صادر عن دار الساقي في بيروت

العلي يُوثِّق لـ "هُوِيَّة الطعام" و"ديمقراطية المشي" في حياة البحرينيين قبل 100 عام

لطالما شَكَّل الطعام وعاداته لدى الشعوب جزءً من الهُوِيَّة. فـ "الطهي والطعام ليسا مجرد ممارسات يومية، بل هما خطاب يعرِّف فيه الناس عن أنفسهم وعن علاقتهم بما يأكلون ويُفضِّلون". هكذا يتحدث كتاب: "أوراق من تاريخ البحرين" للباحث البحريني محمد عبدالله العلي، والصادر عن دار الساقي في بيروت. يتحدث المؤلف في جزء من الكتاب عن عادات أهل البحرين مطلع القرن العشرين، مشيرًا إلى أن التعرف على الهُوِيَّة عن طريق الطعام قد ظهر بالفعل منذ زمن طويل، فـصنِّفت الشعوب "وفقًا لنظامها الغذائي، فالفرنسيون والإيطاليون هم شعب المعكرونة، والإيرلنديون والبلجيكيون هم شعب البطاطا، والإنجليز شعب المشويات، والهولنديون هم عُشَّاق الجبنة" وما إلى ذلك. وبصرف النظر عن القوالب النمطية أو تصنيف الشعوب من طعامها أو طريقة تحضيره، فإنه يمكن أيضًا "تحديد ثقافة الطعام لأي شعب كان من سِمَة عامة تُنسب له عادةً كما هو الحال مع هولندا التي غالبًا ما تُوصَف ثقافة الطعام فيها بأنها مقتَصِدَة، بعكس الحال مع البلجيكيين المعروفين بالإسراف في الطعام" كما يشير الكتاب، أما البحرينيون فيُسمِّيهم المؤلف بـ "شعب السَّمَك، فقد ظلَّ هذا النوع من الطعام سائدًا في البحرين في تلك الفترة، ولم يمنع سيادته حتى التفاوتات الاجتماعية الطبقية، لذلك ظلَّت الأسماك المادة الرئيسة في طعامهم، كونها متوفرة بشكل كبير، وأسعارها معقولة" فينقل عن الحمداني أن "متوسط أسعار السمك في البحرين تبلغ ٢٠/١ من أسعاره في بيروت" على سبيل المثال. يُفصِّل الكاتب في ذلك النظام الغذائي للبحرينيين في النصف الأول من القرن العشرين، وصولاً إلى السبعينيات فيقول بأنهم "كانوا يعتمدون في غذائهم (بالإضافة إلى الأسماك) على الكربوهيدرات والخَضْرَاوَات التي وفرت لهم سعرات حرارية كافية، للحفاظ على العمل، وبُنية جسمانية معتدلة". ففي عام ١٩٧٦ أنتج البحرينيون ألفين و ٥٧٠ طنًّا من الأسماك، وخمسة آلاف و ١٩٦ طنًّا من الخَضْرَاوَات، و ألفًا و ٨٠٠ طن من الألبان، و ٥٠٠ طن من البيض، و ألفًا و ١٧٦ طنًّا من الدواجن. لذلك كان المصدر الرئيس للبروتين بالنسبة لهم هو "السمك واللبن، وهما مصدران لهما قيمة حيوية عالية، مع عدم تناولهم للفواكه، والاعتماد بدلاً منها على الخَضْرَاوَات المزروعة في الحقل والخاصة بكل موسم. وكان الأرز المصقول المُزَال عنه قشرته وجبة أساسية إلى جانب السمك، مضاف إليه اللحم والدجاج، وكان هذا المكوِّن الغذائي يتم تناوله في الصيف والشتاء بالسَّواء، أما الإفطار فكانوا يعتمدون فيه بشكل أساس على الشاي باللبن والخبز، وأيضًا على البيض والجبن، أما العشاء فلم يكن ينال أهمية بالنسبة لهم، إذ لا يعتبر وجبة أساسية إذا ما قُورِنَ بالغداء، لكن بصورة عامة كان هناك من البحرينيين مَنْ يُبقي شيئًا من غدائه لوجبة العشاء، مع وجود آخرين كانوا يأكلون البيض واللحم والخَضْرَاوَات ليلاً" كما ينقل الكتاب عن المصادر الموثِّقة لذلك. أيضًا يشير الكاتب إلى أن من الأشياء التي مَنَحَت البحرينيين الطعام الجيد في تلك الفترة، هو أن الأغذية لم تكن تُخزَّن في مبرِّدات كما هو اليوم؛ لأن الناس لم تكن تمتلك الثلاجات بكثرة، بل إن القصَّابين كانوا يشترون اللحم ويبيعونه يوميًّا دون تخزين، إذ إن اللحم الأسترالي لم يدخل البحرين إلاَّ في منتصف الستينيات حين أحضره تجارٌ كويتيون لذلك كان الطعام الذي يأكله البحرينيون آنذاك غَضِيضًا طَرِيًّا كما يقول. يضيف الكاتب إلى النظام الغذائي ما يُسمِّيه بـ "ديمقراطية المشي، فقد كان البحرينيون يستخدمون المشي في الذهاب إلى الأسواق والتبضُّع في أغلب الأوقات؛ بسبب افتقادهم لوسائل المواصلات الحديثة. وحتى مع استخدامهم للدراجات الهوائية فإنهم كانوا يبذلون جهدًا بدنيًّا موازيًا لسرعة قطع المسافات، بما في ذلك الجهد المبذول أثناء استخدامهم لوسائل النقل العامة، التي لا يصلون إليها ولمحطاتها إلاَّ بعد أن يقطعوا مسافات طويلة من بيوتهم. لذلك بَدَتْ أبدانهم معتدلة في تلك الفترة. وكان استخدام البحرينيين للمشي في حياتهم آنذاك، يعكس أفضل صور العدالة الاجتماعية، كونه يعتبر أكثر وسائل النقل ديمقراطية، لسبب بسيط وهو أنه كان يُوحِّد وسيلة تنقل الناس، حين جَعَلَها وسيلة عضليَّة ذاتية الجهد، ولا يكشف التفاوتات الاجتماعية، التي تجعل البعض قادرًا على ركوب سيارة فارهة بمعايير تلك الفترة، في قبال آخر لا يملكها".  ويخلص الكاتب إلى أنه وكنتيجة طبيعية لذلك النمط من الغذاء الجيد، والاعتماد على المشي في التنقل كانت الأرقام قد أشارت إلى أن داء السُّكَّري في البحرين لم تَزِدْ نسبته على ٢.٤ بالمائة بين الذكور في عام ١٩٦٩ بعكس اليوم الذي تصل فيه النسبة إلى مستويات مقلقة، تصل إلى ١٤.٧ بالمائة كما يشير.