+A
A-

“البلاد سبورت” تفتح جرح الرياضة الكويتية (3)

البحرين تفتح أحضانها للأشقاء الكويتيين

عباس عبدالرضا يستعيد شريط الذكريات بالبحرين أثناء الغزو

البحرينيون فتحوا بيوتهم وقلوبهم للكويتيين وأشكر القيادة والشعب

ودعت الشهيد قبازرد في البحرين واقتلع العراقيون عينه وعذبوه

الرفاع اعتذر عن ضمي فمثلت نادي المنامة

عيسى بن راشد احتضننا وكنا نتابع أخبار “CNN” بمجلسه

منذ الساعات الأولى للغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة في 2 أغسطس 1990 أعلنت مملكة البحرين قيادة وحكومة وشعبا موقفها الرافض للاجتياح العراقي وتأييد شرعية حكم آل الصباح الكرام، والدعوة إلى انسحاب القوات المحتلة فورا، وحق الشعب الكويتي في أرضه، ودعم الموقف الكويتي بشتى الوسائل والطرق، وفتح البحرينيون بيوتهم وقلوبهم للأخوة الكويتيين وبذلوا الغالي والنفيس وسطروا أروع صور التضامن مع أشقائهم.

واستقبلت البحرين العديد من المواطنين الكويتيين، من بينهم حارس منتخب الكويت والنادي العربي عبدالرضا عباس، الذي عاش في المملكة ولعب لنادي المنامة أثناء الغزو، وأجرى “البلاد سبورت” معه هذا اللقاء لنستعيد شريط الذكريات معه في تلك الفترة في نهاية هذا الملف:

كيف أتيت ولماذا اخترت البحرين تحديدا للإقامة فيها أثناء الغزو؟

في 2 أغسطس 1990 كنت أقضي الإجازة الصيفية في ألمانيا للسياحة، وقبل الغزو كانت الأجواء السياسية بين الكويت والعراق مشحونة ومتوترة، ونصحني العديد من الأهل والأصدقاء بعدم العودة إلى الكويت بسبب تحرك الجيوش العراقية تجاه الكويت واحتمال حدوث الغزو في أي لحظة ولكننا لم نتوقع أن يحدث الاجتياح.

وفي الثاني من اغسطس 1990 كنت أشاهد التلفاز وعرضت إحدى القنوات الألمانية صورة للشهيد فهد الأحمد الصباح ولم أكن أفهم اللغة الألمانية، فاتصلت بأحد الأصدقاء وهو طبيب يحمل الجنسية الألمانية من أصول لبنانية فأخبرني بنبأ استشهاده وغزو العراق للكويت فحزنت كثيرا حينها على الشهيد، لأنه رمز رياضي كبير وقامة رياضية خليجية وعربية ودولية يصعب تعويضها وبوفاته خسرت الكويت قائدا رياضيا من الطراز الرفيع و”ضاق خلقي عليه” في ذلك الوقت، لأننا كرياضيين عشنا معه أجمل أيام حياتنا وكان داعما للرياضة والرياضيين.

ـ وماذا حصل بعد ذلك؟

بعد 5 أيام تقريبا من الغزو، قررت المغادرة من ألمانيا إلى البحرين عبر طيران الخليج، وقد اخترت البحرين بحكم وجود عمي وهو من عائلة (الصراف) التي تقيم بفريق المخارقة بالمنامة وبعض أقاربي الآخرين، إضافة إلى قرب المسافة بين البلدين في حال انتهاء الاحتلال، وفور وصولي توجهت إلى سفارة الكويت بالبحرين وكان حينها سفير الكويت بالمنامة فيصل حجي، وقد مكثت مع أسرتي بإحدى الشقق بمنطقة القضيبية بالقرب من بناية الكويتي، ثم انتقلت للإقامة بفندق الخليج حوالي شهرين ونصف، حتى انتقلت فيما بعد للإقامة بمنطقة أم الحصم وكنت أتردد على السفارة كثيرا لإنهاء الكثير من الإجراءات ومساعدة المواطنين الكويتيين الموجودين في البحرين ببعض الأمور.

وللعلم فإن بعثة فريق النادي العربي لكرة القدم كانت موجودة في ألمانيا وكان من المفترض أن التحق بالبعثة هناك لخوض معسكر تدريبي، ولكن الفريق غادر من ألمانيا إلى البحرين وأقام بمنطقة القضيبية كذلك بسبب الغزو العراقي، كما أتذكر بأن النجم جاسم يعقوب كان بالبحرين وأعتقد بأنه غادر إلى الإمارات أو ربما دولة أخرى فيما بعد.

وطوال الفترة التي عشت فيها بالبحرين لقيت كل المحبة والتقدير وكرم الضيافة وحفاوة الترحيب من الحكومة والشعب والأهل والأصدقاء ومعارفي من الرياضيين، كما كان المغفور له الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة يستقبلني على الدوام بمجلسه العامر بمنطقة الرفاع الغربي ويستقبل جميع الكويتيين وقابلنا بكل مودة واحترام، وكنا نتابع في منزله الأخبار عبر قناة CNN، وأنا أكن له محبة كبيرة ولن أنسى دعمه ووقوفه معي ومع كافة الكويتيين.

وكيف لعبت مع نادي المنامة في تلك الفترة؟

في بادئ الأمر، عرض علي الشيخ عبدالله بن عيسى بن راشد آل خليفة اللعب في صفوف الرفاع الغربي بموسم 1990 - 1991 وخضت عدة تدريبات مع الفريق، وأتى فيما بعد إلى الكويت اللاعب صلاح الحساوي مهاجم نادي الكويت والمنتخب الأول، فاعتذر لي نادي الرفاع وأخبرني بأن المدرب بحاجة إلى مهاجم وليس حارس مرمى، ثم اتصل بي الأخوة بنادي المنامة وأبدوا رغبتهم في الاستعانة بخدماتي فرحبت بذلك لأنني كنت أرغب في اللعب وعدم التوقف.

حدثنا عن تلك الفترة التي قضيتها مع المنامة؟

كانت فترة جميلة ورائعة، لعبت خلالها مع نخبة من نجوم نادي المنامة أمثال: محمد بهرام، موسى حبيب، عزيز فروتن، حميد درويش، مجيد عبدالرضا، بقيادة المدرب فيصل محمد، ومن سوء حظي أنني قيدت في كشوفات المنامة وكان لدينا مباراة في اليوم التالي مع المحرق ولم أكن أعرف اسماء لاعبي المنامة، وكنت أناديهم بأرقامهم، ولقد خسرنا حينذاك 6 - 0 وكانت هزيمة قاسية بالنسبة لي، قوبلت بردة فعل عنيفة من قبلي بغرفة الملابس عندما صرخت في وجه اللاعبين و”زفيتهم” بعد المباراة وطالبتهم اللعب بروح قتالية وبتنظيم أفضل داخل الملعب، فأنا حارس منتخب الكويت والعربي ولم يشهد مرماي دخول 3 أهداف في مباراة واحدة فكيف أتلقى 6 أهداف دفعة واحدة!

بعد تلك الهزيمة، عززت صفوف المنامة بلاعب العربي الكويتي فاضل مطر وطلبت من المدرب أن ينظم خط الهجوم والوسط ويترك لي تنسيق خط الدفاع، واستطاع المنامة أن يحقق الانتصار تلو الانتصار وتطور مستوى الفريق بصورة كبيرة، وفي القسم الثاني التقينا مع المحرق وأفلت فريق حمود سلطان من هزيمة محققة بعدما أهدرنا الكثير من الفرص السهلة لتنتهي المواجهة بالتعادل السلبي رغم أننا كنا الأحق بالانتصار.

كما أننا فزنا على الأهلي بنتيجة 2 - 0 وهناك قصة طريفة حدثت لي عندما كنت أصلي بمسجد مؤمن بمنطقة المنامة وتحديدا في حي المخارقة المعروف، جاءني أحد الجماهير وقال لي سنهزمكم ولكننا فزنا على الأهلي، والمعروف لديكم أن مباريات الأهلي والمنامة تعتبر بمثابة ديربي في كرة السلة ولكنني لم أسلم من جماهير الأهلي في كرة القدم.

وكيف انتهت علاقتك مع المنامة فيما بعد؟

بعد التحرير بشهر فبراير 1991 بعثت أسرتي إلى الكويت، أما أنا فاستمررت مع المنامة حتى شهر ابريل تقريبا، ولم يكن يتبقى على الفريق سوى 3 - 4 مباريات بالدوري البحريني، وكنت مضطرا للعودة إلى الكويت بعد التحرير بعد استدعائي من قبل الخطوط الجوية الكويتية لأنني كنت أعمل موظفا فيها، إضافة إلى رغبتي في لقاء أسرتي وكل اهلي ومعارفي بعد 8 أشهر تقريبا من الفراق.

وهنا لا بد لي أن أوجه كلمة شكر وتقدير إلى نادي المنامة الذين منحوني فرصة اللعب معهم، واستقبلوني بكل حفاوة وتقدير، كما أنهم وجهوا لي دعوة رسمية وكرموني بعد فوزهم بكأس جلالة الملك موسم 2016 - 2017، وبالمناسبة فإن المدرب خالد تاج كان مدربا لنادي المنامة وعندما كنت العب مع المنامة أثناء الغزو كان يلعب في صفوف الأهلي وحاول جاهدا هز مرماي في عدة انفرادات لكنه لم يستطع ذلك.

ما أبرز الخسائر والأضرار التي لحقت بالكويت جراء الغزو؟

تعرضت الكويت لخسائر مادية وبشرية فادحة إبان الغزو العراقي، فالأندية والاتحادات أصبحت معتقلات لتعذيب وأسر الكويتيين ومحلات للقيادة العسكرية العراقية، ومن ابرز تلك الأندية كاظمة والعربي والكويت والجهراء والصليبيخيات، ولك أن تتخيل أن ملعب العربي كان عبارة عن مدفعية طائرات، وسرق الجنود العراقيون الكثير من الكؤوس والمقتنيات والمعدات الرياضية الثمينة.

كما استشهد العديد من الرياضيين، ويعتبر لاعب منتخب كرة السلة قشيعان المطيري أول شهيد من الأسرة الرياضية وكان ضابطا بالجيش العراقي، وقاتل القوات الغازية بقوة وبسالة ولقي حتفه في أول يوم، كما استشهد لاعب كرة السلة بنادي السالمية أحمد قبازرد وهو ضابط بوزارة الداخلية، وقد كان الأخير موجودا في البحرين ولقيته عدة مرات كان آخرها بالقرب من السفارة الكويتية في شهر ديسمبر 1990، إذ كان يتردد على الكويت والسعودية والبحرين وأخبرني بأنه سيعود إلى الكويت، وسألني إن كنت ارغب بالعودة معه لأنه يعرف المداخل والمخارج، فأخبرته عدم رغبتي بالعودة لأنني لا أجيد حمل السلاح والقتال ثم ودعته، وبعد أيام عدة وصلنا نبأ استشهاده بعدما اعتقله العراقيون، فلقد كان قبازرد وسيم المظهر صاحب عينين زرقاوتين وقد عذبوه كثيرا واقتلعوا عينيه وقطعوا أصابعه ومثلوا به (رحمه الله) وأسكنه فسيح جناته.

وهل لديك روايات وشواهد أخرى على مثل تلك الحوادث؟

أخبرني العديد من الأصدقاء الرياضيين الذين كانوا يعملون في السلك العسكري بالعديد من الجرائم والفظائع التي ارتكبها الجيش العراقي آنذاك، أحمد خلف هداف نادي العربي والضابط بالجيش الكويتي كان من ضمن الأشخاص الذين دخلوا قصر نايف وشهد الكثير من حالات الإعدام والتعذيب واغتصاب النساء وتجريدهن من ملابسهن، وكان يخبرني عن أنين النساء والرجال من التعذيب.

صديقي الآخر اسماعيل ياسين وهو ضابط بالجيش الكويتي روى لي حادثة استشهاد قشيعان المطيري أول شهيد رياضي في الكويت عندما كان يقاتل في الصفوف الأولى بمعسكر (جي ون G1) مضيفا بأنه بينما كان الاثنان يقومان بعملية الرمي تجاه القوات العراقية، غادر ياسين المكان لتبديل بزته العسكرية والقتال بملابس أخرى وعندما عاد إلى نفس المكان شاهد المطيري وهو مضرجا بدمه وجسمه مثقوب بالعديد من الرصاصات.

هل لك من كلمة أخيرة؟

كلمة شكر وتقدير أوجهها لمملكة البحرين قيادة وحكومة وشعبا على ما قدموه لنا من دعم وحسن استقبال، فأثناء وجودي لم أشعر بالغربة إطلاقا، وعشت ذكريات جميلة في البحرين لن أنساها، كما لا أنسى الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة الذين سيظل محفورا في ذاكرتي ووجداني وأشكر نادي المنامة وكل من وقف معنا في تلك المحنة.