تحقيق يتقصى تقييم المبادرات البحرينية في استدامة الغذاء

الأمن الغذائي.. هل نحن على الطريق الصحيح؟

| راشد الغائب

يعتبر موضوع الأمن الغذائي القضية الاقتصادية الشاغلة لجميع القارات، حيث قرعت جائحة كورونا الجرس ثم ترسخت القناعة بأهمية تأمين استدامة الغذاء مع أحداث الحرب الروسية الأوكرانية مما جعل هذا الملف الاقتصادي يتصدر الاهتمام بطاولة صناع القرار جنبا الى جنب مع ملفات أخرى مهمة مثل الأمن المائي وأمن الطاقة. لقد أدى تدهور مستويات الأمن الغذائي ببعض البلدان، ومن بينها دول عربية، الى وصولها لمستويات حرجة من الجوع وسوء التغذية. وبينت تقارير صدرت من الجهات الدولية المعنية بمتابعة ملف الأمن الغذائي، مثل منظمة "الفاو" والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وغيرهما، الى أن 53 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وأكثر من نصف سكان الدول العربية لم يستطيعوا تحمل كلفة تبني نظام غذائي صحي.

والسؤال الراهن بهذا التحقيق يتناول أين تقع مملكة البحرين في المؤشرات الدولية لتحقيق الأمن الغذائي؟ وهل تقدمت أو تأخرت؟ وما مدى كفاية إجراءات الجهات المعنية لتحقيق استدامة الغذاء؟ وهل البحرين على الطريق الصحيح والمسار المطلوب لتحقيق هدف التنمية المستدامة بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية؟ وما مستوى الإنجاز الحكومي لتنفيذ التوجيه الملكي خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب بتاريخ 13 أكتوبر 2019 بوضع وتنفيذ مشروع استراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء وذلك للنهوض بالقدرات البحرينية في الأمن الغذائي؟ وما أفق الاستفادة البحرينية من الهبة السودانية (الأرض الزراعية) لتحقيق الأمن الغذائي وطنيا؟

المؤشرات الدولية وعلى صعيد المؤشرات العالمية المرتبطة بالأمن الغذائي فإن الدول تعتمد المؤشر الذي تصدره "ايكونوميست ايمباكت" لمقارنة أداء 113 دولة في عدة معايير، حيث تبين أن البحرين قفزت من المرتبة 49 في العام 2020 الى المرتبة 43 في العام 2021، وبلغت المرتبة 38 في العام 2022 وذلك في أحدث تقاريرها الصادرة في أكتوبر 2022.

ترتيب مملكة البحرين عالميا بمؤشر الأمن الغذائي العالمي (من بين 113 دولة)

وبمقارنة البحرين مع بقية دول الخليج فإن البحرين كانت بالمرتبة السادسة (الأخيرة خليجيا) في العام 2020، وتطورت الى المرتبة الخامسة في  العام 2021، وهي حاليا في المرتبة الرابعة خليجيا، في مقابل تهاوي دولة الكويت من المرتبة الأولى في العام 2020 الى المرتبة السادسة (الأخيرة خليجيا) في العام 2022. وكذلك تبرز التجربة الإماراتية في تقدمها بالمؤشر حيث كانت بالمرتبة الخامسة بالعام 2020 وتطورت الى المرتبة الثالثة في العام 2021 وهي اليوم بالمرتبة الأولى خليجيا في العام 2022.

ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي بمؤشر الأمن الغذائي العالمي

ملاحظة: تقرير العام 2022 صدر في أكتوبر 2022

وقال مسؤولون حكوميون بحرينيون لأكثر من مرة بأن لدى المنامة خطة لرفع ترتيبها العالمي الى المرتبة 25 عالميا بحلول العام 2030، وهو أيضا موعد تنفيذ رؤية البحرين الاقتصادية 2030.

شراكات وخلال بحث "البلاد" عن حضور ملف الأمن الغذائي لدى الجهات الرسمية المعنية فقد أفادت وزارة الصناعة والتجارة بأنها أعدت 14 صنفا غذائيا أساسيا يستوجب تأمينه في حالات الطوارئ وذلك بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

أما وزارة شؤون البلديات والزراعة فقد تحدثت عن مشروعها لتطوير المركز الوطني للاستزراع البحري برأس حيان وذلك لتوفير إصبعيات الأسماك المستزرعة وذلك بالتعاون مع منظمة "الفاو"، وعملها لإنشاء مزرعة متكاملة لاستزراع أسماك الهامور وغيرها من الأسماك المحلية بالتعاون مع جمهوية الصين الشعبية.

وأشارت الى أن انشاء شركة حكومية تحتضن جميع مشروعات الأمن الغذائي وشركة أخرى لاستثمار وتطوير المركز الوطني للاستزراع البحري سيسهم في زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 10% لتصبح نسبة مساهمته في الاكتفاء المحلي 20%، وستزيد مساهمة الإنتاج السمكي بنسبة 12% لتصبح نسبة مساهمته في الاكتفاء المحلي 62%.

الفقر المائي ولا يمكن الحديث عن الأمن الغذائي دون تسليط الضوء على نصيب الفرد من المياه الصالحة للشرب والاستهلاك الآدمي، حيث بينت أرقام رسمية من هيئة الكهرباء والماء أن البحرين فوق خط الفقر المائي، إذ يبلغ نصيب الفرد 249 لتر يوميا وهو يعتبر من أعلى المعدلات عالميا، فيما يبلغ المخزون الاستراتيجي للمياه في البحرين 659 مليون جالون.

الاستثمار في الخارج وبالنسبة للاستثمار في أراضٍ خارج البحرين فإن هذا الخيار لم يؤدِ لنتائج ملموسة من تجارب عديدة وفقا لمسار تقصي "البلاد"، حيث منحت الحكومة السودانية أرضا زراعية للبحرين، ولكن تعثرت جهود الحكومة والقطاع الخاص لاستثمار هذه الأرض بسبب مشكلة المسافة الطويلة للموارد المائية عن هذه الأرض والتي لم تستثمر بالشكل المناسب حتى الآن حسب معلومات "البلاد".

وفي سياق البحث عن تفاصيل هذا الموضوع فقد بينت شركة ممتلكات القابضة، وهي الجهة الحكومة المعنية بإدارة مشروع الأرض البحرينية الزراعية في السودان، أن الحكومة السودانية منحت نظيرتها البحرينية أرضا بمساحة 400 كيلو متر مربع، وقد واجه المشروع تحديات لوجستية وفنية مرتبطة بموقع الأرض، أما القشة التي قصمت ظهر البعير فهي التطورات السياسية التي شهدتها الخرطوم في العام 2019 من خلال سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير وما رافق ذلك من اضطرابات سياسية وأمنية ثم دخول جائحة كورونا في مطلع العام 2020. ومع دخول مرحلة التعافي الاقتصادي تعرض المشروع لضربة مدوية من خلال قرار السلطات السودانية سحب أرضها من البحرين بعد مرور 8 سنوات على توقيع الاتفاقية، وذلك بسبب عدم تحرك الجهات البحرينية للاستثمار فيها ثم تراجعت الحكومة السودانية عن ذلك، وما زال مصير المشروع مجهولا، ولم يتجاوز مرحلة التصريحات والخطط الورقية حسب مصادر "البلاد". وحتى نضع موضوع الاستثمار الزراعي في الأرض العربية بمسطرة التقييم الموضوعي فقد جرى البحث عن التوجه العربي للاستثمار في القطاع الزراعي بالسودان وبخاصة بعد رفع العقوبات الأمريكية، حيث تبين أن حكومة الخرطوم منحت ملايين الأفدنة لحكومات خليجية ومستثمرين من السعودية والإمارات وتركيا والصين والأردن، حيث يتبوأ السودان المرتبة الأولى عالميا من حيث استئجار أراضيه لزراعة الأعلاف. ووفقا لاحصاءات رسمية سودانية فإن السودان يمتلك 200 مليون فدان (ألف فدان يساوي 4 كيلو متر مربع) صالح للزراعة أي ما يعادل قرابة 45% من الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، وجرى استثمار 30 مليونا منها فقط.

لا جدوى

وفي نفس الإطار بشأن جدوى الاستثمار الوطني في مشروعات غذائية بالخارج، يتذكر رئيس مجلس إدارة شركة البحرين للمواشي إبراهيم زينل أنه بعد ارتفاع الأسعار المحلية للأرز فقد وضعت الهند رسوم تصدير إضافية على كل طن أرز يجري تصديره، وكذلك ألغى الاتحاد الروسي في احدى السنوات الماضية عقود تصدير القمح تحت عذر وجود قوة قاهرة لنقص كميات القمح المتوفرة للاستهلاك الروسي. وهذا ما يجعل زينل يخلص الى نتيجة عدم جدوى الاستثمار الوطني في أراضي خارج الدولة.

زيادة الميزانية

وقال النائب جلال المحفوظ لصحيفة البلاد بأن موضوع الأمن الغذائي يتطلب من الحكومة وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد وتدون فيها بشكل واضح المبادرات المشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص. وأكد ضرورة رصد ميزانية أكبر مما تم رصده في الميزانية العامة السابقة لتنفيذ مبادرات الأمن الغذائي، حيث اعتمدت الحكومة وأقر مجلسي النواب والشورى في الميزانية العامة السابقة لعامي 2021/ 2022 مبلغا يعادل 9.2 مليون دولار مخصصا للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي والتكاليف التشغيلية لتأمين المخزون الاستراتيجي للغذاء. وطالب بإلغاء ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع الغذائية الضرورية، ومن بينها الأغذية المجمدة، والتي لا تشملها حاليا قائمة السلع المعفية من الضريبة. 

مقررات القمة

أما النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى، وهي نائب رئيس الشبكة البرلمانية للأمن الغذائي في افريقيا والعالم العربي، جهاد الفاضل، فقد أشارت الى وجود تحرك خليجي رسمي لانشاء شبكة خليجية للأمن الغذائي، وهي ضمن مقررات قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي. ولفتت الى انها تقدمت بمقترح انشاء مركز عربي للأمن الغذائي وقد أحيل للدراسة لدى جامعة الدول العربية، كما اقترحت قانونا لإنشاء مخزون استراتيجي للسلع الضرورية الغذائية وغير الغذائية وقد صاغته الحكومة وأحالته لمجلس النواب. ويعكس حديث عضوي السلطة التشريعية الى حضور ملف الأمن الغذائي تحت قبة البرلمان بشكل واضح ومؤثر.

 

مشروعات الجهات الحكومية في ملف الأمن الغذائي وتقييم تنفيذها

المشروع التقييم

انشاء اللجنة الوطنية للأمن الغذائي

تأخر انشاء وتشكيل هذه اللجنة، حيث تم الاعلان عن فكرة انشائها في 22 يونيو 2022

المواشي واللحوم

في العام 2015 أوقفت الحكومة الدعم الحكومي للحوم، وبدأت بصرف تعويض مالي شهري للأسر المستحقة، مما تسبب في تحول اعتماد السوق من اللحوم الحية الى اللحوم المبردة.

وكانت توجد شركة للمواشي بمشاركة حكومية مع القطاع الخاص منذ العام 2000، ولكن تحولت للقطاع الخاص بنسبة كاملة في العام 2022.

وقف تدهور المخزون السمكي الاستراتيجي

صدور قرار من وزارة شؤون البلديات والزراعة بحظر الصيد بشباك الجر القاعية (الكراف) ساهم في تعافي البيئة البحرية بنسبة 18%

انتاج الطحين

توجد شركة واحدة فقط تنتج الطحين المدعوم حكوميا.

ضرورة تشجيع وزارة الصناعة والتجارة للاستثمار في هذا النوع من القطاعات من خلال السماح بإنشاء شركات أخرى وبحيث تحصل على الدعم الحكومي.

كما أفاد تقرير ديوان الرقابة بأن صوامع القمح لدى الشركة محدودة مما يتعين وضع خطة لزيادتها.

مراقبة الأسعار، وبخاصة أسعار المواد الغذائية

عدد العاملين في مجال التفتيش بوزارة الصناعة والتجارة قليل وعددهم 47 منهم 30 مفتشا ميدانيا

تطوير المركز الوطني للاستزراع البحري لتوفير اصبعيات الأسماك المستزرعة

تأخر تنفيذ وزارة شؤون البلديات والزراعة لمشروع الشركة الحكومية القابضة لاستثمار وتطوير المركز الذي أعلن عنه قبل سنوات.

وتعثر القطاع الخاص في انشاء شركات سابقا لاستزراع اصبعيات الأسماك.

صناعة الدواجن

توجد شركة واحدة فقط لانتاج الدواجن، وطاقتها الانتاجية لا تلبي أكثر من ربع حجم السوق.

وتوقف الدعم الحكومي عن منتجات الشركة من الدجاج الطازج.

ويجب زيادة الاستثمار في هذه الشركة وتوفير مساحات لها لبناء حظائر للدواجن وخفض تعرفة الكهرباء عليها.

صناعة البيض

توجد شركة واحدة مملوكة للدولة، وتستطيع توفير 40% من حاجة السوق المحلية.

وتعتبر نسبة تغطية الشركة للسوق مناسبة بالرغم من وجود بعض النقص في السوق ببعض الفترات بسبب زيادة الطلب.

 

الخلاصة وخلاصة ما وصل إليه هذا التحقيق أن الإجراءات الحكومية جاءت متواضعة لمعالجة تحديات الأمن الغذائي في قطاعات عديدة مثل الإنتاج الحيواني والسمكي والألبان وغيرها، ولكن ذلك لم يجعلها تتهاوى في مؤشر الأمن الغذائي، وإنما جعل وضعها مستقرا، بسبب الدعم الحكومي لمشروعات الأمن الغذائي وقدرة الحكومة الاقتصادية على الاستيراد من الأسواق العالمية، حيث لم تسجل البحرين نقصا في السلع الغذائية الرئيسية والتي توفرت في جميع الظروف الصعبة. ولكن التحدي المستمر أنه في ظل استمرار الاستيراد في مختلف الظروف فإن المستورد يخضع لمعادلة السوق وتقلبات الأسعار العالمية والتي تشمل كلفة الشحن والتوريد والنقل. ومن خلال استعراض المشروعات الحكومية البحرينية وتقييمها، فقد تبين وجود شركة واحدة فقط لانتاج الطحين واستزراع اصبعيات الأسماك وإنتاج الدواجن والبيض، مما يتطلب تكثيف الجهود لزيادة نشاط هذه الشركات ليستوعب انتاجها السوق المحلية أو صرف تراخيص لشركات مماثلة تسهم في تغذية السوق المحلية. ولوحظ أن تولي الجهة الحكومية قيادة الشركات المرتبطة بالأمن الغذائي أو وجودها كشريك مؤثر يكفل نجاحها، وأن إدارة القطاع الخاص منفردا لمشروعات استثمارية مرتبطة بالأمن الغذائي يواجه التعثر مثلما جرى في أكثر من تجربة لانشاء شركات للاستزراع السمكي، مما يتطلب دراسة الموقف من ذلك وضرورة دعم جهود القطاع الخاص لأن يكون رافدا فعليا في تحقيق استدامة الغذاء دون اتكال على القطاع الحكومي.