غربة وتنافر بين الجمهور والفرق المسرحية الأهلية

الناقد القصاب: هناك مغريات شديدة الضراوة أبعدت الناس عن المسرح

| أسامة الماجد

أكد الناقد الدكتور عباس القصاب أن الإشكالية الكبرى التي تتمركز في المسافة الجدلية بين المسرح والجمهور، مسافة متذبذبة ضبابية إلى حد كبير، تصل إلى مستوى التنافر بين الطرفين، وبالذات فيما يتعلق بالفرق المسرحية الأهلية، فالجمهور مبتعد كثيرا عن مسرح الفرق الأهلية، فهناك غربة المسرح الداخلية التي يسميها الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله، وذلك لأمور عدة استعرضها المرحوم الفنان البحريني الكبير الأستاذ إبراهيم بحر في دراسة أكاديمية للحصول على الماجستير بعنوان جدلية العلاقة بين تدهور الواقع المسرحي، وعزوف الجمهور عن حضور عروض الفرق المسرحية الأهلية بمملكة البحرين: دراسة ميدانية العام 2013، حيث مرت عشر سنوات على إنجازها والأسباب في رأيي مازالت قائمة، بل وازدادت تعقيدا بدخولها في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الرقمية الحديثة المبهرة ما لم يكن متوافر يومئذ.

جاء ذلك في الورقة التي قدمها في الندوة الفكرية المصاحبة لمهرجان البحرين المسرحي الثاني وكانت بعنوان "المسرحيون والدعم الرسمي والمجتمعي"، والتي استعرض فيها جملة من المواضيع اخترنا منها محور علاقة الجمهور بالمسرح.

وأضاف القصاب " أن أهم ما يمكن أن تنتبه إليه إدارات الفرق المسرحية الأهلية في دراسة بحر مجموعة من الأمور المهمة التي ينبغي بحثها ووضع الحلول الناجعة لتجاوزها، مثل: ضعف ميزانية الإنتاج، وضعف النصوص، وضعف الدعاية والإعلان، وعدم دعم الفرق الفنية من قبل الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى القالب الدرامي المطلوب، ولهجة العرض وفكرته وموضوعه ونوعه، وغير ذلك من الأسباب التقليدية التي قتلت عرضا ونقاشا منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة.

هنالك أسباب أشد ضراوة مما ذكر تتمثل في الحالة الثقافية السائدة لدى الجمهور نفسه، وتغير ذائقته الجمالية والفنية، وتبدل توجهاته الفكرية، فنحن نعيش ما بعد الحداثة، وهذا له أثره في البنى الثقافية والفكرية والفنية والأدبية، فهناك من المغريات الكثير غير المسرح، فربما يذهب إلى مشاهدة فيلم سينمائي بتقنيات إلكترونية ورقمية عالية جدا، وخيارات أو عناوين مختلفة مطروحة له بوسائل إعلامية متنوعة، وبتصاميم مغرية، مقابل 3 دنانير في قاعات مكيفة ومعدة بأفضل التقنيات الحديثة، ومتوافرة في المجمعات التجارية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة مع توفير عروض ترويجية مختلفة، ولذلك الحاجة ماسة إلى دراسة سيكولوجية التلقي لتشخيص هذا المشكل وتحديده ووضع العلاجات الناجعة.

ولفت القصاب أن لدى الجمهور هاجس في رؤيته لعروض المسارح الأهلية التي يعتبرها خاصة بالمثقفين وبعيدة عن فهمه وإدراكه، خصوصا إذا كان العمل تجريبيا.

ويرد غلوم بتراجع المسرح إلى دخول التجريب من غير دراية، ومن ثم انعكس ذلك كشرخ في البنية الثقافية المسرحية، ولا ننسى أيضا أن شاشات التلفزيونية الكبيرة دخلت المنازل وبأسعار في متناول الكثير من المواطنين، وذات تقنية ومواصفات عالية المستوى من حيث دقة الوضوح والتضخيم الصوتي ما يغري المشاهد على البقاء في منزله ومشاهدة ما يريد من دون عناء، وربما باشتراكات تلفزيونية ليست بذات بال.

وخطر آخر يتمثل في القادم بقوة في مجال الفن والدراما وهو الذكاء الاصطناعي الذي غزا مختلف المجالات، ومنه المسرح الرقمي، وبات في الدراما يهدد وجود الممثل والمخرج والمنتج ولن نتحدث عن السينوغرافيا والإكسسوارات فهذه من الأمور البديهية اليوم في هذا المجال التي يستطيع أصغر المصممين في إنتاجها بيسر وسهولة ومن دون صرف فلس واحد، ولذلك يقول هنريك أبسن "في وقتنا الحاضر يقوم كل عمل خلّاق بوظيفة تعديل المصائر".

أمام هذه التحديات الكبيرة التي أبعدت الجمهور عن المسرح وجعلته نخبويا بالنسبة للفرق المسرحية الأهلية، وجماهيريا في المسرح التجاري (الخاص) الذي يلاحق الأعمال الكوميدية التي ربطت مفهوم المسرح عند الكثيرين بالضحك والتسلية والترفيه، فكيف ستتعامل إدارات الفرق المسرحية معها، فهل تتنازل عن رسالتها الفنية من أجل الجمهور (الجمهور عاوز كده)، أم انهم يبقون منعزلين في مسرحهم الجاد البعيد عن الناس؟

هنا لابد أن تركز الاستراتيجية الإدارية المسرحية على الموازنة الدقيقة والحصيفة بين الرسالة الثقافية والفنية والمتطلبات المالية والمادية والبنى التحتية اللوجستية والإنسانية للمسرح من جهة، واحتياجات الجمهور ورغباتهم من جهة أخرى.، فالجمهور كما يقول عنه بريخت "إن الجماعة لا يمكن أن تنتج إلا أعمالا تحول الجمهور نفسه أيضا إلى مجموعة، وهذا بطبيعة الحال لا يعني التنازل عن رسالة المسرح الواعي، ولكن فليكن هناك عصف ذهني في مناقشة الرؤى الوازنة، وهنا يبرز دور الدعاية والإعلام والترويج".

واختتم القصاب هذا المحور بالقول "ويمكن في هذا الجانب أن نسأل أين مسرح الطفل؟ فهناك ضمور في التعاطي معه إلا فرقة مسرح البيادر، وطبعا هناك الكثير من المعوقات الموضوعية لا شك، ولكن من المؤكد أن الأطفال الذي ينشأون على حضور المسرح؛ ليكون جزءا من تكوينهم الثقافي والفني والأدبي، حتما سينشأ جيلا منغمسا في المسرح ومحبا له، ما سيدفع كل الحركة المسرحية إلى الأمام وبأقدام راسخة".