ميسلون للثقافة تحتفي بالمفكر الدمشقي الراحل صادق جلال العظم

اختارت هيئة تحرير مجلة (رواق ميسلون)، في عددها الأخير المزدوج الصادر قبل أيّام، المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم ليكون شخصية العدد، والذي كان قد رحل في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2016)، وهو مفكر سوري كان أستاذًا فخريًا بجامعة دمشق في الفلسفة الأوروبية الحديثة، وأستاذًا زائرًا في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون. ويُعتبر العظم من أبرز المفكرين العرب في العصر الحديث، واشتهر بأفكاره الجدلية حول العلمانية ونقد الأفكار الدينية، تاركاً خلفه إرثاً ثقافياً غنياً ومدرسة فكرية مُتفرّدة.

وحول المفكر الكبير، كتب الباحث السوري حسام الدين درويش دراسة بعنوان “صادق جلال العظم: من العلمانية الصلبة إلى العلمانية اللينة“، وكتب الباحث هيثم توفيق العطواني مقالة بعنوان “النقد بوصفه منهجًا في فلسفة العظم“، فيما ترجمت هويدا الشوفي فصلًا من أحد كتب صادق جلال العظم باللغة الإنكليزية، بعنوان “المجتمع المدني والربيع العربي“.

تصدر مجلة (رواق ميسلون) بشكل دوري عن مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، التي تتخذ من باريس وإسطنبول مقرّين لها، وتهدف من خلال إصداراتها إلى الإسهام في التنمية الثقافية والتفكير النقدي والاعتناء الجاد بالبحث العلمي والابتكار، وإلى تبادل الثقافة والمعرفة والخبرات. وتسعى لإقامة شراكات وعلاقات تعاون وثيقة مع المؤسسات والمعاهد والمراكز الثقافية والعلمية، العربية والأوروبية.

وخلص درويش في دراسته التي نشرتها المجلة، إلى أنّه، وعلى غرار التحوُّل الذي حصل في العلوم الاجتماعية حيال أطروحات نظريات العلمنة التقليدية، حصل تحولٌ مشابهٌ في رؤية العظم العلمانية، عبر مسيرته الفكرية الطويلة، حيث انتقل من رؤيةٍ علمانيةٍ صلبةٍ، ترى الدين عائقًا وعدوًا للحداثة والتقدم، ينبغي إقصاؤه من المجال العام وتحرير الدولة والمجتمع والأفراد منه، إلى رؤيةٍ علمانيةٍ لينةٍ ترى إمكانية انسجام الدين مع قيم الحداثة من ديمقراطية وعلمانية ومنظومة حقوق إنسانٍ، بدون نفي إمكانية أن يتخذ الدين صيغًا سلبيةً ينبغي انتقادها نظريًّا، والتخلص منها عمليًّا.

وبذلك يكون العظم من المفكرين العرب الأوائل والبارزين الذين تضمن فكرهم تحولًا متناغمًا مع التحول في الذي حصل في تناول نظريات العلمنة. وقد مارس العظم هذا التحول او أنجزه بدون أن يعلن عنه، أي بدون أن يصرح بأن مواقفه قد تغيرت في هذا الخصوص، أو أنه قد قام بمراجعةٍ نقديةٍ لمواقفه ونصوصه السابقة، أو أنه تأثر بالتحولات الحاصلة في العلوم الاجتماعية حيال نظريات العلمنة التقليدية. وإضافةً إلى إمكانية تأثر رؤية العظم للعلمانية بالتحولات المعرفية التي حصلت في العلوم الاجتماعية حيال نظريات العلمنة التقليدية، ثمة عوامل أخرى، أسهمت في حصول ذلك التحول. ويمكن الإشارة إلى أن مرونة علمانية العظم ازدادت طردًا مع ازدياد اهتمامه بالديمقراطية (الليبرالية) وإدراكه لأولويتها، بعدما كان يعطي، في السابق، الأولوية لمشاريع التحرر والتحول الاشتراكي.

من جهته رأى العطواني في مقالته المنشورة في (رواق ميسلون)، أنّ الثقافة لدى العظم تبلورت بوصفها ممارسةً نقديّة، إذ تجسّدت نزعته النقديّة في فلسفته عبر نقده لذاته أوّلًا، والمنظومات المتكلّسة كلّها، الفكريّة والدينيّة والإيديولوجيّة، المعيقة للحريّة والتّقدُّم والعدالة، ولم يهادن السلطات ولم يستكِنْ للمألوف والسائد، وبهذا كلّه شكّل علامةً فارقةً في الثقافة العربيّة بوصفه أحد أهمّ فلاسفة الفكر النّقديّ الحديث، إلى جانب مفكّرين آخرين مثل: إلياس مرقص وجورج طرابيشي وياسين الحافظ وغيرهم…..

كما كان متواضعًا ومنصفًا وموضوعيًّا في تقويمه لتجربته الغنيّة وتجارب الآخرين، عندما نظر إلى ما أنتجه على أنّه جزءٌ من تيّار يعود إلى عصر النّهضة، وبدايات النقد الأدبيّ والفكريّ والاجتماعيّ الّذي تبلور آنذاك، وأشار إلى أنّ هناك سلسلة طويلة من الدراسات الشبيهة بـ”نقد الفكر الدينيّ” وغيره من أعماله، أثارت زوابع وسجالات وردود أفعال متباينة، منذ قاسم أمين وعلي عبد الرزاق وصولًا إلى فرج فودة ونصر حامد أبوزيد ونجيب محفوظ وغيرهم.