سوسن كمال ترفضِ مشروعِ قانونٍ بإضافةِ مادةٍ جديدة إلى قانون العقوبات

قالت سعادة النائب د. سوسن كمال عضو مجلسِ النواب في مداخلة بالجلسة بخصوص مشروع قانونٍ بإضافةِ مادةٍ جديدة برقم (١٨٩) مكرراً إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم رقم (١٥) لعام ١٩٧٦، في الجلسة التاسعةَ عشرةَ، من دورِ الانعقادِ الثالثِ، الفصلُ التشريعيُّ الخامسُ، المنعقدةِ يومَ الثلاثاء ٩ فبراير ٢٠٢١:

عندما يأتي الحديثُ على النصوصِ العقابيةِ في القانونِ، فلابُدَّ أن يَحْضُرَ هنا مبدأُ اليقينِ في أعلى مستوياتِهِ لدى الصياغةِ، حتى لا يتِمُّ إيقاعُ العقوبةِ الخطِرَةِ السالبةِ للحريةِ على من ارتكبَ سلوكاً لمْ يُعَرَّفْ على أنَّهُ جريمةٌ بنصٍّ واضحٍ وبشكلٍ قاطعٍ، وحتى لا يتمُّ كذلكَ منافاةُ أصولِ المحاكمةِ العادلةِ التي كَفَلَها الدستورُ المجيدُ في العهدِ الزاهرِ لسيدي حضرةِ صاحبِ الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهلِ البلادِ المفدى أيدهُ اللهُ ورعاه، مما يُدخلُ المشروعَ في شبهةِ عدمِ الدستورية.

نعم.. لقدْ وقعَ المشروعُ الماثلُ القادمُ من الشورى في شبهةِ عدمِ الدستوريةِ، حيثُ ذُكِرَ الركنُ الماديُّ للجريمةِ، ولم يُذكَرِ الركنُ المعنويُّ، وذلكَ قد يُعَرِّضُ بريئاً ما للاتهامِ بل والإدانةِ، طالما لمْ يتوافرِ الغرضُ منَ الجريمةِ وهو (الركنُ المعنويُّ) في النصِّ العقابيِّ، وكأننا نقول: لقدْ رأيناكَ تُقدّمُ منفعةً لموظفٍ عامٍّ، ولايهُمُّ إن كُنتَ تقصدُ الرشوةَ أو لا تقصدُها، تريدُ مقابِلاً أو لا تريدُ، أنتَ مُعاقب !" والأصلُ أنْ لايُجَرَّمَ الفعلُ ما لمْ يكنْ إرادياً عمدياً قائماً على الاختيارِ الحر. 

حسناً، حتى وإنْ تمَّ إصلاحُ هذا الخللِ في التعديلِ الماثلِ، وقُمْنا ببيانِ الغرضِ من الجريمةِ في النصِّ العقابيِّ، وتلافَيْنا شبهةَ عدمِ الدستوريةِ، لنْ يقفَ الأمرُ عندَ ذلكَ، فالإحالةُ لمادة ١٨٦ التي وردتْ في مادةِ المشروعِ الماثلِ غيرُ متوازنةٍ، فهيَ تضبطُ حالاتٍ من الرشوةِ، وتتركُ -بغير قصدٍ- حالاتٍ أخرى كالمادة ١٨٨، التي فَلَتَتْ منَ الضبطِ المطلوبِ دامَ أنها غيرُ مشمولةٍ في الإحالةِ، ليُصبحَ الراشي ليسَ مُجرِماً ولا شريكاً في جريمةِ الرشوةِ اللاحقةِ التي تحصلُ بعدَ تحقيقَ المرادِ منَ الموظفِ العام.

أضفْ إلى ذلكَ، إغفالَ المشروعِ للحالاتِ غيرِ المباشرةِ منَ الرشوةِ، واقتصارِهِ على المباشِرةِ، وكذلكَ إغفالَهُ شمولَ الموظفِ غيرِ المختصِّ الذي زَعِمَ الاختصاصَ أو اعتقدهُ خطأً، واقتصارَهُ على المختصِّ، وكذلكَ عدمَ مراعاتِهِ الإعفاءَ المعزِّزَ لقوةِ القانونِ والمؤسساتِ عندَ اعترافِ الشريكِ بالجريمةِ وإبلاغِ السلطاتِ المختصَّةِ، مما يجعلُ الاستغناءَ عن الإحالةِ واجباً والاستعاضةَ عنها بتفصيلٍ واضحٍ وشاملٍ للجرائمِ المحتملةِ لتحقيقِ الهدفِ من المشروعِ وتحقيقِ العدالة.

وفوقَ ذلكَ كلِّهِ، فإنَّنا في الأساسِ لمْ نرَ ذلكَ الفراغَ التشريعيَّ الذي جاءَ بموجِبِهِ هذا المشروعُ مستهدفاً سدَّهُ، على اعتبارِ عدمِ وجودِ تجريمٍ للراشي، والوسيطِ، بل رأينا عكسَ ذلكَ، فلقدْ جرَّمَ القانونُ البحرينيُّ المتاجرةَ بالوظيفةِ العامةِ، ولمْ يغفُلْ عنِ المرتشي، ولا الراشي، ولا الوسيطِ، ونجدُ الشواهدَ في المادة ٤٤ و٤٥ من قانونِ العقوباتِ، نعم.. لو كانَ القانونُ البحرينيُّ يَعتَبِرُ الرشوةَ جريمتينِ، لصحَّ هذا القولُ بوجودِ فراغٍ تشريعي، لكننا ننتهجُ اتجاهَ (وِحدة الرشوةِ)، فمادامتْ الرشوةُ جريمةً واحدةً ارتكبَها الموظفُ العامُّ، فإنَّ القانون -تلقاءً- يُجرِّمُ الشركاءَ في الجريمةِ بمثلِ الفاعلِ الأصليِّ لها، فأينَ الفراغُ التشريعيّ؟ 

وخلاصةُ القولِ، إما أنْ نرفضَ المشروعَ -كما رأتِ الحكومةُ الموقرةُ- ونحافظَ على القانونِ الحاليِّ في ظلِّ عدالةٍ تحققُها القواعدُ العامةُ، وأحكامُ التمييزِ الصادرةِ، أو أنْ نصوغَ التعديلَ جيداً بهدفِ المزيدِ من الوضوحِ لا سداً لفراغٍ تشريعي، ومن غيرِ إحالاتٍ ناقصةٍ كالذي حصلَ، بل بتوضيحٍ مفصلٍ يغطي جميعَ حالاتِ الرشوةِ المحتملةِ، اللاحقةِ وغيرِ اللاحقةِ، المباشِرةِ وغيرِ المباشِرةِ، الموظفَ المختصَّ، وغيرَ المختصِّ، ومعَ مراعاةِ الإعفاءِ المعزِّزِ لقوةِ القانونِ والمؤسساتِ عند اعترافِ الشريكِ أو إبلاغِهِ الجهاتِ المختصةِ.

وبذلكَ ننتهي إلى رفضِ المشروعِ الماثلِ من حيثُ المبدأ.