للقراءة: الميكيافلي في مجال الأعمال لستيفان برينان

إنَّ لدى ميكيافلي الكثير والعديد من الأشياء التي سيقدمها لرجل الأعمال اليوم إذا ما استطعنا أن نَعيَها بشكل حَسنٍ.

ليس حسنا، بل معيبا صياغة هذه التأملات المطروحة ووضعها ومقارنتها بالسلطة والسعي نحوها إبَّانَ عصر النهضة الإيطالي الشهير المُلوث السمعة. ليس حسنا مقارنتها بمتطلبات وضروريات قادة الأعمال في عصرنا الحالي. إنَّ المرء قد يمضي إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن الظروف السياسية المتعلقة بزمن ميكيافلي غير مختلفة من عدة نواح كثيرة عن جاذبيتها وسطوتها، ناهيك عن مناخات الأعمال في عصر ما بعد الحداثة.

يبدو أن المراكز قد تلاشت في ذلك الوقت كما هو الحال الآن، ويبدو بعد ذلك أن إيطاليا وجدت نفسها منقسمة من الناحية الجيوسياسية، لكل فيلق من المنقسمةِ أهواءهم نظامه الخاص في الغايات و الحكم والقيادة، ولكل منه دوافع صراعية مع غيره كما هو الحال اليوم بالفعل. قد نرى تعدد القوى الاقتصادية ومراكز الأنشطة التجارية التي أظهرت سطوتها عبر التقنيات العالمية، والتي تتمثل في تأثيرها العملي في وضع الشركات والمؤسسات في منافسة منظورة في بقاع العالم.

لقد كانت فتاوى ميكيافلي أثناء مواجهة هذه الفوضى السياسية المتنافرة والمصالح التنافسية تَنْصبُّ في التركيز أثناء الإعداد والمواجهة، مع العلم أن الرأي العام والخاص يسير نحو استحالة ترسيمها العقلاني وقتئذ.

كانت فتاواهُ تغوصُ في مستويات التركيز على الحقائق الأولية ومعايير السلوك البشري، وكانت مُنصبّة في شرح القيادة وممارسات فن السيطرة. وبهذه الروح والغاية نقدم هذه التوجيهات الميكيافلية للقارئ الميكيافلي الماهر في مجال الأعمال. منذ خمسمائة عام ياصاحبي وحتى الآن وحتى الساعة و حتى اللحظة نراهم قد رَطنُوا شخصية نيكولو ميكيافلي في خندق سوء السمعة. حتى وصل المقام بالمرء أن يظن أن الذي نعتبره ميكيافليا عبارة عن كتلة لحم مُخادعة بدون ضمير، شخص غير أخلاقي لايرحمُ ولا يرتوي. لقد استشهد المستبد المنتصر نابليون بونابرت بميكيافلي مرارا، كما أطلقت هذه النسبية على موسوليني الفاشي، كما يقال أن ستالين دبَّجَ تعليقا توضيحيا على نُسخته المأثورة مفتخرا من كتاب الأمير.

يقال أن التنظير الميكيافلي ألهمَ لمدة نصف ألف عام كل أنواع الفظاعة السياسية. (السطوة التي تتبنى اللارحمة، الاضطهاد، التحليل، الشهرة، أو ما يُطلق عليه: لعبة الصالون الخاصة بالطغاة).

كان ميكيافيلي مغمورا ومهجورا في زمن وقتي، اللهم إذا استثنينا إيطاليا التي اشتهر فيها ذات دهرٍ ككاتب مسرحي مضحك، ولم يحدث ذلك حتى أجبره تغيير النظام في مسقط رأسه في فلورنسا على الانعزال والكَفْ (عمل سابقا دبلوماسيا بصفته سكرتيرا لمديرية جمهورية تلك المدينة) وقد بدأ في كتابة الأعمال العظيمة للفلسفة السياسية - الأمير والخطابات حول ليفي - التي نعرفه بها اليوم بشكل أفضل.

لم تُطبع هذه التحف في حياته إطلاقا. ولكن عندما نُشرت في عام 1532 تكدس الجميع لطلبها.

انتبه يا صاح، انتبه! أقول لك: تكدس الجميع لطلبها. لقد صرخ الباباوات في الكنيسة بينما تتناثر تنانيرهم محوا وإمضاعا، خوفا من تأثيرها على الجماهير المسيحية، وإذ ذاك حُظرت كتبه في فرنسا والولايات الألمانية، بعد اهتزازها بسبب الإصلاحات الدينية والإصلاحات الدموية المضادة، فتعرض لانتقادات شديدة: يدينه أحد الجانبين باعتباره ملحدا مُتخابثا خبيثا مناهضا للإكليريكية، بينما يندد به الآخرون عندما اعتبروه الفتى المدلل لسلطة كنسية معينة فاسدة. هاجم الإنجليز البروتستانت في الوقت ذاته الإليزابيثيون بأحاديثهم الكاثوليكية (كانت إليزابيث نفسها ميكيافلية) ساحبة الشر كله. حتى شكسبير الذي شارك في هذا الفعل وهو الذي صاغ عبارة "الميكيافلية القاتلة". ذهب أحدهم بالزعم أن الشيطان نال "المقبض القديم" كنوع من أنواع التكريم لاسم نيكولو ميكيافلي .

لكن هذا الخداع الأخلاقي الرفيع والاستنكار الغاضب أضمر المعنى الحقيقي للنية الميكيافلية، والذي كان من المفترض أن نراه بوضوح، وننظر إلى الإنسانية مباشرة في أعين ميكيافلي، ونستند لتجاربه الخاصة وقراءته لـ: الكلاسيكيات في الحياة، والتأمل في قواعده الخالدة التي يدير الناس شؤونهم ويلاحقونها من خلالها.

كان ميكيافيلي مدركا بشكل جيد للاختلاف بين الخطأ والصواب، لكنه لم يكن أخلاقيا، ( لكن القول بأن أعماله تساهم في الفجور قول بعيد مُجانب للصواب جدا). وقد كانت طريقته في المرحلة الحرجة عدم اتخاذ أي موقف أخلاقي في كلتا الحالتين، فوضع الخير والشر جانبا بدلا من ذلك، ولم يهتم إلا بالنفعية وما هو فعال لنيل السلطة وتوظيفها والاحتفاظ بها. يوفر هذا التمرين الكثير من المكملات الغذائية للتفكير لرجل الأعمال أو سيدة الأعمال اليوم.

أعرف رجلا أخبرني بهذه القصة: يبدو أنه عمل في مكتب مع صاحب ما، اقترح الرجل ذات وقت أنه يجب عليهما تشكيل نقابة أو شركة صغيرة. كانوا يأخذون المال الذي يقومون بتبديده ودمجه لشراء تذاكر اليانصيب معا. ربما تحدث كارثة نوعية فيقسمون أرباحهم حينها، فأخبره مباشرة: "لا أستطيع فعلها"، قال: "أنا أعتبرك صديقا، وأنا معجب بك، ولكن إذا فزنا بأموال حقيقية، فسوف أضطر لقتلك. لا تتوقع أنني سأتخلى عن آلاف الدولارات وربما الملايين من أجل الصداقة. العمل هو العمل، بعد كل شيء "... ستيفن برينان مدينة نيويورك.