كيف يضرب تفاقم أزمة المناخ معدلات النمو الاقتصادي؟

| سكاي نيوز عربية

يهدد شبح الجفاف الذي يخيم على عديد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، النمو الاقتصادي، لما له من تداعيات خطيرة على قطاعات مختلفة، على رأسها القطاع الزراعي، ومع الاعتماد الكبير في بعض تلك الدول على عائدات هذه القطاعات، سواء لتأمين الأمن الغذائي على الجبهة الداخلية، وكذلك من أجل زيادة العوائد التصديرية.

وتأثير الجفاف على الاقتصادات في هذه البلدان يمكن أن يكون كبيرًا ومتعدد الأوجه، وثمة بعض من التأثيرات المحتملة على معدلات النمو الاقتصادي بشكل عام:

تأثير على الزراعة: يؤثر الجفاج على إنتاج المحاصيل الزراعية، وقد تنخفض كميات الإنتاج، مما يؤثر سلبًا على القطاع الزراعي، الذي يعتمد عليه عديد من الدول العربية والأفريقية لتوفير فرص العمل والأمن الغذائي. تأثير على الثروة الحيوانية (نقص الموارد الطبيعية): يؤدي الجفاف أيضًا إلى نقص المياه والمراعي، ما يؤثر على رعي الحيوانات، هذا يؤدي إلى تدهور حالة الثروة الحيوانية وقطاع الرعي، وبما يؤثر على الإمدادات الغذائية والاقتصاد المحلي. تأثير على الطاقة (نقص في إنتاج الطاقة الكهربائية): إذا كانت البلدان تعتمد بشكل كبير على مصادر المياه لتوليد الطاقة الكهربائية، فإن الجفاف قد يؤثر على إمكانية توليد الكهرباء، ما يؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي، وبما يعيق الأنشطة الاقتصادية. انخفاض جودة المياه: الجفاف يمكن أن يؤدي إلى نقص المياه وتدهور جودتها، مما يزيد من انتشار الأمراض المتعلقة بالمياه، هذا يضعف الصحة العامة ويتسبب في تكاليف إضافية للرعاية الصحية.

تأثير على الهجرة والفقر: قد يؤدي الجفاف إلى زيادة معدلات الهجرة الداخلية، حيث يترك الناس المناطق المتأثرة بحثًا عن فرص عيش أفضل، هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغط على المدن ويسهم في تفاقم مشكلة البطالة والفقر.

تأثير على الاستثمار: الظروف الجافة قد تقلل من جاذبية البلدان كوجهة للاستثمار، خاصة إذا كانت الاقتصادات معتمدة بشكل كبير على الزراعة.. تقليل الإنتاج والإيرادات يمكن أن يؤدي إلى تراجع في مستويات الاستثمار.

ويشار إلى أن هذه التأثيرات قد تختلف باختلاف السياقات المحلية والإجراءات التي تتخذها الحكومات للتصدي لتحديات الجفاف.

من جانبه، أوضح الخبير في الشأن المناخي، حمدي حشاد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:

أزمة الجفاف متكررة منذ سنوات في كلٍ من تونس والجزائر والمغرب، فتلك الدول تحت وطأة سبع سنوات عجاف متتالية باستثناء عام مُمطر في 2018.

هذه الحالة ترتبط أكثر بالعوامل المناخية واختلال منظومة تساقط الأمطار، وهي ليست ظاهرة مُستجدة لكنها متكررة وحاضرة أكثر مُستقبلاً.

تداعيات الجفاف السلبية لن تقتصر على القطاع الفلاحي واستقرار الموارد المائية، وكذلك في مرحلة لاحقة من ارتفاع درجة الحرارة سيكون الطلب على الطاقة كبير جداً، وهناك بعض الدول مثل تونس والمغرب تواجه عقبات اقتصادية واجتماعية.

وذكر أن تراجع المستويات المائية له تأثير مباشر على القطاع الفلاحي والأمن الغذائي والسيادة الغذائية لتلك الدول، ما يجعلها تلجأ للبحث عن مصادر بديلة، لكن في ظل الأجواء الجيوسياسية المتوترة على مستوى العالم سيكون من الصعب إيجاد تلك المصادر.

وأوضح حشاد أن معظم الدول الأفريقية وحتى العربية تعتمد على القطاع الزراعي كقاطرة لدفع الاقتصاد والدفع بعجلة التنمية، وبالتالي أي اختلال في النموذج الاقتصادي الفلاحي سيكون له تبعات اقتصادية واجتماعية وخيمة، وبالتالي سيكون الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول متذبذبًا.

الأمم المتحدة حذرت من أن إنتاج المحاصيل في الشرق الأوسط قد ينخفض بنسبة 30 بالمئة بحلول العام 2025. وفقاً لتقديرات البنك الدولي، فإنه من المتوقع أن تخسر المنطقة ما بين 6% إلى 14% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب ندرة المياه.

وحذر الخبير في الشأن المناخي من أن تتسبب موجات الجفاف المتكررة وأزمات المياه وعدم استقرار الإنتاج الفلاحي، وبالتالي الأمن الغذائي، في تأجيج بعض الصراعات والنزاعات في عديد من المناطق حول العالم.

وعدد بعضاً من الأدوات التي تتمكن من خلالها دول المنطقة حل مشكلة الجفاف فيها، وهي كالتالي:

تطبيق سياسات عقلانية تضع في الاعتبار التغيرات المناخية، على أن تكون هذه السياسات تمس أكثر الفئات الهشة. الاستثمار في البحث العلمي وبالمجال الزراعي والمياه والطاقة.

التوجه لنموذج اقتصادي ذو كربون مخفض، والذي من شأنه أن يساعد في التقليل من تداعيات أزمة الجفاف المتكررة. البحث عن أفكار بديلة لتعبئة الموارد المائية والتقنيات البديلة كتحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه المعالجة. إعادة ضبط أولويات الزراعة؛ فهناك عديد من الدول التي تعتمد على الفلاحة التصديرية وتصدير منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية وأميركا الشمالية، وهي منتجات مستهلكة للمياه وبالتالي من الأحرى التوجه نحو زراعات ومحاصيل تستهلك المياه بشكل أقل. ويشار إلى أن تراجع هطول الأمطار علاوة على ارتفاع درجات الحرارة، هي أمور دفعت إلى تلف المحاصيل ونقص المياه في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي دفع ملايين الأشخاص إلى انعدام الأمن الغذائي، طبقاً لـ World Weather Attribution المعنية بدراسة تأثير تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة.

وبحسب وكالة ناسا، فقد شهدت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أخيراً أسوأ موجة جفاف منذ 900 عام،  وبما يشكل ضربة كبيرة لدول مثل سوريا ولبنان، علاوة على أن الطلب على المياه في الأردن ودول الخليج العربي يفرض ضغوطاً غير مستدامة على طبقات المياه الجوفية، وفي العراق، أدى الجفاف المتزايد إلى زيادة العواصف الرملية.

التأقلم مع التغيرات المناخية

وإلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن اقتصادات المنطقة تعاني من التقلبات المناخية، خاصة وأن الجفاف يؤثر بطريقة مباشرة في نسب النمو الاقتصادي.

وأشار إلى أن الجفاف أصبح هيكليًا وبنيويًا، في حين أن القطاع الزراعي يسهم بقدر كبير من الناتج المحلي لدول المنطقة، فعلى سبيل المثال بالنسبة للاقتصاد المغربي إذا استهدف تحقيق نمو بمقدر 4 أو 5 بالمئة فيجب على القطاع الفلاحي أن يسهم بقيمة 2 بالمئة على الأقل من هذا النمو.

وشدد على ضرورة أن تتأقلم الدول العربية مع التقلبات المناخية عبر عدة إجراءات، لافتًا إلى أنه إذا اتخذت دول المنطقة هذا الأمر على محمل الجد ستستطيع التأقلم مع التقلبات المناخية وإلا ستبقى رهن سخاء السماء، ومن بين هذه الإجراءات:

وضع استراتيجيات جديدة متعلقة بالمياه. التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر. إنشاء مجموعة من محطات المياه المعالجة لري المساحات الخضراء وللاستخدام الصناعي.