خربشة ومغزى.. "يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي"

| احمد عبدالله الحسين

يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي مثل عربي قديم، لطالما أُستخدم للذي يُخادع في سبيل تحقيق مصلحته، وهو ذاك الذي عنده ازدواجية سلوك يُحسن التفنن بها، تراه يشارك الذئب في فريسته ويشاطره الأكل كاسبا، ثم يذهب لمواساة الراعي الذي أكل الذئب غنمه فيبكي عنده حزينا.

بديع الزمان الهمداني المُتوفي عام 1007م له وصف مشابه إذ يقول "رايت الناس خُدّاعاً إلى جانب خُداع يعيشون مع الذئب ويبكون مع الراعي".

ولمزيد معرفه بالهمداني فهو؛ شاعر وأديب عربي، توطن همدان الفارسية حيث أخذ منها أسمه، واشتهر بكتاب المقامات الذي يُعدُّ باكورة وسابقه في الأدب العربي، وغزير في الإمتاع والإعتبار، حيث جعل الهمداني في هذا الكتاب سردية حكايات ومغامرات تنوع فيها النثر والشعر، اختار لها بطل وهمي اسمه ابو الفتح الاسكندراني.

في الموروث العربي أن حكاية هذا المثل؛ هي وصف للكلاب الماكرة التي يستعين بها الراعي لتحرس الغنم، فاذا تعرضت الأغنام لمباغتة الذئاب تجاهلت تلك الكلاب فعل الذئاب طمعا لان يُشاركوا الذئاب وليمتهم، حيث تأكل الكلاب ما تخلفه الذئاب، حينما تشبع وتفر فتعود بعدها الكلاب بعواء حزين عند الراعي ليستعطفهم ويتفهم عجزهم.   

هذا المثل في وصف الكلاب مع الذئب والراعي، يُشخص نفاقا يندس في السلوك وتُقيه تبطن وتظهر ذات وجهين، وكأن ذلك المخادع بهذا الفعل يمسك العصى بمرونه من الوسط، ضامنا التفاهم مع المعتدي والضحية.   

ازدواجية السلوك مع الذئب والراعي تشربت عمق تحايل دونما علم بين المتضادين، وهذا الخداع فعل واع يُغلَّف بجراءة مُتكلَّفَة، وتزلُّف فيه شيطنه لتجنب الأذى من الطرفين، ومتأملاً بهذه العقليه استمرار المكاسب.       الازدواج هذا هو تقمص الافعال المتناقضة، فيحمل شخصيه معينة تارة، ثم يتحول الى شخصية ثانية تارة اخرى، وكأنه ينسى في هذا التحول ما فعله اثناء تقمصه الشخصية الأولى.     التباكي صفة قد يمتهنها اصحاب ازدواجية السلوك، وهي تستدّر سذاجة من لا يتبصرها، والخداع صنعه تحوطه حيل تتقمص دلائل تُختلق لتبرير ما يفعلون، ويبقى المخادع كلب يبكي تحت أقدام الراعي.