“كامكو”: مخاوف النمو الاقتصادي العالمي تؤثر سلبًا على أسعار النفط
بعد أن تعافت أسعار النفط بوتيرة سريعة منذ الأسبوع الأخير من سبتمبر 2022، اتجهت مرة أخرى للانخفاض على خلفية المخاوف المتعلقة بنمو الاقتصاد العالمي وإمكانية دخول بعض أجزاء من أوروبا في حالة ركود.
ووصلت أسعار عقود النفط الآجلة إلى مستويات الذروة، مسجلة أعلى مستوياتها في 5 أسابيع بوصولها إلى 98.63 دولار أميركي للبرميل في 10 أكتوبر 2022 بعد أن شهدت مكاسب متواصلة في أعقاب إعلان الأوبك وحلفائها عن خفض حصص الإنتاج بمعدلات أعلى مما كان متوقعاً. إلا ان الأسعار اتجهت نحو الانخفاض بعد أن وصل الدولار الأميركي إلى أعلى مستوياته المسجلة في 24 عامًا، في ظل توقعات برفع أسعار الفائدة بمعدلات أعلى من المتوقع خلال الأشهر المقبلة مع مواصلة ارتفاع معدلات التضخم. بالإضافة إلى ذلك، ساهم خفض صندوق النقد الدولي لتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتحذيره من زيادة مخاطر حدوث ركود عالمي في التأثير على مسار أسعار النفط. وفي ذات الوقت، أدّت مخاطر تزايد تفشي فيروس كوفيد-19 في الصين مرة أخرى إلى تشديد القيود في بعض المدن الصينية الرئيسية، مما أدى إلى تأجيل آمال انتعاش الطلب على النفط في واحدة من أكبر مستهلكي النفط على مستوى العالم.
في المقابل، نمت أسعار المنتجات النفطية بوتيرة ثابتة مع اقتراب الموعد النهائي لفرض عقوبات أوروبية على روسيا والمقرر لها أن تبدأ في ديسمبر 2022، إلى جانب التقارير الأخيرة التي كشفت عن تعرض الإمدادات للعديد من الاضطرابات.
وكشف تقرير حديث صادر عن وكالة رويترز عن ارتفاع أسعار الديزل في أوروبا والولايات المتحدة بمعدلات كبيرة. ويعزى ارتفاع الأسعار في أوروبا إلى إضراب عمال مصافي النفط في فرنسا بينما تأثرت إمدادات المنتجات النهائية في الولايات المتحدة بعمليات صيانة مصافي التكرير. وأظهرت بيانات المصافي التي جمعتها وكالة بلومبرج تقلص طاقة تكرير المصافي الأميركية بأكثر من 0.9 مليون برميل يوميًّا مع انقطاع إضافي يزيد عن مليون برميل يوميًّا في شمال غرب أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، أدى اكتشاف تسريب في خط أنابيب لنقل النفط في بولندا، التي تشكّل الممر الرئيسي لعبور النفط الروسي إلى ألمانيا إلى توقف الإمدادات وتعزيز الأسعار. كما حدث عطل في مصفاة شل برنيس مما نتج عنه اندلاع حريق هائل.
وعلى صعيد الإنتاج، كان قرار أوبك وحلفائها بخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل يوميًّا بدءًا من نوفمبر 2022 مفاجئًا لسوق النفط، حيث استعد المتداولون لخفض الإنتاج بوتيرة أقل بكثير بسبب الضغوط الدولية الناجمة عن عدد من العوامل في صدارتها ارتفاع معدلات التضخم. وتشمل خطة خفض الإنتاج قيام السعودية وروسيا بخفض إنتاجهما المشترك بأكثر من مليون برميل يوميًّا، بينما سيخفض العراق والإمارات والكويت الإنتاج بمقدار 0.5 مليون برميل إضافية يوميًّا. كما خفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها لإنتاج النفط في أحدث تقاريرها لتوقعات الطاقة على المدى القصير. حيث ترى الآن أن يصل متوسط الإنتاج في الولايات المتحدة إلى 12.4 مليون برميل يوميًّا في العام 2023 مقابل 12.6 مليون برميل يوميًّا وفقًا لتوقعاتها السابقة، بينما تم خفض توقعات الإنتاج العالمي بمقدار 0.6 مليون برميل يوميًّا إلى 100.7 مليون برميل يوميًّا.
وبالنسبة للطلب، خفضت الأوبك توقعاتها للطلب للعام 2022 بمقدار 460 ألف برميل يوميًّا بنمو قدره 2.64 مليون برميل يوميًّا، بينما تشير التوقعات إلى انخفاض الطلب في العام 2023 بمقدار 360 ألف برميل يوميًّا بنمو قدره 2.34 مليون برميل يوميًّا. كما خفضت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها للطلب للعام المقبل بنحو 0.47 مليون برميل يوميًّا إلى 101.03 مليون برميل يوميًّا، مقارنة بتوقعاتها السابقة البالغة 101.50 مليون برميل يوميًّا.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
تراجعت أسعار النفط بوتيرة مستمرة منذ بداية الأسبوع الماضي بعد صدور تحذيرات بشأن توقعات النمو الاقتصادي على المدى القريب. وعادلت تلك التراجعات بشكل شبه كامل نمو الأسعار بعد أن أعلنت الأوبك وحلفاؤها خفض حصص الإنتاج بوتيرة أعلى مما كان متوقعًا ابتداءً من الشهر المقبل. ونتيجة لذلك، تراجعت العقود الآجلة لمزيج خام برنت مرة أخرى إلى مستوى 90.0 دولار أميركي للبرميل وتم تداولها عند مستوى 91.52 دولار أميركي للبرميل في 13 أكتوبر 2022. كما يعكس هذا الضعف أيضًا خفض توقعات الطلب التي أعلنت عنها كل من الأوبك ووكالة معلومات الطاقة الأميركية ووكالة الطاقة الدولية في تقاريرها الشهرية الخاصة بكل منها. إلا أن بعض الأحداث مثل تعطل خط أنابيب النفط في أوروبا ومصافي التكرير وتسارع وتيرة الشراء قبل موسم الشتاء، ساهمت أيضًا في تقديم بعض الدعم لأسعار النفط. وفي تقريرها الشهري الأخير، خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لتشغيل المصافي في العام 2023 بسبب ارتفاع تكاليف المواد الأولية مما يؤثر على هوامش المصافي في وقت تستعد فيه الاقتصادات في كافة أنحاء العالم للدخول في مرحة من التباطؤ الاقتصادي. وظلت مستويات إنتاج النفط في الولايات المتحدة مستقرة عند مستوى 12.0 مليون برميل يوميًّا بنهاية سبتمبر 2022. كما كشفت بيانات عدد منصات الحفر النفطي الصادرة عن شركة بيكر هيوز أيضًا عن وصول العدد الإجمالي لمنصات الحفر في الولايات المتحدة إلى نحو 600 منذ يوليو 2022. وساهم إعلان الولايات المتحدة عن سحب كميات إضافية من الاحتياطي الاستراتيجي بعد إعلان الأوبك وحلفائها عن خفض معدلات الإنتاج في دعم الأسعار، إلا أن انخفاض المخزون ظل مصدر قلق لمراقبي النفط. وأظهرت البيانات الأسبوعية انخفاض مخزون النفط الخام في الولايات المتحدة في الأسبوع المنتهي في 30 سبتمبر 2022، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي، بعد أن سجل نموًّا خلال الأسابيع الثلاثة السابقة.
وتراجع متوسط أسعار النفط بمعدلات تراوحت ما بين المتوسط إلى المرتفع في خانة الآحاد في سبتمبر 2022. حيث وصل متوسط سعر سلة نفط الأوبك إلى 95.3 دولار أميركي للبرميل، شهد المتوسط أعلى معدل تراجع يسجله في شهرين بنسبة 6.5 %. بالإضافة إلى ذلك، انخفض متوسط سعر النفط الخام إلى أقل من 100 دولار أميركي للبرميل للمرة الأولى منذ سبعة أشهر. وشهد سعر مزيج خام برنت انخفاضًا حادًّا بنسبة 9.8 %، ليصل في المتوسط إلى أدنى مستوياته المسجلة في ثمانية أشهر عند مستوى 89.8 دولار أميركي للبرميل. وكان التراجع الذي شهده خام النفط الكويتي معتدلًا نسبيًّا، إذ تراجع بنسبة 4.9 % ليصل في المتوسط إلى 98.7 دولار أميركي للبرميل. كما أدت تقلبات الأسعار إلى انخفاض متوسط توقعات أسعار النفط. إذ تم خفض تقديرات الإجماع في الربع الرابع من العام 2022 لسعر مزيج خام برنت بمقدار 9.1 دولار أميركي للبرميل إلى 91.9 دولار أميركي للبرميل، في حين تم خفض تقديرات الربعين الأول والثاني من العام 2023 بمقدار 6.0 دولار أميركي للبرميل و3.0 دولار أميركي للبرميل لتصل الأسعار إلى 90.0 دولار أميركي للبرميل و92.0 دولار أميركي للبرميل، على التوالي.
الطلب على النفط
قامت الأوبك بخفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2022 بمقدار 0.5 مليون برميل يوميًّا وفقًا لتقريرها الشهري الأخير. حيث تتوقع الأوبك الآن أن ينمو الطلب بمقدار 2.64 مليون برميل يوميًّا ليصل في المتوسط إلى 99.67 مليون برميل يوميًّا خلال العام. وعكست هذه المراجعة البيانات الصادرة مؤخرًا والتحذيرات بشأن نمو الاقتصاد العالمي وتأثيره على الطلب على النفط. كما أثرت إعادة فرض القيود في الصين بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 على التوقعات. أما من حيث التعديلات على أساس ربع سنوي، فقد تم خفض تقديرات الطلب خلال الفترة الممتدة ما بين الربع الثاني من العام 2022 حتى الربع الرابع من العام 2023. وشهدت توقعات الطلب على النفط في الربع الرابع من العام 2022 أعلى معدل خفض، إذ يتوقع الآن أن يصل الطلب إلى 101.64 مليون برميل يوميًّا بعد خفضها بمقدار 0.78 مليون برميل يوميًّا. وتم خفض توقعات الطلب للربعين الثاني والثالث من العام 2022 بمقدار 0.29 مليون برميل يوميًّا و 0.34 مليون برميل يوميًّا، على التوالي. وانخفض الطلب من منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 0.17 مليون برميل يوميًّا إلى 46.2 مليون برميل يوميًّا، بينما تم خفض التوقعات للدول غير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 0.19 مليون برميل يوميًّا إلى 53.47 مليون برميل يوميًّا. كما تم خفض توقعات الطلب في الربع الرابع من العام 2022 لمنطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 0.58 مليون برميل يوميًّا على خلفية خفض توقعات الطلب من أوروبا بنحو 0.35 مليون برميل يوميًّا. أما على صعيد الدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فشهدت توقعات الطلب الخاصة بالصين أكبر تعديل هبوطي بمقدار 0.1 مليون برميل يوميًّا عن فترة الربع الرابع من العام 2022.
من جهة أخرى، خفضت الأوبك توقعاتها لنمو الطلب للعام 2023 بمقدار 0.36 مليون برميل يوميًّا إلى 2.34 مليون برميل يوميًّا مع توقع وصول الطلب إلى 102.02 مليون برميل يوميًّا. وتتوقع منظمة أوبك أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من المتوقع أن يؤثر على القوة الشرائية للمستهلكين في الولايات المتحدة وسيؤثر ذلك على الطلب على النفط في الربع الرابع من العام 2023. كما من المتوقع أن يستمر هذا في الربع الأول من العام 2023 مع الضغط الهبوطي الإضافي الناجم عن تراجع السفر على الطرق والنشاط الاقتصادي العام بسبب الشتاء والذي سيعوضه جزئيًّا ارتفاع الطلب على وقود التدفئة ونواتج التقطير بالإضافة إلى بعض الانتعاش في وقود الطائرات مع التحسن في السفر جوًّا.
عرض النفط
ارتفع الإنتاج العالمي من السوائل النفطية مرة أخرى على أساس شهري في سبتمبر 2022 في ظل إشارة البيانات الأولية إلى تسجيل زيادة شهرية قدرها 0.93 مليون برميل يوميًّا ليصل الإنتاج في المتوسط إلى 101.48 مليون برميل يوميًّا. وكانت الزيادة التي شهدها الإنتاج لهذا الشهر مدفوعة بصفة رئيسية بزيادة إنتاج الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك بمقدار 0.8 مليون برميل يوميًّا، مع وصول معدل النمو الإجمالي إلى 0.6 مليون برميل يوميًّا من دول المنطقة الأوروبية الأسيوية الأخرى، والدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والدول الأميركية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي قابلها جزئيًّا تراجع معدلات الإنتاج الخاصة بروسيا وبعض الدول الأخرى.
ووفقًا لأحدث التقارير الشهرية الصادرة عن منظمة الأوبك، تم خفض توقعات إمدادات السوائل النفطية من خارج الأوبك للعام 2022 بمقدار 0.2 مليون برميل يوميًّا. وتتوقع المجموعة الآن أن يصل متوسط العرض إلى 65.6 مليون برميل يوميًّا، في ظل تزايد الإنتاج بمقدار 1.9 مليون برميل يوميًّا. وعكست المراجعة بصفة رئيسية التعديلات الهبوطية لتوقعات الإمدادات الخاصة بكازاخستان والنرويج وقطر والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والتي قابلها جزئيًّا تعديل تصاعدي للإمدادات من غيانا.
كما تم خفض توقعات العرض للعام 2023 بمقدار 0.2 مليون برميل يوميًّا بنمو قدره 1.5 مليون برميل يوميًّا، ليصل المتوسط إلى 67.1 مليون برميل يوميًّا. وعكس خفض توقعات العام المقبل بصفة رئيسية تعديل بيانات العرض الخاصة بروسيا وخفضها بمقدار 423 مليون برميل يوميًّا، وهو الأمر الذي قابله رفع البيانات الخاصة بأذربيجان وماليزيا وكازاخستان.
وواصل إنتاج الأوبك من النفط ارتفاعه في سبتمبر 2022 للشهر السابع عشر على التوالي ليصل إلى 29.9 مليون برميل يوميًّا، وفقًا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج. وجاءت تلك الزيادة بدعم رئيسي من زيادة الإنتاج في ليبيا إلى 1.2 مليون برميل يوميًّا بعد أشهر من الاضطرابات، هذا إلى جانب ارتفاع الإنتاج في السعودية ونيجيريا وفنزويلا. وأظهرت بيانات من مصادر الأوبك الثانوية تسجيل نمو في الإنتاج بمعدل أقل بلغ 146 ألف برميل يوميًّا، ليصل في المتوسط إلى 29.77 مليون برميل يوميًّا على خلفية تزايد إنتاج السعودية ونيجيريا وليبيا والإمارات، والذي قابله جزئيًّا انخفاض الإنتاج في العراق فنزويلا وإيران. هذا واقترب إنتاج المملكة العربية السعودية من 11 مليون برميل يوميًّا بإضافة 40 ألف برميل يوميا خلال الشهر (82 ألف برميل يوميًّا وفقًا لمنظمة أوبك) وبزيادة أكثر من نسبة 10 % منذ بداية العام. وبلغت الزيادة في إنتاج النفط الخام السعودي 1.1 مليون برميل يوميًّا أو ما نسبته 56.2 % من 1.9 مليون برميل يوميًّا أضافتها أوبك منذ ديسمبر2021.