المخرج الياباني ماساكازو يروي حكايات الطبيعة والأساطير
| طارق البحار
في ندوة ثقافية آسرة ضمن فعاليات مهرجان أفلام السعودية، اصطحب المخرج الياباني كانيكو ماساكازو الجمهور في رحلة تأملية عميقة، عبَر فيها الجغرافيا واللغة ليستكشف الروابط الخفية بين الطبيعة، الذاكرة، والأسطورة في الفن السينمائي. جرت الندوة على خشبة مسرح "إثراء"، حيث رافق ماساكازو المتحدث السعودي عبدالرحمن القرزعي الذي أضفى بعدًا فريدًا للحوار بلغة يابانية سلسة وصوت محلي صادق. لم تكن المحادثة مجرد عرض لتقنيات أو سير ذاتية، بل غاصت في جوهر رواية القصص من منظور ثقافي. ناقش ماساكازو كيف تؤثر المناظر الطبيعية اليابانية الغامضة، والأساطير القديمة، والهوية الجماعية على نهجه الإخراجي، وكيف يمكن للفن أن يجسر الهوّة بين الثقافات، وأن يمنح الذاكرة صوتًا وصورة.
فيلم "عودة النهر" المخرج تحدث أيضًا عن أحدث أعماله، فيلم "River Returns" (عودة النهر)، الذي يُعد ثالث أفلامه الروائية الطويلة، وتم عرضه مؤخرًا ضمن برنامج المهرجان. الفيلم مزيج شعري بين الخيال والدراما، تدور أحداثه في قرية ريفية خلال إعصار عام 1958، حيث ينطلق صبي صغير في مهمة غامضة لتهدئة روح حزينة تسكن ضفاف النهر، بعد أن تسببت في فيضانات كارثية دمرت قريته. من خلال هذا العمل، لا يقدم ماساكازو قصة تقليدية، بل يرسم لوحة سمعية بصرية تتأمل العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وتطرح تساؤلات وجودية عن الفقد، والمصالحة، والقوة الغامضة للذاكرة الجماعية. كشف المخرج الياباني كانيكو ماساكازو، خلال حديثه في مهرجان أفلام السعودية، عن جوهر مشروعه السينمائي الذي طالما دار حول العلاقة المعقدة بين الإنسان والطبيعة. وأوضح قائلاً: "أعمالي دائمًا ما تنطلق من هذا التفاعل العميق بين الطبيعة والبشر. إنها ليست مجرد خلفية بصرية، بل روح حية تتداخل مع مصائر الشخصيات، وتُروى بأسلوب شعري يميل إلى الأسطورة." في "River Returns" (عودة النهر)، لا تكون رحلة الطفل إلى حوض جبلي منعزل مجرد مغامرة فيزيائية، بل رحلة روحية وعاطفية، تُمثل محاولة لفهم المجهول ومصالحة الماضي.
الكارثة يعكس الفيلم فلسفة فولكلورية راسخة في الثقافة اليابانية، حيث تُرى الكوارث الطبيعية كترجمة ملموسة لاضطرابات روحية عميقة. هذا المفهوم، بحسب ماساكازو، وجد صداه لدى الجمهور السعودي، الذي تفاعل مع الفيلم بروح من التأمل والتفهم. ويُقدم "River Returns" توليفة بصرية آسرة؛ حيث يتلاعب التصوير السينمائي بتناقضات الطبيعة: الهدوء الساحر للغابات والمياه، في مواجهة العاصفة المقبلة بعنفها الرمزي. هذا التباين البصري يُسلط الضوء على الطبيعة المزدوجة للعالم: رحيم حينًا، ومدمر حينًا آخر، تمامًا كالحياة نفسها. قال المخرج الياباني *كانيكو ماساكازو في الندوة "سواء كان يقرأها من زاوية الحزن، أو الحب، أو حتى كصدى لحكاية قديمة يعرفها القلب دون أن يذكرها العقل." وأضاف: "في جوهرها، أفلامي هي وسيلة لنقل الثقافة، وإحياء الفولكلور، وإيصالها إلى حالة شعورية يتقاسمها الجميع، مهما اختلفت خلفياتهم. ما يهمني أكثر هو كيف يتفاعل الناس، كيف يمكن لجمهور غير ياباني أن يرى نفسه داخل هذه القصص. أبحث دومًا عن ذلك الخيط الإنساني الذي يربط بين الثقافات دون أن يُترجم". في ختام اللقاء، عبّر الجمهور عن إعجابه بعمق التجربة، ليس فقط من خلال ما شاهده على الشاشة، بل بما سمعه من كلمات تشبه القصائد، من صانع أفلام يرى العالم كما لو أنه حلم طويل يتقاطع فيه الواقع بالأسطورة