(ملحمة مليئة بآلاف التفاصيل "جان لوك غودار.. ما قبل الاسم، ما قبل اللغة")

أمين صالح.. العمود الفقري للثقافة السينمائية الرفيعة

| أسامة الماجد

كتاب جديد في موضوعه ورؤيته ومنظوره، ينطلق من منظور الإبداع السينمائي عند المخرج الفرنسي جان لوك غودار بالتعريف والدراسة والتحليل والنقد، استمد مكوناته من روافد عدّة، ليكون مرآة صادقة لكل عمل سينمائي جاد، كيف لا وصاحبه أمين صالح الذي يعد العمود الفقري للثقافة السينمائية الرفيعة في الوطن العربي بتجربته وخبرته واطلاعه.

"جان لوك غودار.. ما قبل الاسم، ما قبل اللغة" كتاب من إصدارات مهرجان أفلام السعودية لأمين صالح ويقع في 502 صفحة من الحجم الوسط، وفي هذا الكتاب كما جاء في تعريفه، يبحر القارئ مع أمين صالح في عوالم المخرج الفرنسي الفذ جان لوك غودار "1930 – 2020" الذي خض التقاليد الراسخة في التعاطي مع السينما خضًّا جذريًّا، يهدم ما استقر في العين وفي الذائقة حتى صار أليفًا، ثم يعيد صياغة كل شيء من جديد وبأسلوب خلّاق ما يزال يتردّد صداه منذ "اللاهث" 1959 وحتى آخر أعماله "كتاب الصورة" 2018.

غودار هو دوار الشمس السينمائي على نحو ابتكاري لا نظير له في جسارته، وفي إقدامه على المغامرات الجمالية، تلك التي تغادر الثابت المكرس وتثب بجناح الاختلاف إلى عوالم سينمائية لم تفقد تأثيرها، بل إن تأثيرها يواصل فعله وحضوره نقديًّا، وجماهيريًّا.

غودار، التاريخ، الفلسفة، الشعر، صانع الجمال. غودار الراهن تتملأه عين أمين صالح، عين الناقد البصيرة التي اكتشفت وأشارت ونقّبت في الأصول والمراجع حتى ظفرنا في أواسط سبعينيات القرن الماضي بـ"ملف خاص" من إعداده عن غودار نشر في مجلة "كتابات" الفصلية البحرينية العدد الرابع ديسمبر 1979. منذ ذلك التاريخ وأمين صالح ماثل في هواء السينما الإبداعية برصيد يزداد نفاذًا في الجمال وفي الخبرة النقدية، وها هو يستوى متألقًا بهذا السِفْر الجامع عن حياة غودار وأفلامه ومسيرته، وتجربته العريضة بكافة أبعادها. يحتوي الكتاب على عناوين كثيرة نختار منها:

السيرة، أفلام غودار، غودار وهولييود، خطوة أوسع نحو الجمالي، الشعري، الفلسفي، ما هي السينما، موت السينما، الإخراج.. طاقة الخلق. السيناريو ضد الدراما، الأسلوب رؤية للعالم، التقنية السينمائية، الصوت والصمت.. التوظيف الخلّاق، الإضاءة. احتمالات أسر الضوء، المونتاج، المضي وراء تخوم السينما، الإيقاع، التمثيل ضرب من الاستقصاء، الإنتاج والسلطة المطلقة، تحقيق الأفلام سياسيًّا، التلفزيون كوسيط فعّال، غودار والآخرون، غودار والجمهور، الجندي الصغير، تلك حياتي التي أعيشها، الجنود الرماة، زمرة من اللامنتمين، بيرو المجنون، وغيرها من العناوين.

ونقرأ في المدخل: غودار مثال للفنان الأوروبي الذي لا يكف عن فحص أفكاره ودوافعه ومشاعره، إنه المخرج السينمائي الواعي لذاته من غير منازع، وفيلسوف السينما الموجه لغويًّا، المطّلع إلى أبعد حد على الموسيقى الكلاسيكية، الأدب، الشعر، التشكيل، الفلسفة. البعض يعتبره فيلسوفًا وسينمائيًّا معًا. ما هو مثير بشأن غودار، إضافة إلى غزارة إنتاجه السينمائي واعتبار عدد منها كروائع فنية في تاريخ السينما، إنه يجبر الجمهور على اتخاذ موقف من مجمل تاريخ الفيلم، بكل نوعياته وأساليبه المتغيرة، ويجعله يطرح الأسئلة بشأن معنى الوثائقية، القصة الخيالية، المونتاج، اللغة، الوعي، هوليوود، والاختلاف بين الفن السينمائي الأوروبي وهوليوود. لفهم غودار والفيلم يتعيّن علينا أن ندرس ونتأمل هذه الأمور وغيرها.

كتاب "جان لوك غودار.. ما قبل الاسم، ما قبل اللغة" ملحمة أخرى للروائي والسيناريست الكبير أمين صالح، ملحمة صاخبة مليئة بآلاف التفاصيل.