السلع والعملات تسيطر في الاسواق

سجلت السيولة في الأسواق المالية العالمية، وخاصة سوق تداول السلع (مثل تداول الذهب والنفط) والعملات، ارتفاعات كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، خاصة مع بداية العقد الثالث من الالفية الجديدة التي تزامنت مع حدوث جائحة كبرى تسببت في اغلاق اقتصادي في أغلب البلدان حول العالم، مما دفع البنوك المركزية لضخ أموال هائلة في الأسواق ضمن خطط تحفيز اقتصادي بهدف عدم السقوط في دوامة ركود، في وقت تحول الكثير من الافراد للعمل في المنزل، او حتى الجلوس دون عمل، الامر الذي جذب الكثيرين للأسواق المالية التي امتصت جزء ليس بالقليل من حجم السيولة المالية التي حفزت البنوك المركزية بها الأسواق. بينما لا يجب أن نغفل بعض العوامل الأخرى التي دفعت الكثيرين للتعرف على الأسواق المالية بشكل او اخر.

في الوقت الحالي يعتبر سوق الصرف الأجنبي (FOREX) أحد أكثر الأسواق سيولة في العالم، مع تسجيل حجم التداول في أسواق الصرف الأجنبي خارج البورصة (OTC) إلى 7.5 تريليون دولار أمريكي يوميًا في أبريل 2022، مقارنة بنحو 6.6 تريليون دولار في أبريل 2019، وذلك وفقًا لمسح البنك المركزي الذي يجري كل ثلاث سنوات لبنك التسويات الدولية (BIS). ويهيمن على سوق العملات الأجنبية عدد قليل من العملات الرئيسية والتي تمثل أكثر من 80% من حجم تداول العملات، على رأسها الدولار الأمريكي، كذلك العملة الأوروبية الموحدة اليورو، ثم الين الياباني، واخيرًا الجنيه البريطاني.

سوق آخر مهم للسيولة هو سوق السلع، حيث يتم تداول المعادن الثمينة مثل الذهب والمواد الخام والمنتجات الأولية. بلغ متوسط حجم التداول اليومي للذهب في سوق الفوركس 145 مليار دولار في أبريل 2019، وذلك طبقاً لنفس الإحصائية الصادرة من بنك التسويات الدولية، علماً أن تلك بيانات تتضمن عمليات تداول الذهب خارج البورصة (OTC) فقط دون تداولات الذهب في البورصات التجارية. يتكون سوق السلع من العديد من الأسواق الفرعية، مثل سوق الطاقة، وسوق المعادن، والسوق الزراعي، وسوق الماشية. يرتبط سوق السلع أيضًا بسوق العملات الأجنبية، حيث يتم تسعير معظم السلع وتداولها بالدولار الأمريكي، وتؤثر تقلبات أسعار الصرف على القدرة التنافسية والربحية لمنتجي ومستهلكي السلع الأساسية.

هيمنة تداول الذهب على سوق السلع

مع توسع الحلول التكنولوجية امتلكت العديد من المؤسسات الكثير من الأدوات التي مكنتها من الدخول في الأسواق المالية، وتأسيس عدد كبير من شركات الوساطة والتي ينحصر دورها في نقل الأوامر من متداولي التجزئة إلى السوق، تتنوع الأصول المالية التي توفرها تلك الشركات ما بين تداولات العملات والأسهم والمؤشرات كما ظهر مؤخرًا تداولات العملات المشفرة. إلا انه طبقاً لأحدث الإحصاءات ظل تداول الذهب هو المهيمن على متداولي التجزئة فيما يخص تداول السلع.

تصدر الذهب في أغلب الاستطلاعات كأحد أهم الأصول التي يتم التداول عليها. بالتبعية تتصدر بعض الجمل مثل توقعات الذهب الأسبوع القادم أو توقعات الذهب اليوم في مواقع البحث خاصة اذا قصرنا الامر على أهم ما يبحث عنه متداولي التجزئة. كذلك تتسابق المؤسسات المالية ودور الأبحاث في اصدار توقعاتها المستقبلية بخصوص سعر الذهب، مع توسع سوق متداولي الذهب ما بين يمكن متداولي المشتقات مثل العقود الآجلة أو عقود الفروقات (CFDs) لتداول الذهب دون امتلاك الأصل المادي.

في الحقيقة الأمر ليس غريب عند الحديث عن أهمية الذهب والملقب بالمعدن الثمين في احتلاله لتلك الأهمية ليس من بين المتداولين فقط، بل لدى عامة الناس، فهو أقدم وأهم وسيلة تحوط عرفتها البشرية، يمكن مقارنة الأوقات التي تتوسع في فيها المخاوف بسبب الحروب، او حتى الاضطرابات والاوبئة وبين سعر الذهب من خلال الرسم البياني. على سبيل المثال نجد أن أعلى مستويات الذهب على الاطلاق تم تسجيلها عند مستويات 2060 دولار للأونصة، وتم الوصول لتلك المستويات ثلاث مرات منذ 2020 أولها في ذروة جائحة كوفيد-19 خلال عام 2020، وثاني مرة عند الغزو الروسي لأوكرانيا خلال فبراير 2022، بينما وصل السعر لأعلى مستوياته خلال شهر مايو من عام 2023 بسبب مخاوف دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بسبب سياسة التشديد النقدي التي اتبعتها البنوك المركزية على مدار حوالي عام ونصف العام بداية من مارس 2022.

اما في عالم التداول فيمتلك الذهب سيولة عالية وزخم كبير في الحركة يمثل عامل جذب بالنسبة لأغلب متداولي التجزئة، ترجع تلك الحركة الكبيرة مع تقلبات العرض والطلب، مع تنوع العوامل التي تحرك سعر الذهب، مثل السياسة النقدية للبنوك المركزية حول العالم، وابرزها البنك الاحتياطي الفيدرالي، كذلك حجم المخزونات من الذهب، والسياسات التجارية العالمية.

في النهاية، بينما تتبني المؤسسات المالية الدولية أدوات معقدة والكثير من الأدوات لمعرفة الاتجاهات المستقبلية للذهب، يعتمد المضاربون ومتداولي التجزئة على أدوات ابسط لمعرفة الاتجاه على مدى زمني أقل بقصير مثل توقعات الذهب الأسبوع القادم من خلال استخدام أدوات واستراتيجيات قائمة التحليل الفني وأنماط الرسم البياني والمؤشرات ومؤشرات التذبذب.