وجودي على قيد الحياة أهم من شكل الجسد

المتعافية من سرطان الثدي عفاف البلوشي: الحالة النفسية المرنة والتفكير الإيجابي من أقوى العلاجات

| إعداد: حسن فضل

عفاف البلوشي، إحدى المتعافيات من سرطان الثدي، محاربة لا يوجد في قاموسها معنى لليأس والانكفاء، هزمت سرطان الثدي بسلاحي الحالة النفسية المرنة والتفكير الإيجابي، الذين تعتبرهما من أقوى العلاجات، فدهست مشاعر الخوف والقلق، ومضت في طريقها تلاحق بقع الضوء المتناثرة في زحمة الظلام، ولم توقفها سياط المرض التي لا ترحم وبشاعة آلامه ولا ظروف العلاج الكيماوي القاتلة التي تصفها بأنها كانت من أقسى أنواع التجارب؛ ولكن تجاوزتها بنجاح؛ حتى تعافت وعادت إلى الحياة بنظرة جديدة للحياة، فنظرتها للحياة تغيرت كثيرا وبشكل إيجابي أكثر، فلا تهتم لصغائر الأمور، وأصبحت أقوى من السابق، وفي رصيدها مخزون هائل من الصبر والثقة بالذات، يجعلها تستصغر كل الصعاب والعقبات.

ها هي عفاف تقف اليوم بكل فخر معتزة بإنجازها الذي تحقق، فقد هزمت أعتى أمراض العصر وأشرسها، وتخاطب محاربي سرطان الثدي في رسالة تطمينية معبأة بروح التفاؤل فتقول: لا تيأسوا من رحمة الله، فالله قد وضعنا في هذه المحنة ليختبر مدى صبرنا على البلاء، ويمنحنا فرصة لإبراز قوتنا ومدى إيماننا به، فلا تيأسوا، فأنتم أبطال ومحاربون، وسوف تنتصرون بإذن الله، فالطب تطور كثيرا، وتوجد حاليا علاجات كثيرة وسبل عديدة للشفاء من هذا المرض.

عفاف كانت قبل الإصابة تحب الرياضة، ولديها شهادة في إحدى الرياضات وتدرب في أحد النوادي، وبعد التعافي عادت لنشاطها الرياضي وأكملت مسيرة التدريب، وتمارس هواياتها في التصوير، وهي عضو في جمعية التجديف. وتستمتع في كل لحظات من حياتها، تاركة تجربتها مع السرطان وراءها، وكأنها لم تكن يوما مصابة به، وهاجس عودته لا يخيفها، وإن عاد ستهزمه مجددا.

وعما تركه المرض من أثر، ألمحت إلى أن سرطان الثدي أخذ منها أحد أعضاء جسدها، ولكن لا يهمها ذلك، فوجودها على قيد الحياة بفضل الله تعالى أولا، وبفضل العلاجات، أهم من شكل الجسد.

كتلة غريبة تقود للتشخيص وعن بدايات التشخيص أشارت إلى أنه في البداية لاحظت ظهور كتلة غريبة يابسة مع حرارة، وبعد اكتشافها للكتلة قامت بالبحث في صفحات الإنترنت، وقارنت ما هو مكتوب وما لديها، فوجدت تطابقا مع سرطان الثدي، فقبل ذهابها إلى المستشفى كان لديها تصور لما يمكن أن يقال من الأطباء. وتضيف أنها ذهبت مباشرة إلى عيادة خاصة؛ لأنه كان يصادف حينها يوم الجمعة، فعملوا أشعة فوق صوتية، وحين ظهرت النتيجة لم يخبروها بالتفاصيل، ولكن طلبوا منها ضرورة عمل خزعة للتأكد وتحديد السبب. أخذت التقرير وذهبت إلى قسم الطوارئ بمجمع السلمانية الطبي، لم تفهم التقرير بسبب المصطلحات الطبية فيه، وحين اطلع الطبيب عليه قال لها مباشرة إن هناك احتمالا كبيرا لوجود سرطان، وحولوها لموعد مع طبيبة مختصة بأمراض الثدي. وعن هذا الحدث الصادم، تشير إلى أنها بالرغم من توفعها هذا الشيء، لكنها كانت تتمنى من الطبيب أن يطمئنها ويعطي رأيا آخر، ولكنه قال تلك العبارات بأسلوب لا يجب أن يقال، فماذا لو كان الشخص غير متوقع أنه مصاب بهذا المرض، فمن المؤكد أنه سينهار؛ لذا فإن إيصال الخبر للمريض يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طريقة إعلامه.

انتظرت موعدها حتى حان، فذهبت تحمل معها كل بأسٍ وإرادة منقطعة النظير لمواجهة الحقيقة المتوقعة. وكانت الطبيبة المختصة هي د. نوف الشيباني، التي تصفها بأنها طبيبة تحمل كل معاني الرقي والاحترام وتهيئ المريض، فكانت تقول لها إنه يحتمل أن يكون الورم حميدا وسهل العلاج، ولن تحتاج إلى علاج كيماوي، وكل هذا يعتمد على الفحص، وحين أشارت الطبيبة لاحتمال أن تكون الكتلة ذات خلايا سرطانية، كانت تقول ذلك وهي تعطي انطباعا أنها متأكدة من أنه سوف يتم علاجها، فحديثها الجميل الأنيس لم يحو أي رد فعل سلبي، ما منح عفاف كميات هائلة من الاطمئنان. وبعد سلسلة من الفحوصات شملت الماموغرام والأشعة فوق الصوتية وبعدها الخزعة، تم تأكيد إصابتها بسرطان الثدي، وكان هذا في فترة جائحة كورونا في شهر أغسطس ٢٠٢٠، إذ كانت في المرحلة الثانية، إذ وصل إلى الإبط، فكانت بعض الغدد مصابة به أيضا.

شعور التسليم لله تقول عفاف: أول ما تبادر في ذهني أن الله يحبني، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه، لذا سلمت أمري إلى الله، وقلت إن ربي رحيم بعباده، وغير ذلك فالعلم قد تطور كثيرا، وهناك علاج لهذا المرض، فقد شاهدت الكثير من الناس شفوا منه ولله الحمد. وكلمات الدكتورة نوف كانت مثل البلسم والمهدئ لاضطراب الداخل، كانت تقويني وتقول دائما “نصف العلاج عليك والباقي علينا”.

أما الأهل فقد أصابهم الخبر بالذعر، ولم تستطع أعينهم إخفاء ذلك الخوف مع حالات من البكاء؛ فكانوا يخشون أن يفقدونني ولكن كنت أطمئنهم، وأهدئ من روعهم، وأؤكد لهم أنني سأهزم هذا المرض بإذن الله.   البرنامج العلاجي وعن العلاج وحيثياته، لفتت إلى أنه تم وضع برنامج علاجي لها بدأ من العملية واستئصال الخلايا السرطانية، وبعد ذلك أخذ جرعات الكيماوي، ثم العلاج الإشعاعي، وأخذ جرعات العلاج الهرموني، الذي كان عبارة عن أقراص لمدة 5 إلى 10 سنوات، وإبرة كل 3 أشهر للوقاية من رجوع المرض.

ولفتت إلى أنها تلقت علاجها في مستشفى الملك حمد، وكانت حينها فترة جائحة كورونا، وأثناء فترة العلاج الكيماوي، أصيبت بالكورونا، وتعطل علاجها مدة شهر واحد فقط، وأكملت باقي العلاجات، ولكن بعد أن أكملت علاجاتها تم عمل أشعة فوق صوتية وتم اكتشاف جلطه بالرئة، وكانت على الأرجح بسبب الكورونا، ولله الحمد تم علاجها. وتختتم حديثها عن تجربتها في العلاج فتقول إن تجربة العلاج الكيماوي كانت من أقسى أنواع التجارب، ولكن تجاوزتها بنجاح.

نظرات القلق والشفقة تلاحقها عفاف كانت امرأة قوية صابرة محتسبة أمرها إلى الله، فلم تنل سياط المرض منها أو تبعثر هدوءها، كانت تتحدى المرض وتروض جبروته وآلامه، ولكن في المقابل كانت نظرات الشفقة تلاحقها وشعور القلق والعطف من محبيها وأهلها يطوقها، فكانت بمجرد أن تنطق باسم المرض ينهارون بالبكاء ويتأثرون، ولكنها كانت ترفض كل هذا وتخبرهم بأنها لا تطلب هذا، بل تريد منهم أن يثقوا بأن الله معها، وأنها ستحارب هذا المرض وتنتصر عليه.

شعور الضعف أمام جبروت السرطان وأضافت أنها شعرت بالضعف حينما كان يتسرب الألم المتوحش إلى كل جسدها الضعيف، ألمٌ لا تستطيع أن تعبر عن مداه وبشاعة سياطه التي لا ترحم، ولكن كانت دائما تحاول أن تنسى أنها مصابة بذلك المرض، وتشعر ذاتها بأنها بكامل صحتها ولا تعاني من أي مشكلة، ولم يكن هذا هروبا من المشكلة، بل كان عنوانا للتحدي، وكمية هائلة من العنفوان في وجه جبروت هذا المرض، فالحالة النفسية المرنة والتفكير الإيجابي من أقوى العلاجات.

حياة بعد التعافي بنظرة جديدة وعن حياة ما بعد التعافي، لفتت إلى أنها أصبحت أقوى من السابق، وكل المشكلات والصعاب أصبحت تهون، وبسيطة مقارنة مع تجربة المرض، فتستطيع مواجهة أي تحد ومعضلة مهما بلغت من قسوة وصعوبة، وازدادت ثقتها في ذاتها، لترى الدنيا بنظرة أخرى، فنظرتها للحياة تغيرت كثيرا وبشكل إيجابي أكثر، فلا تهتم لصغائر الأمور؛ لأن الصحة النفسية هي مرآة للصحة الجسدية، وأدركت قيمة عبارة “الصحة تاج على رؤوس الأصحاء”.

وأضافت أنها عادت إلى نشاطها الرياضي، حيث طورت من مهاراتها الرياضية، وأكملت مسيرتها في التدريب في أحد النوادي الرياضية، وتحث العضوات على الاهتمام بصحتهن وجعل الرياضة أسلوب حياة؛ لأنها تساهم في الحفاظ على الصحة الجسمية والنفسية. وقد ازداد اهتمامها ووعيها بأهمية الوجبات الصحية، والحياة أصبحت أجمل، فتستمتع بكل لحظة، وتشكر الله على منحها يوما جديدا تعيشه.

هاجس عودته لا يرعبني وتؤكد أنها لا تخشى عودة المرض مجددا، ولا تعيش في قبضة القلق والتوتر الدائم، فهاجس المرض وعودته لم يعد مفزعا ومربكا لمسيرة حياتها، فلا تفكر فيه لكي لا تتأثر، بل أحيانا تنساه وكأنه لم يكن ولم تصب به، فهي دائما تتسلح بالتفاؤل والتفكير الإيجابي دائما.

رسالة لمرضى السرطان والمجتمع ووجهت رسالة إلى مرضى السرطان بالقول: لا تيأسوا من رحمة الله، فالله قد وضعنا في هذه المحنة ليختبر مدى صبرنا على البلاء ويمنحنا فرصة لإبراز قوتنا ومدى إيماننا به، فلا تيأسوا، فأنتم أبطال ومحاربون، وسوف تنتصرون بإذن الله، فالطب تطور كثيرا، وتوجد حاليا علاجات كثيرة وسبل عديدة للشفاء من هذا المرض. وشددت في رسالة للمجتمع على ضرورة الفحص الدوري، فكلما اكتشف المرض مبكرا كلما زادت نسبة الشفاء.