عبدالعال: نحن جيل عاصر الحياة قبل الكهرباء وكنا ننام في الحوش وفوق السطح

| إبراهيم النهام | تصوير- خليل إبراهيم

‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬نبراس‭ ‬نقتدي‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭... ‬بروح‭ ‬التسامح‭ ‬والعطاء تعلمت‭ ‬الحكمة‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان قدوتي‭ ‬المهنية‭ ‬جواد‭ ‬حبيب‭... ‬وتعلمت‭ ‬من‭ ‬فاروق‭ ‬المؤيد‭ ‬إدارة‭ ‬تعددية‭ ‬المسؤوليات نصيحتي‭ ‬للشباب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديهم‭ ‬تحدٍّ‭ ‬وألا‭ ‬يسعوا‭ ‬للكسب‭ ‬السريع الزراعة‭ ‬مهنة‭ ‬جدي‭ ‬ووالدي‭... ‬وامتهنتها‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمري عشت‭ ‬ظروفا‭ ‬قاسية‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬شخصيتي يومياتنا‭ ‬البسيطة‭ ‬بنت‭ ‬فينا‭ ‬الأصالة‭ ‬والعفوية‭ ‬والصدق تباعد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬جراء‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬

 

قال المحاسب القانوني جاسم عبدالعال لـ “البلاد” إن “الأسرة الكبيرة تدفعك لأن تبحث لك عن طريق، يوجد لك التميز عن الآخرين”، مضيفاً ”البيت العود في (زمان أول) كان يحتضن الجميع، وكان منبعًا للعصامية ولبناء النفس”. وأضاف عبدالعال “تعلمت من تجربتي الخاصة، أن يكون للإنسان تحدٍّ وقدرة على استيعاب الأمور، وألا يسعى للكسب السريع”.

في البداية، حدثنا عن النشأة؟ ولدت في قرية المالكية، وتربيت فيها، وعشت في أوساط أسرة متوسطة في البيت العود، والذي كان يحتضن الجميع، وكانت الزراعة مهنة جدي ووالدي الذي اتجه لاحقا لمهنة البناء، كانت أياما جميلة، اتسمت بالعمل المشترك للرجال والنساء، وبميزة أساسية للأسرة الكبيرة. ولقد أوجد ذلك بعض التحديات في المستقبل، بغياب التدليل والتسهيل بأي أمر، فالاعتماد على النفس سمة أساسية، والعصامية، والأسرة الكبيرة تدفعك لأن تبحث لك عن طريق، يوجد لك التميز عن الآخرين. وفي التاسعة من عمري، امتهنت الزراعة، وكنت أمارسها بشغف بعد عودتي من المدرسة، في الصيف والشتاء، واستمررت على ذلك حتى سن الثانية عشرة، وبعدها اتجهت للبناء، وهو النشاط الذي اتجه إليه والدي فيما بعد، فكنت أمارس عملي كمشرف على العمال، حتى الرابعة عشرة. بعدها اتجهت إلى البحر، وتعلمت الصيد بالبوانيش، كنا نظل أياما عدة في عرض البحر، خلال الإجازات القصيرة، أما في الإجازة الصيفية، فكانت المدة أطول، ولقد مكنتني هذه الحياة، وهذه الممارسات الشاقة أن اعتمد على نفسي، لكي اصطاد السمك وأبيعه، وأنفق على نفسي من قيمته طوال السنة الدراسية. وظللت على هذه الحال، حتى تخرجي من المدرسة في العام 1984، حينها كنت في الثامنة عشرة، وللإشارة هنا فلقد درست بالبداية في مدرسة كرزكان الابتدائية، ثم انتقلت إلى مدرسة مدينة عيسى الإعدادية الثانوية. وبنكهة جميلة، نقلتني من المحيط القروي البسيط، إلى انفتاح جزئي بمدينة عيسى المميزة بالخليط المتعدد، مما ساعدني على تكوين صداقات متعددة، قبل انتقالي لمدرسة المنامة الثانوية. أما صداقاتي المهمة آنذاك، فقد كانت مع الصديق أحمد المحميد، وحسن يوسف الذي أصبح لاحقا مديرا عاما في البنك المركزي، والأخ أحمد مطر الذي تعرفت عليه في بريطانيا، فكل مرحلة لها صداقاتها، التي كانت تضيف لي شيئاً جديداً من خلال الانفتاح والتعرف على العوالم الجديدة.  

من هي أكثر الشخصيات التي أثرت فيك؟ على المستوى الوطني، فإن ملك البلاد المعظم صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، هو النبراس الذي نقتدي به في كل شيء، بروح التسامح التي يمتلكها جلالته، والعطاء. وأنظر إلى المرحوم صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه) في الحكمة وبعد النظر، والانفتاح على الآخرين. وفي العمل والتنظيم أرى شخص ولي العهد رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة. وعلى مستوى العمل الاجتماعي والإنساني والخيري، استذكر المرحوم الحاج حسن العالي، وفي العطاء والحياة والتشجيع والانفتاح الحاج أحمد منصور العالي، ولقد كانت بدايتي في الدراسة ببريطانيا عن طريقه. وعلى المستوى المهني، فلقد كان لأستاذي جواد حبيب فضل كبير في ذلك، وأراه قدوة لي بالعمل والمهنية، كما كان بابا من أبواب النجاح في ما وصلت إليه اليوم، بالتشجيع، ومنح الفرص، والعمل معه بفترة ما. كما تعلمت من فاروق المؤيد القدرة على إدارة تعددية المسؤوليات، وكثيرا من الأمور والمسؤوليات التجارية، حيث كنت أنظر إليه بإعجاب، وما زلت حتى اللحظة.

حدثنا عن مرحلة الزواج؟ أنهيت دراستي الجامعية ببريطانيا، وتزوجت في العام 1988، كنت حينها بسن 24 سنة، ولم أكن أملك أي شيء، ما عدا ما وفرته بمرحلة الدراسة، وكان مبلغ 1200 دينار التي جمعتها وأنا طالب بمعدل خمسين دينارا شهريا، هو الذي ساعدني على تغطية نفقات الزواج بالكامل.  والحمد لله رزقت بشكل مبكر بالأولاد، ولقد نشأوا وتزوجوا، ولدي الآن ولله الحمد الأحفاد.

 ما نصيحتك للشباب؟ أن يكون لديهم تحدٍّ وقدرة على استيعاب الأمور، وألا يسعوا للكسب السريع. أحببت التخصص في الرياضيات بسبب المعلم حسين الصددي، وحين دخلت مجال المحاسبة في بريطانيا، ساعدني الأخ احمد مطر لأن أسير بقوة في هذا المضمار، وساعدني ووجهني؛ لكي أحقق الكثير، والذي تغلبت من خلاله على كل التحديات بالجدية. وعليه، فالشباب مدعوون أن يأخذوا هذا النهج من البداية، فما هو المسار الذي يجب أن يسيروا خلاله؟ المواد التي يحبونها، التخصص، والأهم الشغف في كل ذلك، والذي من شأنه أن يساعد على التوسع في التخصص.

كيف يستطيع الشباب أن يحبوا الدراسة؟ الدراسة ليست للعمل فقط، فالمطلوب علاقة حب بين الطالب وما يدرسه، وأن يجتهد ويقدم ما يمكن، وأن يكون صادقاً بكل ذلك، حتى يبدع ويتفوق فيه، فالجودة في العمل والحياة أمر بالغ الأهمية.

 برأيك، ما الفارق في نمط الحياة الحالي عن “أيام أول”؟ نحن جيل محظوظ؛ لأننا عشنا في الأيام الصعبة، وبدايتنا كانت مع بداية دخول الكهرباء (بالستينات)، إذ لم تكن هنالك مكيفات أو ثلاجات، كما كنا ننام في الحوش، وفوق السطح في (البيت العود) حيث كنا نربي البقر، وننظف البيت، ونتساعد في مسؤوليات الأسرة. وفي هذه اليوميات البسيطة جداً، كنا ندرس ونعمل في آن واحد، وهي أمور انعكست على شخصيتي وشخصيات أبناء جيلي، فقد بنت فينا الأصالة، والعفوية، والصدق. واليوم نرى -بشكل مختلف- الحياة العصرية، والانفتاح، والتكنولوجيا، والماديات، ومدى الفارق في نمط التواصل ما بين الناس، والبعد في العلاقات.

وماذا عن يوميات جاسم عبدالعال؟ عشت في ظروف قاسية، وصعبة، سواء في البيت، أو في الدراسة، أو في المهجر، والعمل نفسه، وهي ظروف انعكست على شخصيتي، وبوضوح.  وانعكست أيضاً بمشاركتي في العمل السياسي كنائب في برلمان 2002، عبر رغبتي في أن أخدم بلدي والناس، واستمررت على هذا النهج حتى ترؤسي نادي المالكية منذ العام  2008 وحتى الآن.

أين ترى نفسك اليوم بعد هذه الحياة الشاقة والمرهقة؟ بدأت العمل كما أسلفت لك مبكراً، وأنا في التاسعة بالزراعة، وفي السن الرابعة عشرة عملت في البناء، ومن ثم في البحر، فكنت دائماً أعمل، وحين دخلت الدراسة، كنت أرى هذا الميدان بالتحدي. ودراستي في المدارس المختلفة، أعطتني نمطا اجتماعيا ومتنوعا ومختلفا، لكن أكثر تحدٍّ واجهته كان حين سافرت لبريطانيا، وبدأت الدراسة هنالك وحيداً، واستمررت في دراستي عشر سنوات، على فترتين، حتى إتمامي لها العام 1995. وأشير إلى أن نسبة النجاح في كل فصل (كورس) دراسي كان 20 % فقط من الطلبة، بسبب صعوبة التخصص وصعوبة تخطي الامتحانات، وعليه فالغربة علمتني قساوة الحياة، وحببتني بالحزن، فأصبحت أحب كل ما هو حزين، من موسيقى، وأفلام، وقصص، وغيرها.