السعداوي مثل “بروميثيوس” الذي سرق النار وأهداها لبني البشر

“التجريـبيون” يعيدون للمسـرح شعبيتـه واتصاله بالنـاس

| البلاد - أسامة الماجد

هناك شبه إجماع على ان المسرح اليوم لم يعد كما هو، ويحتاج الى عملية إنعاش ونظرة جدية فيما يقدم، فلم يعد ملتصقا بالجمهور ويثير حماسته، وشخصيا أجد بصيصا من الأمل في العروض التجريبية التي تمتد إلى المتفرج والمجتمع بطريقة جميلة – رغم أنها مكروهة عند البعض “الذي ينظر الى العروض التجريبية على أنها شطحات مجانين ليس لها ملامح ولا سمات”. وهذا النوع من الجمهور لا يعرف قيمة العرض المسرحي من الأساس، ويحضر لإبعاد الملل الذي يعيشه دون الاستفادة من الخلفية الفكرية للنص المسرحي وشروطه ومتطلباته. يميل إلى المسرح التقليدي بامتيازاته المجانية وشعاراته اللفظية.

أنصار المسرح التجريبي في البحرين، وهم معروفون، مقتنعون بأن صيغ المسرح التقليدية باتت مضجرة وشديدة الحرفية والاعتماد على التقنيات، وأنها بدأت تفقد المسرح طابعه الاحتفالي الأصيل، ومن هنا انطلقت النظريات المختلفة في مجال المسرح التجريبي، والوسيلة هي زيادة اقتراب الممثل من المتفرج، وليس عن طريق تداخل الصالة والمنصة في أبنية المسرح التقليدية التي أصبحت طريقة متكررة ممجوجة قد تطيح بأبعاد المسرح نفسه الذي يعتمد في فن التمثيل على الأقل على الإيهام باستثناء تجربة بريخت، بل تقديم عروض تجريبية حية تعيد للمسرح شعبيته واتصاله بالناس، تمزج بين الفكر والعاطفة، وتسهل له عملية انتقاله إليهم. وليس هذا ترفا فنيا بقدر ما هو هم وواجب وإبداع. فتقديم أعمال كلاسيكية بشكل مسرح الحلبة او مسرح يدور حول الجمهور ليس تسلية شكلية، وانما هو بحث عن مزيد من التفاعل والتأثير لنقل شحنة المضمون الذي يركز عليه تفسير المخرج للنص، وهذا هو المسرح الحقيقي.

لابد من إعادة الحياة إلى المسرح عن طريق الاستعانة بفنون شعبية، من العاب وايماء وأقنعة، من الانتقال بالمسرح الى الشارع، وإلى الساحات العامة والطرقات، وهذا النوع من المسرح ليس صرعة فنية فقط، بل هو هدف عام، وهذا ما فعله “جروتوفسكي، وبيتر بروك، ومالينا وبريخت، وما يرهولد” وغيرهم من الكبار الذين أرادوا أن يعود المسرح إلى تاريخه القديم وتأثيره في الجمهور كما ينبغي، وهذا ما يفعله عندنا أنصار التجريب، ولعلي أود الإشارة إلى مسرحية “السيد والعبد” للفنان والمخرج خالد الرويعي التي شارك بها مؤخرا في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، فقد كانت تجربة فريدة في مجال المسرح التجريبي، كما قدم لنا أيضا الناقد يوسف الحمدان تراثا غنيا من النصوص التجريبية، اما عبدالله السعداوي فهو مثل البطل اليوناني بروميثيوس الذي سرق النار وأهداها لبني البشر متحديا كبير آلهة الأولمب.

لقد تنبا بيسكاتور بانهيار المسرح التقليدي، وأحدث بأعماله ارتباكا تاما، فبينما حولت خشبة المسرح إلى غرفة آلية، أصبحت القاعة مركز اجتماعات، إذ رأى بيسكاتور في المسرح برلمانا، وفي الجمهور هيئة تشريعية، فقدم إلى هذا البرلمان بشكل مرن، أسئلة جماهيرية ذات أهمية عظيمة. فبدلا من النائب الذي يتكلم عن بعض الأحوال الاجتماعية، عرضت نسخة فنية لهذه الأحوال، كان طموح خشبة المسرح يبدو في تقديم صور، إحصائيات، شعارات تساعد برلمانها، الجمهور، على الوصول إلى قرارات. لم يكن مسرح بيسكاتور فاترا حيال الهتاف والتصفيق، إلا نه كان يفضل المناقشة، لم يرغب في أن يمد المتفرج بتجربة فحسب، بل أن يستخلص منه قرارا فعليا في المداخلة العملية للحياة. كانت كل وسيلة مبررة إن استطاعت تحقيق ذلك.

خاتمة القول... لقد وجد المسرح نفسه من جديد مع التجريب.