مع جولات بلينكن.. ما مدى قدرة أميركا على التهدئة؟

مع جوْلاتِ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المتكرّرة في المنطقة، وعدم قدرتِه على إيقاف أو تهدئة الحرب، تبرز علامات استفهام بشأن مدى قدرة واشنطن على التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. وسط تقارير عن ضعف الدور الأميركي في المنطقة.

البداية من الحليفة إسرائيل، حيث خرجت أصوات يمينية متطرفة في الحكومة مؤخراً، انتقدت واشنطن بشكل علني ولأول مرة، آخرها كان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي لفت إلى أن إسرائيل ليست نجمة في العلم الأميركي، وأن القيادة الإسرائيلية ستقوم بما يتناسب مع مصالحها بغض النظر عن رأي واشنطن.

توسع الحرب وزيادة الهجمات ضد المصالح الأميركية في المنطقة بدون رادع، بات يطرح العديد من علامات الاستفهام حول قرارات اتخذتها واشنطن تدفع ثمنها الآن، وأهمها رفضها وضع الحوثيين على قوائم الإرهاب وتصنيفهم منظمة إرهابية، وهو ما أعطى الحوثيين فرصة للتمادي في هجماتها على السفن التجارية..

سيناريوهات الاسترضاء الأميركية لإيران في الماضي أدى حسب مراقبين إلى تكثيف الهجمات على مصالح واشنطن، خاصة وأن عدم ممارسة الولايات المتحدة مزيدا من الضغوط على إيران لكبح جماح وكلائها، دفع الشركاء الإقليميين في المنطقة للنأي بأنفسهم أكثر عن السياسة الأميركية.

وأمام كل تلك الأسباب، يطالب الكثيرون صناع القرار في الولايات المتحدة على إعادة التفكير في المفاهيم المسبقة حول المنطقة، ودور واشنطن ومصالحها فيها، وذلك من أجل إعادة دور بات بحسب محللين في أضعف حالاته.

فهل تنجح جهود الدبلوماسية الأميركية هذه المرة؟

يشير الخبير الأميركي في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، آراش آرامش في حديثه لـ "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية إلى أن زيارة أنتوني بلينكن جاءت لتؤكد دعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس في في الحفاظ على حياة المدنيين الفلسطينيين وعدم توسع الحرب الى نزاع إقليمي.

ويضيف آرامش قائلا:

نشر الأسطول البحري الأميركي في المنطقة رسالة واضحة لإيران ووكلائها من المجموعات الإرهابية في المنطقة بأن أي محاولة التسبب في أي ضرر لإسرائيل، فإن الولايات المتحدة سترد بقوة لحماية حليفتنا في المنطقة. زيارة بلينكن إلى دول الشرق الأوسط محاولة زيادة مستوى الدعم والمساعدات الإنسانية في غزة، والتوضيح بأن الولايات المتحدة تقف مع إسرائيل وأنها ملتزمة أيضا للسلام الإقليمي. استعداد الولايات المتحدة التصدي لأي عدوان من طهران ومن الجماعات الإرهابية الموالية لها في المنطقة. تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل دولتين حليفتين قريبتين تتعاونان بشكل وثيق يتحدان مع بعضهما البعض. لدى إسرائيل الحرية في قبول أو رفض الرؤى الأميركية. توجد اختلافات بين تعاطي إدارة بايدن وإدارة ترامب فيما يتعلق بارتفاع عدد الضحايا في غزة، حيث إن إدارة ترامب من المتوقع أنها تدفع إسرائيل للاستمرار في ارتكاب المزيد من الجرائم ضدهم. الادعاء بأن إسرائيل لم تحقق نجاحا ضد حماس لا أساس له من الصحة. الإسرائيليون يستمعون إلى تصريحات بلينكن بقلوب مفتوحة وأذان صاغية. افتقاد حكومة بنيامين نتنياهو إلى الشعبية وتعرضها للانتقادات بسبب تعاملهم مع الوضع الأمني في الحدود مع غزة، بشأن مسألة المفاوضات على الرهائن. لا وجود لوقف إطلاق النار طالما أن حماس لا تزال تحتجز رهائن إسرائيليين وأميركيين وجنسيات أخرى لديها وترفض تسليمهم.

حرص على عدم توسيع الصراع

ويقول الدبلوماسي الأردني السابق زياد المجالي، إن تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال جولته في المنطقة لا تعكس الواقع بأي شكل من الأشكال، بسبب سلوك اليمين الإسرائيلي المختلف تمامًا عن ذلك، مضيفا:

سعي الولايات المتحدة لإقناع حلفائها وأصدقائها في منطقة الشرق الأوسط أن هنالك توجه أميركي لحل مجمل قضايا الشرق الأوسط. وجود عراقيل أمام الجهود الأميركية الداعمة لإسرائيل ولعملية السلام في نفس الوقت في الشرق الأوسط خاصة مع تصريحات القيادة الإسرائيلية الحالية رفضها لوجود دولة فلسطين ولكل ما أنجز من جهود السلام. حرص الجميع على عدم توسيع دائرة الأعمال الحربية في المنطقة. وجود تناقض بين ما يصرح به أنتوني بلينكن وبين ما تقوم به إسرائيل على أرض الواقع من توسيع دائرة الحرب. تكلفة حماية حكم نتنياهو وبقائه في الساحة السياسية الإسرائيلية دفع ثمنها من دماء الأبرياء في غزة. لا وجود لأي اعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل. أي تطورات سلبية في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى خدش مهم في الأمن والسلم الدوليين. مطالبة الولايات المتحدة عبر وزير خارجيتها إسرائيل بتخفيض عدد الإصابات من المدنيين. استعمال واشنطن عبارة التخفيض مسألة جارحة للدبلوماسية وللإنسانية والقيم القانونية. وجِّه الملك الأردني نداءً ملحا إلى الوزير بلينكن، مؤكدا فيه التمسك الثابت لموقف الأردن بوقف إطلاق النار وحماية الإنسانية في غزة، حيث وصلت الأوضاع إلى مستوى مأساوي ومروع، ودعوة عاجلة للحفاظ على السلام في المنطقة، والوصول إلى حل سياسي يخدم الجانب الفلسطيني من خلال حل الدولتين. زيارة بلينكن إلى إسرائيل ستكون الحصاد لمجمل زياراته في منطقة الشرق الأوسط. ما تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ترفضه الإنسانية والبعد القانوني والقانون الدولي ويمثل بالتحصيل النهائي جريمة في حق الإنسانية.

الصبر الاستراتيجي

من جهته، يؤكد الدبلوماسي الإيراني السابق، محمد مهدي شريعتمدار أن لا أحد يرغب في اتساع رقعة الحرب لكن الولايات المتحدة تسعى إلى ذلك من خلال دعمها المتواصل لإسرائيل، مشيرا إلى أنها لا يمكن أن تكون وسيطا في عملية السلام.

استطاعة الولايات المتحدة الضغط بجدية على إسرائيل لإيقاف استفزازاتها المتواصلة في المنطقة. زيارة بلينكن إلى الشرق الأوسط لن تحقق شيئا طالما أن تل أبيب لا تستجيب و لا تصغي إلى مطالب التهدئة. لجوء إسرائيل إلى تغيير من طبيعة عملياتها إلى القيام بالاغتيالات لا ينم سوى عن فشل ميداني واسع. رغم ما تقوم به إسرائيل من محاولات لتحقيق أي شكل من أشكال الانتصار إلا أن الفشل يلاحقها رغم الدعم الأميركي. رغم تعرض إدارة بايدن للانتقادات من سياستها مع إسرائيل إلا أنها اقل حدة من موقف ترامب وإدارته المناصرة لإسرائيل. الولايات المتحدة هي المسؤولة عن استمرار هذه الحرب. لا أحد يرغب في اتساع رقعة الحرب باستثناء إسرائيل لتغطية فشلها  فشكل حكومة نتنياهو التي تسعى إلى توريط الولايات المتحدة معها في هذه الحرب. اعتماد الصبر الاستراتيجي لا يعني أن الصبر مطلقا وأن إيران لن ترد وستبقى مكتوفة الأيدي أمام أي تطور ربما يحصل في هذه المواجهة.