خربشة ومغزى.. "قمة الرياض، وطنب الصغرى والكبرى وابو موسى"
| احمد عبدالله الحسين
احد فقرات بيان قمة الرياض للتعاون والتنمية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية الصين الشعبية نص على التالي؛ أكد القادة على دعمهم لكافة الجهود السلمية، بما فيها مبادرة ومساعي دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية وفقا لقواعد القانون الدولي، ولحل هذه القضية وفقا للشرعية الدولية.
دفع هذا الموقف العادل والمتوازن
وزير خارجية إيران عبد اللهيان عبر تغريدة نشرها في "تويتر"، ردا على البيان المشترك الصادر عن القمة الصينية الخليجية: "الجزر الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ستبقى إلى الأبد جزءا من بلدها الأم إيران". وختم بالقول : "نحن لن نجامل أحدا بشأن وحدة الأراضي الإيرانية". وأعلنت الخارجية الإيرانية أمس السبت استدعاء السفير الصيني لدى طهران، احتجاجا على بيان القمة الخليجية الصينية، الذي تضمن وضع الجزر المتنازع عليها مع الإمارات، ومفاوضات الاتفاق النووي.
هذا التوجه الفارسي هو سياق معروف يندبه غُلو الفرسنه، وهو يمتد على الجزر الثلاث، وكذلك يطال تسمية الخليج العربي بالفارسي وضم الاحواز العربية. وهي ادعاءات خالطها تزييف للتاريخ وتمويه للماضي، وقد يتخلل احيانا العقل الباطن لتكراره فينطلي على قليلوا الدراية المعرفية عن قضايا تتماهى فيها إيران حنقا وعدوانا.
الجزر ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، هي في الخليج العربي الذي فيه كذلك جزر كثيره صغيرة وكبيرة، منها ما هو قريب من الساحل الشرقي، واُخرى قريبة للساحل الغربي وثالثة في وسط الخليج العربي.
جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى هي من النوع الثالث في موقعها اي وسط الخليج العربي. جزيرة ابو موسى هي اقرب الى ساحل الشارقة، منها لمدينة "لنجة" في الساحل الشرقي المقابل له، والجزيرة منخفضة تتكون من سهول رملية وتمتاز بمياهها العميقة الصالحة لرسو السفن، حيث كانت تلجأ اليها مراكب الصيد، ويتوفر فيها أوكسيد الحديد الأسود، وكانت محط للصيادين من شاطئ الشارقة.
اما جزيرة طنب الكبرى فتقع على بعد 17ميلا الى الجنوب الغربي لجزيرة قشم، والجزيرة دائرية الشكل وهي منبسطة فيها بعض المراعي وتتوفر فيها المياه العذبة وفيها مصائد للؤلؤ.
اما جزيرة طنب الصغرى فتقع 8 ميلا غربي جزيرة طنب الكبرى وهي على شكل مثلث طولها ميل وعرضها ثلاثة ارباع الميل خالية من المياه العذبة.
هذه الجزر الثلاث في وسط الخليج العربي لها أهمية استراتجية على الطريق البحري الذي يتحكم من جهة مضيق هرمز.
تؤكد الدلالات التاريخية ان القواسم وهم سادة إشراف النسب، بعضهم نزح من سامراء (شمال بغداد) وما حولها حينما استولى الصفويون على بغداد اوائل القرن السابع عشر ميلادي، القواسم هم من حكم وتملك بعض الجزر في الخليج العربي اذ كانوا نشطين في الساحل الشرقي للخليج العربي. القواسم وضعوا أيديهم عام 1720م على جزيرة القشم بقيادة الشيخ راشد بن مطر من منطقة الصير(راس الخيمة الحالية وغيرها)، وأقيمت محطة تجارية لهم هناك حينها كانت الدولة الصفوية في أقصى درجات ضعفها، ولهذا غزاها الافغان واحتلوا عاصمتها أصفهان عام 1722م.
القواسم هؤلاء كان لهم بعض نفوذ وسيطرة على جهتي الخليج العربي فقواسم الجهة الشرقية حكموا لنجه عام 1750م وما تبعها من جزيرة سيري القريبة من جزيرة ابي موسى، وكذلك جزيرة هنجام القريبة من جزيرة قشم الى ان تمكن الفرس من بسط نفوذهم عام 1887م وكان اخر حاكم للنجه يدعى محمد بن خليفة.
اما قواسم الجهة الغربية ساحل عمان الشمالي فكانت لهم راس الخيمة والشارقة، ومعها ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى ، حيث ظلت هذه الجزر الثلاث في حكمهم الى عام 1835م.
الوثائق البريطانية تؤكد ان الجزر الثلاث هذه من الممتلكات الوراثية لشيوخ القواسم العرب لعقود قبل عام 1887م ولم تكن تخضع للإدارة الفارسية.
الرحالة الدنماركي كارستن نيبور في عام 1765م أكد هذه الحقيقة اذ يقول؛ ويتبع أمير الصير جزيرة الشارقة وبعض الأماكن المهمة على الجانب الاخر للخليج العربي، مثل ميناء كنج ولنجة وان الرحالة نفسة زار جزيرة قشم وأكد تبعيتها لشيوخ القواسم زمن شيخها راشد بن مطر.
يتبين تاريخيا ان وضع الجزر في القرن الثامن عشر كان مرتبطا بالقواسم العرب الذين مارسوا السيادة عليها ولم تنازعهم فارس.
الادعاءات الفارسية بشأن عائدية الجزر فليس هناك ما يظهر بخضوعها ولا مناطق الساحل الشرقي للخليج العربي الا في فترات قليلة تزامنت مع امتداد نفوذ فارس الى سواحل الخليج العربي في ؛ عهد نادر شاة (1736-1747)م وكريم خان زند (1750-1779)م
غير ان هذا الامتداد لم يكن الا اعترافا وقتيا بالسيادة الفارسية على الساحل لا على الجزر. ومع ضعف الادعاءات الفارسية جعلت الطرف الاخر يتشبث بكون القواسم العرب في لنجة اعترفوا بالسيادة الفارسية في فترة امتدادها، وان الجزر على هذا الأساس تكون مناطق فارسية غير ان هذه الادعاءات طبقا للوثائق البريطانية لا تقوم على دليل تاريخي، بل ان الشئ المؤكد وفقا للوثائق نفسها تقول ؛ " انه لا شئ هناك يظهر بان أولئك العرب (عرب القواسم)ومنذ ان حصلوا على موطئ قدم في الساحل الفارسي(هذا خطأ بريطاني لانه ساحل عربي) طرحوا سيادتهم على الجزر، لكن الواقع يشير بأنهم قد حملوا الى مستقرهم الجديد المكانة التي يتمتعون بها فعلا على الجزر".
ختاما الخليج العربي مياهه وجزره وسواحله كان بحيرة عربيه صرفه منذ الفتوحات الاسلامية الاولى في القرن السابع ميلادي. وتاريخيا القوى المحليه وبخاصة عمان حتى فترات التي شهدت ضعفا واضمحلالا للدولة العربية الاسلامية احتفظت بالسيطرة والسيادة على هذه المنطقة ككل. اما الوضع القانوني للجزر طوال هذه الفترة وحتى مجئ القوى الأوربية الى الخليج العربي في مطلع القرن السادس عشر ميلادي قد ارتبط بالقوى المحليه العربية. بل كان الخليج العربي قبل وصول البرتغاليون إبان هذا القرن تحكمه إمارات عربية على ساحله الشرقي والغربي، ولم يكن هناك اي خلاف حول عائدية الجزر لان هذه الإمارات العربية تعتبر عائدية الملكية للجميع، وان من حق سكان الخليج العربي ممارسة الصيد والتجارة في مناطقه المختلفه، ثم ان هذه الجزر لم تكن من الأهمية ما تثير الانتباه لقلة مواردها ومياهها، ولهذا الجزر الثلاثة عربية لا حق لإيران في احتلالها ولا بد يوماً أن يرجع الحق لأهله.