البيئي راشد لـ“البلاد”: البحرين تتبنى اقتصادًا دائريًّا للكربون مدعومًا بخطط تحييد متنوعة
| حسن عبدالنبي
لا يمكن فصل الإدارة البيئية عن الجانب الاقتصادي للمشروعات بسبب التلوث البيئي وكلفته الاقتصادية البعد البيئي أصبح أحد المتطلبات الرئيسة للاستثمار الاقتصادي العالمي السعي نحو الطاقة المتجددة لن يكون بالمجان ويحتاج لبنية تحتية واستثمارات ضخمة
أكد الخبير البيئي كريم راشد أن البعد البيئي أصبح أحد المتطلبات الرئيسة للاستثمار الاقتصادي العالمي، وهذا ينعكس تمامًا على التشريعات البيئية على المستوى المحلي، مؤكدًا أن قانون البيئة شامل وفيه من الصرامة لوقف التدهور البيئي. بالإضافة إلى التزام المملكة بالاتفاقيات البيئية الدولية.
وأضاف في مقابلة مع “البلاد” بشأن الآثار البيئية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إن السعي نحو الطاقة المتجددة ليس مجانا، هناك حاجة للبنية التحتية وتغيير التقنيات واستخدام تقنيات جديدة وغيرها، حيث إن تدشين السيارة الكهربائية يحتاج بنية تحتية لبناء محطات كهربائية لتزويد السيارات بالكهرباء، وانعكاس ذلك على سوق المحروقات وربما يؤدي إلى غلق بعض محطات الوقود أو قد يكون هناك فرض ضرائب عليها كونها مصدرًا من مصادر تلوث الهواء. وفيما يلي نص الحوار:
ما هي علاقة الاقتصاد بالبيئة؟
منذ المؤتمر الأول المعني بالبيئة عام 1972، بدأ الاهتمام بالبيئة والاقتصاد والعلاقة بينهما بالأخص في القطاع الصناعي، وتجلّى ذلك في مفهوم التنمية المستدامة، ونتيجة لذلك تم التركيز على اقتصاديات إدارة البيئة، وتقويم الأثر البيئي للمشروعات القائمة والجديدة يعتبر إحدى الأدوات المهمة التي يتم تطبيقها للحد من تأثير تلك المشروعات على البيئة، وهنا تترتب تكلفة اقتصادية إضافية على المشروع.
وعليه، لا يمكن فصل الإدارة البيئية عن الجانب الاقتصادي للمشروعات، بسبب التلوث البيئي والكلفة الاقتصادية المترتبة عليه. لذا، فإن تحقيق التنمية الاقتصادية مرتبط بالتنمية المستدامة.
بمفهوم أبسط، علاقة البيئة والاقتصاد تبادلية، فالبيئة مصدر الإمداد للموارد الطبيعية للاقتصاد، وبعد عمليات الإنتاج والتشغيل تتحول إلى منتجات للاستهلاك، بجانب ذلك مخلفات وتأثيرات على البيئية كتلوث الهواء والماء.
ما الأثر المتوقع من تطور التشريعات والاشتراطات البيئية على الحياة الاقتصادية؟ وهنا نتحدث عن تمويل البنوك للمصانع وقدرة المصانع على تصدير إنتاجهم للخارج في ظل وجود اشتراطات حازمة؟
نشير هنا إلى إجراءات البنك الدولي كأكبر ممول للمشروعات، حيث في أكتوبر 2018 دشن إطار العمل البيئي والاجتماعي، وهذا ينطبق على جميع المشروعات الممولة، وهذا الإطار يركز على مجالات عديدة منها التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، والتنوع البيولوجي، وصحة المجتمعات المحلية وسلامتها. كما يعزز التزام البنك الدولي بالتنمية المستدامة من خلال عشرة معايير بيئية واجتماعية (معمقة وشاملة) مصممة لمساندة إدارة المخاطر البيئية والاجتماعية للمقترضين. وعليه، نرى بأن البعد البيئي أصبح أحد المتطلبات الرئيسة للاستثمار الاقتصادي العالمي، وهذا ينعكس تماما على التشريعات البيئية على المستوى المحلي، ونشير هنا إلى قانون البيئة المحدث، حيث إنه شامل وفيه من الصرامة لوقف التدهور البيئي. بالإضافة إلى الاتفاقيات البيئية الدولية المعنية بالمواد الكيميائية والمخلفات الخطرة التي تعتبر إطار قانوني ملزم بين الدول، فعندما يتم حظر مادة كيميائية، لا تستطيع أي دولة تصديرها أو استيرادها، يعني هناك تأثير اقتصادي على المصنع الذي يقوم بإنتاجها.
مثال آخر، في المشاريع الجديدة أو التوسعات في المشاريع القائمة هناك تكاليف اقتصادية إضافية يتحملها المشروع تتضمن معالجة الآثار الاجتماعية والبيئية للمشروع على الأفراد والبيئة، على سبيل المثال الأضرار الصحية الناتجة عن التلوث، تلوث الماء والهواء، الضوضاء، والإضرار بالحياة الفطرية (النباتية والحيوانية)، بالإضافة إلى كلفة استهلاك الطاقة والماء.
كيف تقرأ مبادرة البحرين بالوصول للحياد الكربوني الصفري بحلول 2060؟
يأتي انضمام البحرين إلى مبادرة الحياد الصفري في سياق المسؤولية المشتركة مع المجتمع الدولي، لأن تغير المناخ تحدٍ عالمي يتطلب التعاون على المستوى العالمي في تحقيق التنمية المستدامة من خلال التوسع في مشاريع تنمية الاقتصاد الدائري مع الحفاظ على إبقاء درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية.
كما يشكل القطاع الصناعي في البحرين أحد الأعمدة الرئيسة للاقتصاد، واتضح ذلك في الاستراتيجية الصناعية التي تم تدشينها مؤخرا بالتناغم مع إطار رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تهدف إلى تخفيض الانبعاثات من خلال وضع النمو النظيف والأخضر والمستدام كمرتكزات رئيسية فيها. وفي هذا الشأن، ستتبنى البحرين اقتصادًا دائريًا للكربون مدعومًا بخطط تحييد مختلفة تشمل على سبيل المثال لا الحصر تقنية احتجاز الكربون والتشجير.
وتم تأكيد ذلك في سياق كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء التي ألقاها سموه في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (COP26) الذي أقيم في مدينة غلاسكو في المملكة المتحدة، حيث أعلن سموه عن التزام مملكة البحرين للوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2060، من خلال مجموعة من الأهداف المرحلية والقصيرة المدى لتحقيق هذا الهدف الكبير، ومن الأهداف المرحلية هو تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 % بحلول عام 2035، وذلك من خلال العمل على مبادرات إزالة الكربون والاستثمار في مبادرات تعزيز كفاءة الطاقة، ومضاعفة الهدف الوطني لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في المزيج الكلي للطاقة، وزيادة أشجار نبات القرم إلى 4 أضعاف العدد الحالي، ومضاعفة عدد الأشجار بشكل عام، بالإضافة إلى الاستثمار المباشر في تقنيات احتجاز الكربون.
تسعى حكومة مملكة البحرين بشكل مكثف للاعتماد على الطاقة المتجددة بصورة تدريجية .... هل تعتقد أننا متأخرون مقارنة مع دول المنطقة؟ وما هي السبل التي يمكن للمواطنين العمل عليها من جانبهم والفائدة المرجوة على البيئة؟
لا أعتقد بأننا متأخرون في هذا الشأن، لأن البحرين بدأت الاهتمام بمشروعات الطاقة النظيفة مع انضمامها كعضو دائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) منذ تأسيسها عام 2009، بالإضافة إلى إنشاء وحدة للطاقة المستدامة عام 2013، التي ساهمت في زيادة الوعي بمصادر الطاقة المتجددة التي تتميز بكونها أقل كلفة وأكثر قدرة على التعاطي مع تغيرات المناخ، كما تسهم في تلبية متطلبات التنمية، ومواكبة التحول العالمي للاستثمار في مجالات الطاقة البديلة.
كما أن تخصيص وزارة للتنمية المستدامة دلالة على اهتمام المملكة بهذا الموضوع، وهناك مبادرات ومنها:
- المرسوم الملكي رقم 87 في أكتوبر 2019 بإنشاء هيئة مختصة تُعنى بمصادر الطاقة الطبيعية ذات الطابع الدائم والمستمر.
- استراتيجية وطنية تهدف إلى رفع كفاءة استخدام أنظمة الطاقة، وتوفير ما يقدر بـ 230 مليون دينار بحلول عام 2025.
- اعتماد الخطة الوطنية لاستخدام الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة عام 2018، وقد تضمنت العديد من المبادرات، حيث تم وضع هدف وطني للاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 5 % من مصادر الطاقة بحلول 2025 وترتفع هذه النسبة الى 10 % بحلول عام 2035.
أما بالنسبة للمواطنين والمؤسسات، فقد بذلت الحكومة جهوداً كبيرة في عدة مبادرات تهدف إلى استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، وإصدار معايير كفاءة الأجهزة الكهربائية والسيارات بكافة أنواعها، والموافقة على الأنظمة المتعلقة بالطاقة الشمسية الموزعة على أسطح المنازل والمنشآت، وبخاصة الحكومية التي دخلت حيز التنفيذ عام 2018، كما تم تشجيع العديد من الأفراد والمؤسسات على استخدامها، والسعي لبناء محطة طاقة شمسية بسعة إجمالية 100 ميغاوات، بالإضافة إلى إصدار دليل إنشاء البيوت الخضراء ومواصفات الإنارة، ودعم مشروع التبريد المركزي في خليج البحرين، وشهادات اعتماد أنظمة الطاقة المتجددة لقياس كفاءة التوظيف الأمثل لمصادر الطاقة، والتعاون بين “تمكين” وهيئة الطاقة الجديدة لتأهيل ودعم المقاولين والاستشاريين العاملين في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المنازل والمنشآت المختلفة، علاوة على استضافة المؤتمرات المتخصصة كمؤتمر الرابع الطاقة المتجددة الذي عقد في فبراير 2020.
وكذلك مشروع وكالة الزراعة والثروة الحيوانية لتشغيل ألواح الطاقة الشمسية في مرافق محمياتها الزراعية وبيوتها الخضراء، وتمكين أصحاب البنايات من امتلاك مشروعات الطاقة الشمسية الخاصة بهم، والتي من المؤمل أن تخفض إجمالي استهلاك الكهرباء بمعدل 20 %.
الملاحظ أن هنالك مشاريع ضخمة جدًّا في المنطقة ستعتمد على الطاقة المتجددة في تشغيلها، هل من المتوقع أن نشهد المزيد من الضرائب والرسوم وغيرها كاشتراطات بيئية؟ وما تأثير ذلك على الحياة الاقتصادية؟ وما المطلوب منا في البحرين لتجاوز أي أثر مستقبلي من هذا النوع؟
خلال وبعد جائحة كورونا تغيرت الكثير من الظروف وهناك تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، ومنها ارتفاع الضرائب. وهذا انعكس على جميع الجوانب البيئية والاجتماعية والمعيشية وغيرها.
وإن السعي نحو الطاقة المتجددة ليس مجاناً، هناك حاجة للبنية التحتية وتغيير التقنيات واستخدام تقنيات جديدة وغيرها. مثلا تدشين السيارة الكهربائية يحتاج بنية تحتية لبناء محطات كهربائية لتزويد السيارات بالكهرباء، وانعكاس ذلك على سوق المحروقات وربما يؤدي إلى غلق بعض محطات الوقود أو قد يكون هناك فرض ضرائب عليها كونها مصدرًا من مصادر تلوث الهواء.
كما أن هناك سعيًا عالميًّا في تغيير احتساب المنتجات، مثلا هناك توجه لاحتساب الماء الافتراضي (هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الانتقال الجرياني الافتراضي للماء ضمن البضائع الاستهلاكية والتي تنتقل عند المتاجرة بها من مكان إلى آخر) وهذا يرفع كلفة المنتج، لأن هناك ضرائب على استخدام الماء في القطاع الصناعي.
كما أن هناك توجهًا لحساب تكلفة زيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسبب في التغير المناخي، أيضاً تكلفة زيادة غازات الكلورفلور كربونات التي تسبب تمزق طبقة الأوزون. ونلاحظ ارتفاع كلفة قطاع التبريد، واتضح ذلك في ارتفاع أسعار غازات التبريد بشكل كبير وملحوظ، مما يعني أن التكاليف الاقتصادية في ارتفاع على جميع المستويات الوطني والعالمي، والتأثيرات البيئية قطعاً لن تكون خارج الحسابات الاقتصادية. وهنا نحن بحاجة إلى التوعية المستمرة في ترشيد الاستهلاك، وطريقة التسوق، وتطبيق مبدأ الاستهلاك والإنتاج المستدامين، حتى نتجنب تطبيق الضريبة البيئية.