انغمار برغمان... والنفاذ إلى ما خلف مظاهر الحياة

| أسامة الماجد

في أوجه تألق الاتجاه الواقعي في السينما، ظهرت روائع المخرج السويدي انغمار برغمان، الذي برع في مراقبة واستكشاف الوضع الإنساني، والزمن على النحو الذي سعى فيه سابقوه من كبار المبدعين إلى غزو المكان. فأفلام برغمان تتحدث دائما في زمن هامشي، مغلق، يزداد حزنا ووحشة بفعل تراكم الذكريات.

برغمان رسم لوحة بانورامية للسينما الواقعية في العالم من حيث أهميتها وتأثيرها، وفيما يلي بعض من آرائه وتجربته:

"شخصيات أفلامي"

شخصيات أفلامي مثلي تماما، أي أنها حيوانات تحركها الغرائز، وتعمد في أفضل الحالات إلى التفكير حين تتكلم، أن المقدرة الذهنية لشخصياتي محدودة نسبيا. الجسد هنا يشكل الجزء الرئيس، مع فجوة صغيرة للروح. مادة أفلامي هي تجارب الحياة التي غالبا ما يكون سندها الذهني والمنطقي واهيا.

"توليف الفيلم"

غالبا ما يحدث لي أن أتخيل توليف الفيلم في الوقت الذي تكون فيه الكاميرا في ذروة عملها. أما اللقطات الانتقالية فأصممها عندما أكون منكبا على وضع التقطيع التقني للسيناريو، وخلال العمل مع الممثلين ومناقشتهم، ثم أنتهي من وضع التقطيع حتى أكف عن النظر إليه حتى عشية موعد تصوير المشهد المتعلق به. فهنا أعود وأقرأ النص، وأغير أو الغي بعض جمل الحوار.

وفي صبيحة اليوم التالي ألتقي معاوني في الاستوديو ويحدث أحيانا أن أغير شيئا من الحوار حتى ولو كان الممثلون قد حفظوه غيبا.

"اختيار الممثلين"

مبدئيا وفيما يتعلق باختيار الممثلين وتدريبهم عموما، غالبا ما أتصرف وفقا لحدسي، لأنه من السخف مناقشة ممثل ما في مشاعره وميوله، لو فعلت ذلك سيبصق في وجهي دون ريب. علي أن أوفر للمثل تعليمات تقنية متكاملة، واضحة تمام الوضوح. بالنسبة لي أرى أن عملية وصف المشهد والحبكة وإنجازها التقني إنما هو نوع من التعليمات التقنية التي تتوجه إلى الممثل بشكل غير مباشر وتتحدث إليه.

"هيمنة التلفزيون"

في الماضي كان بوسع الفن أن يكون تحريضا سياسيا ودعوة إلى التحرك السياسي، واليوم أعتقد أن الفن قد انتهى من القيام بهذه اللعبة. اليوم نلاحظ أن إيصال الأخبار وهيمنة التلفزيون على الأحداث العالمية، هما ما يصنع النشاط السياسي، ففي هذه النقطة تم تجاوز الفن بصورة رهيبة والفنانون لم يعودوا عمليا أولئك الكبار كما كانوا في الماضي، وعليهم ألا يتصورا أبدا إنهم كذلك. فالواقع يسير على الدوام بسرعة تفوق سرعة الفنان ورؤاه السياسية.