الأفلام القديمة ما زالت تثير دهشة النقاد في مختلف أرجاء العالم

"Lilies of the field" خصائص فلسفية وأول أوسكار لسيدني بواتييه

| أسامة الماجد

في تاريخ السينما كما في تاريخ كل الفنون هناك أعمال فريدة تظهر فجأة من حيث لا نتوقع، وربما لا يصنع أصحابها غيرها، كما فعل الممثل الأمريكي الشهير "سيدني بواتييه" في معظم أفلامه التي خلدت اسمه بما فيها أفلامه القديمة آبان الخمسينات والستينات، وهذه الأفلام حققت نجاحا تجاريا وفنيا كبيرا، وأحدثت ردود أفعال إيجابية بوصفها من المنجزات المهمة في تاريخ السينما الأميركية وسجلاتها الفريدة، وأحد هذه الأفلام التي منحته جائزة الدب الفضي كأحسن ممثل في مهرجان برلين السينمائي، وجائزة الاوسكار فيلم “Lilies of the field” للمخرج رالف نيسلون. تدور قصة الفيلم حول جندي أميركي يدعى هومير سميث "سيدني بواتيه" الذي انتهت خدمته من الجيش وراح ينتقل بين ولايات الغرب الأميركي، في جولة مفتوحة بسيارته، يأكل وينام فيها ويتسكع، وذات يوم توقف للتزود بالماء من مزرعة جرداء شاهدها في طريقة تديرها خمس راهبات، ولكنه لاحظ أن المزرعة في حالة سيئة وتحتاج الى عدة إصلاحات، فما كان منه إلا أنه عرض على رئيسة الراهبات المساعدة والعمل، وبالفعل يعمل هومير بجد حتى ساعة متأخرة، ثم يقدم فاتورة الحساب عن خدماته للرئيسة التي تتجاهل تماما مسألة الحساب، وتدعوه إلى تناول العشاء معها ومع زميلاتها. وبعد العشاء تقضي الراهبات ساعة في تعلم اللغة الإنجليزية من أسطوانة على "جراموفون" قديم ويستمع هومير إلى الدرس في دهشة شديدة واستغراب، ويقول لهن بعد ذلك أنهن لن يستفدن شيئا من هذه الأسطوانات لأنها لا تعلمهن الا بضع اصطلاحات وتعبيرات أعدت من أجل السائحين فقط. وهنا تدفعه النخوة مرة أخرى ويعرض عليهن أن يساعدهن في تعلم اللغة ويوافقن. ویرددن بعده الكلمات الجديدة وينطقنها بلهجته، لهجة الولايات الجنوبية، وعندما ينتهى الدرس يذهب لينام في سيارته. ويواصل هومير عمله المعتاد وفي كل مرة يطلب من الرئيسة أجره نظير العمل، وفي هذه المرة تجرأ وفتح لها الإنجيل على الصفحة التي ورد فيها أن العامل يستحق أجرا عن عمله. فلا ترد عليه، وانما تفتح صفحة أخرى ورد فيها نص معناه، أن الله يجزى كل إنسان على ما قدمت يداه. يتأثر هومير بما راه من إيمان الراهبات وتقشفهن، وصبرهن، ويقترح عليهن بناء كنيسة صغيرة بالمزرعة بشرط أن يتم توفير المواد اللازمة للبناء، وبالفعل يبدأن في تجميع وتوفير مواد البناء، وينجح مشروعه ويفرح جميع من في المدينة على الكنسية الجديدة. وبعد انتهاء العمل يصعد هومير إلى قمة برج الكنيسة لتركيب الصليب ويتطلع الناس إليه مبتهجين، وتقرر رئيسة الراهبات أن يكون هومير ضيف الشرف في حفلة افتتاح الكنيسة وإقامة أول صلاة بها، وذلك على الرغم من أنه لا ينتمي إلى مذهبهن وتقول جملة في غاية الروعة: "إنه يختلف عنا في المذهب وفى لون الجلد. ولكنه رجل عظيم شديد الإخلاص"، إلا أن هومير لا يسمع كلمات الإطراء ويرحل بسيارته في الليل بهدوء. إن أكثر الأشياء إثارة للدهشة في هذا الفيلم إلى جانب الخصائص الفلسفية، وموضوع الاهتمام الذاتي في العمل، والكفاح والتجانس من أجل فعل الخير، هو الأداء المبهر للممثل "سيدني بواتيه" دونما خطأ. البطل القريب من ذاته وطموحاته وافكاره المثالية متسلحا بأدواته وإمكاناته وقدرته على التواصل مع عقل وقلب المشاهد. كان قويا معبرا طبيعيا وأعطى الشخصية بعدها الحقيقي في كل مشهد من المشاهد. لقد كان هذا الدور كفيلا بفوزه بجائزة الأوسكار كأحسن ممثل في العام 1963، وسيبقى "سيدني بواتيه" أحد أهم وأعظم الأسماء التي تذكر عند الحديث عن السينما الأميركية المعاصرة، السينما التي ظهرت وتأكدت ملامحها ابتداء من منتصف الخمسينات بحكم عدة أسباب لا يتسع المجال لذكرها، وبقيت نقطة مهمة وهي ان هناك من يرى في الأفلام القديمة كلها انها فقدت بريقها وبدأت تحتجب تدريجيا – هكذا سمعت – ولكن الحقيقة أن تلك الأفلام القديمة ما زالت تثير دهشة النقاد السينمائيين في مختلف أرجاء العالم