنه لم يدخل الكويت على الإطلاق بعدما (تمارض) وأدعى المرض، بينما درجال لم ينف أو يؤكد ذلك بعد مضي 30 سنة على تلك الحادثة..".

أول شهيد رياضي بالكويت

ومن ضمن القصص التي نستعرضها في هذا الملف، حادثة استشهاد قشيعان المطيري لاعب نادي النصر ومنتخب الكويت لكرة السلة البالغ من العمر 32 عاما والذي يعتبر أول شهيد من الأسرة الرياضية في الكويت، فهو نقيب في الجيش الكويتي ولديه ولد وابنتان وقد استشهد بأول يوم من الاجتياح العراقي 2-8-1990 أمام رئاسة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة اثناء الاشتباك مع القوات العراقية.

المطيري ارتدى بدلته العسكرية فور سماعه نبأ الاحتلال فقرر الذهاب إلى مقر رئاسة الأركان العامة فقالوا له إنها محاصرة، وهنا قرر التسلل إليها بأي طريقة والانضمام إلى زملائه للدفاع عنها، وفعلا تمكن من دخول المبنى وانظم إلى زملاء السلاح.

هكذا فقد قشيعان المطيري حياته

يقول زميله الملازم أول / أحمد عبدالعزيز عن قصة استشهاده بالموقع الخاص للأسرى والشهداء الكويتيين حينما دخل قشيعان المبنى وجد زملاءه قد أخذوا مواقعهم للدفاع عن المبنى، فتسلم سلاحه وصمم على القتال حتى النهاية ويشد من عزيمة جنوده باعتباره ضابطهم المسؤول عنهم، وكذلك يشد من ازر زملائه ، ويصرخ بهم مشجعاَ، وبقي مع فئة قليلة رافضاَ الانسحاب حتى جاءته قذيفة (آر. بي. جي) وقيل انها قذيفة (هاون) اصيب بسببها في بطنه ورجله.

الدفاع عن الوطن حتى الموت

وظل البطل مع ذلك الحدث يصرخ (( الله أكبر ... الله أكبر ... شدوا حيلكم يا شباب )) قالها عدة مرات حتى أغمي عليه، فتم نقله بسيارة جيب عسكرية إلى المستشفى بعد ان رفض وبكل إصرار هذا الاحتلال الغاشم، باذلا دمه وروحه في سبيل الله لتحرير وطنه الكويت.

في شهر يوليو 1990م كان الشهيد في إجازة رياضية استعداداً للمعسكر التدريبي في المانيا، ثم الالتحاق بدورة الألعاب الآسيوية ببكين 1990، حيث كان يأمل أن يحقق منتخب الكويت لكرة السلة نتائج باهرة، ويقدم فيها عروضاً جيدة ليعلن بعد ذلك اعتزاله، والتفرغ التام لمهام وظيفته بالقوات المسلحة حيث كان يعمل في رئاسة الأركان للجيش وقت رتب موعد سفره إلى ألمانيا يوم السبت الرابع من اغسطس، لكنه كان على موعد آخر أهم وأبقى وأعز وأغلى، كان على موعد مع الاستشهاد في الثاني من اغسطس دفاعاً عن وطنه الغالي والذي دعاه فيه الواجب فلبى النداء ولم يتأخر.

فاز ببطولة صدام وتوجه عدي!

لعب قشيعان مع المنتخب الكويتي منذ أن كان في السابعة عشر من عمره، وقد رقي الشهيد رحمه الله إلى رتبة نقيب قبل الاحتلال بأسبوع واحد، وكان فرحا بالترقية لدرجة أنه وعد أصحابه بحفلة كبرى بعد عودته من دورة بكين للألعاب الآسيوية، ولكن أجله كان أسرع.

ومن المفارقات العجيبة أن من أواخر البطولات التي فاز بها فريقه بمشاركته هي بطولة صدام حسين في بغداد عام 1990م حيث فاز المنتخب الكويتي بكأس البطولة، وكان الشهيد قشيعان هو كابتن المنتخب حيث تسلم الكأس من عدي صدام.

تقرأون في حلقة الغد: "قصة استشهاد الأب الروحي للرياضة الكويتية"