المخرجة ايفا داود تكتب عنه

"وداعاً السنعوسي" لعلي حسن.. وإعادة إحيائه في ذاكرة القلب

بعد عرضه في مهرجان الخليج السنيمائي الرابع في الرياض، ومهرجان أفلام السعودية بالظهران مؤخرا بالدورة العاشرة، حقق الفيلم الوثائقي الكويتي "وداعاً السنعوسي" للمخرج علي حسن، جائزة الأفلام الوثائقية في مسابقة الأفلام الوثائقية للأفراد بمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون في دورته السادسة عشرة مؤخرا بالبحرين، وعنه كتبت المخرجة ايفا داود:

"السنعوسي وداعا، فيلم وثائقي للمخرج علي حسن، يروي لنا قصة حياة الراحل محمد السنعوسي، ولم يكن الفيلم وداعاً بقدر ما كان إعادة إحيائه في ذاكرة القلب، فثمة عمالقة لا ينقص حضورهم، ولو وروا الثرى، بل يستمر إشراقهم ويزداد وهجاً.

خصوصية هذا الفيلم وأهميته جاءت لأسباب عديدة في مقدمتها الشخصية التي  يتحدث عنها الفيلم.

عنوان الفيلم هيأنا مسبقاً للتيمة التي تمحورت حول شخصا طموحا حياته تجذرت في الأوساط الاجتماعية والإعلامية العربية والكويتية. الفيلم يقودنا نحو شخصية متفردة في مساراتها المهنية والعملية والإنسانية والعائلية من خلال سرد سينمائي منضبط الإيقاع. إذ تبدو فكرة الفيلم متاحة، لكن التميز يكمن في الطريقة التي استخدامها المخرج في إعادة تسليط الضوء عليها بما يليق بها من خلال مشاهد تتدفّق تباعاً وبعفوية ولا تعرف لها حدوداً للإشباع.

يترك المخرج المجال لضيوفه من الأساتذة الكبار بأن يرووا لنا سيّرة الراحل والانطباعات الكامنة عن شخصيته الملفتة الجذابة، محمّلة بالحنين إلى الماضي.

حواراتهم لم تكن أحاديث مطولة ولا مطاردات، بل غلبَ عليها حسّ إنساني عميق وإخلاص، وعاطفة نبيلة قربتنا أكثر من شخصية الراحل و عوالمها، وأفكاره، وماضيه، فكانت بمثابة رسائل تذكارية حملوها لنا بـ وداع السنعوسي.

استحضر لنا الفيلم مشاهد لأعمال عديدة قدمها الراحل، والتي رسخت في مواطن الحنين في ذاكرة معظم جيل الشباب ممن لا يعرفون أنها تنسب إليه. هذه الإضاءة  تحتسب لصالح الفيلم والمخرج لأنه ساهم في بناء جسرا للتواصل بين هذه الأجيال الشابة وما قدمه السنعوسي.

إن الاستخدام المتميز للموسيقى التي وضعها  المخرج خلقت تناغم شاعري يتماشى مع حساسية الحياة الواقعية التي قدمها لنا الفيلم.

ولم يُغفل المخرج مشاركتنا مواقف وهواجس السنعوسي، ومثال ذلك المشاهد التي حملت لنا المراسلات بين محمد السنعوسي و المخرج مصطفى العقاد والتي أظهرت جهود السنعوسي الحثيثة التي ساعدت بشكل أساسي بإنتاج الفيلمين العالمين "الرسالة "، و "عمر المختار"، هذه التفاصيل جعلك الفيلم تتطلع عليها، لكن دون شرحها بشكل مباشر. فالفيلم، كما الحياة، سلسلة من المشاهد، فلا مشهد بلا قيمة ولا مشهد مرّ عابرا دون دلالة أو إضافة.

نستطيع أن نقول أن حكاية الفيلم احتلت مساحة تمكنت من جذب المشاهدين نحو الحكاية نفسها دون الاهتمام بأي شيء آخر، فترابطها المنطقي بالسياق البصري والسمعي والموسيقي، وانسيابية المشاهد وضغط الزمن الذي تكفل به المخرج ، ساهم بإنضاج سردية الفيلم وأوصلنا معه إلى ذروة التعريف بالشخصية المحورية للفيلم، وأوصل معه الفيلم للجودة السينمائية الوثائقية المطلوبة.

وعل المخرج في الـ 20 دقيقة الأخيرة تعمد شحنها بفيض من المشاعر والتحكم بعواطف المشاهدين، لتجد بعضهم اغرورقت عيناه بعبرات حاول أن يخفيها، والبعض الآخر حاول منعها، والبعض منهم باغته، فانهمرت على وجهه.

هذه الدمعات كانت تحدي المخرج للمشاهد ليدفعه ليردد معه بصمت، "السنعوسي وداعاً" متزامنةً مع تصفيق حار لمن حضر الفيلم.