أفلامه بلغة شاعرية وحسن جمالي كبير

المخرج البولندي "أندريه فايدا".. النشيد السيمفوني لمجد الحياة

| البلاد - أسامة الماجد

لقد وهب المخرج السينمائي البولندي الراحل "اندريه فايدا" الحاصل على الأوسكار الشرفية، نفسه نهائيا إلى قضيته وسار بأفلامه مختلف دول العالم بهيبة رمز النصر، ونقل ما عانته بلاده من اضطرابات خلال المد الشيوعي، وكل تفاصيل أفلامه بإطارها العام تشد الأنظار كونه من أبرع المخرجين في أوروبا في تقديم أفلامه بلغة شاعرية وحسن جمالي كبير في تكوين اللقطات.

شاهدت عددا من أفلام "أندريه فايدا" كفيلم "الممسوس" عن رواية لديستوفيسكي، وفيلم "الرجل الصلب" وغيرها، بتحريض من أستاذي الكاتب أمين صالح، وقبل أيام شاهدت فيلما لـ "فايدا" بعنوان" غابة البتولا".

تدور قصة الفيلم المأخوذ عن رواية لكاتب بولندي و كتب المخرج "فايدا "السيناريو بنفسه، عن اخوين، أحدهما يعيش في بيت ريفي مع ابنته، بعد فقده زوجته منذ سنة، حياة متوحدة، كئيبة تكسبه نوعا من مزاج عصبي، قاس وغريب، ويائس. يأتي إليه أخوه الأصغر العائد حديثا من مستشفى في سويسرا، ليشاركه الحياة المتبقية له، فهو مريض ومشرف على الموت وهو يعرف ذلك جيدا، وبمجيء الأخ الأصغر، الشاب الرقيق مليء القلب بالحياة، تدخل البيت الريفي الكئيب أنسام جديدة حية وحارة، تسبب للأخ الأكبر صدمات عليه أن يواجهها ويجيب عليها، ويأخذ المخرج "فايدا" المشاهدين في رحلة تختلط فيها الحياة بالموت، بكل ما يثور فيها من صراعات وتساؤلات، وبكل ما يغذيها القلب بالأمل الطاغي الذي يتجاوز حدود جدران الموت الباردة الخرساء.

وينطلق الأخ الأصغر في هذا البيت وفي الغابة ومع ابنة أخيه ومع الجارة الريفية، في ارتشاف كل ما تكتنزه اللحظات من قدرة على العطاء والمتعة، وأكثر من ذلك، فهو منذ ان يحل في البيت يأتي من المدينة ببيانو، لأنه لا يعرف أن يعيش دون أن يعزف، ويعرض المخرج "فايدا" تجربته هذه في إطار فلسفي شعري، يلعب اللون دورا أساسيا في إبرازه، كما أن استخدامه لأشجار البتولا يكسب الفيلم معنى رمزيا أساسيا، فشجرة البتولا ذات شعبية في حياة البولونيين، كونها رمز الخلود، وقد أسقط بعضا من ألوانها الأساسية على شخصية بطله الثاني الذي ينتظر أيامه، لا منكفئا على نفسه، بل منفلتا في حيوية الربيع والعصافير وخرير الساقية . وفي هذا التعارض بين الشخصيتين – الأخوين – يذهب المخرج "فايدا" إلى أبعد من الحادثة والشخصيتين، إلى المسألة الأساسية في الفلسفة والفن، مسألة الحياة والموت، منطلقا نشيده السيمفوني لمجد الحياة وتجددها وخصبها.

ما يبهر في هذا الفيلم هو براعة المخرج في أنه خلق من أداء ممثليه، وخاصة ممثلي دوري الأخوين، نوعا من الهارموني تتواكب وذلك النشيد اللوني الذي أطلقه على "غابة البتولا" ليخلقا معا قطعة سيمفونية اقل ما يقال فيها انها ساحرة.

في هذا الفيلم وغيرها من أفلام " فايدا".. تجد كل حركة مدروسة جيدا، وكل كادر تحوله الكاميرا إلى جزء له أهميته الجدلية في نسيج العمل بحيث لا يفلت الخيط منا.