ستة على ستة

ظهور البغدادي

| عطا السيد الشعراوي

في‭ ‬يوليو‭ ‬2014م‭ ‬ظهر‭ ‬الإرهابي‭ ‬أبوبكر‭ ‬البغدادي‭ ‬على‭ ‬منبر‭ ‬الجامع‭ ‬الكبير‭ ‬“الحدباء”‭ ‬بالموصل‭ ‬العراقية‭ ‬وهو‭ ‬يلقي‭ ‬خطبة‭ ‬الجمعة،‭ ‬قائلا‭ ‬إنه‭ ‬ابتلي‭ ‬بأمانة‭ ‬ثقيلة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تنصيبه‭ ‬خليفة‭ ‬على‭ ‬المسلمين،‭ ‬حاثا‭ ‬أنصاره‭ ‬على‭ ‬الجهاد‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬الظهور‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يحقق‭ ‬فيه‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭ ‬حضورا‭ ‬قويًا‭ ‬بعد‭ ‬إعلانه‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2014‭ ‬قيام‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتنصيب‭ ‬البغدادي‭ ‬إماما‭ ‬وخليفة‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬التنظيم‭ ‬باحتلال‭ ‬الموصل‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مدن‭ ‬العراق،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬العاصمة،‭ ‬وكان‭ ‬التنظيم‭ ‬يتحكم‭ ‬بمصير‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬ويسيطر‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭.‬

وبعد‭ ‬مرور‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬ظن‭ ‬فيه‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬اقتربت‭ ‬نهايته،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لديه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬عنصر‭ ‬وفق‭ ‬أعلى‭ ‬التقديرات،‭ ‬وأن‭ ‬وجوهًا‭ ‬إرهابية‭ ‬قبيحة‭ ‬كالبغدادي‭ ‬وأمثاله‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬بعد‭ ‬اليوم،‭ ‬إذ‭ ‬بهذا‭ ‬البغدادي‭ ‬يعاود‭ ‬الظهور‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبهيئة‭ ‬تماثل‭ ‬مثله‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬ويبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬المتردي‭ ‬والتراجع‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬ولا‭ ‬يعكس‭ ‬بحرصه‭ ‬على‭ ‬مظهره‭ ‬وأسلوب‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬تطورات‭ ‬وعمليات‭ ‬إرهابية‭ ‬حديثة‭ ‬وعن‭ ‬المستقبل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬يحتضر‭ ‬بالفعل‭.‬

ظهور‭ ‬البغدادي‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬تأسيس‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابي‭ ‬وفي‭ ‬أيام‭ ‬قوته‭ ‬أمر‭ ‬متوقع‭ ‬وممكن‭ ‬الحدوث،‭ ‬حيث‭ ‬تزايد‭ ‬الإمكانيات‭ ‬وقلة‭ ‬المخاطرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ظهوره‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬أيام‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬ضعفا‭ ‬أمر‭ ‬يثير‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مصادر‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬مازال‭ ‬يمتلكها‭ ‬وتمكنه‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الظهور‭ ‬وبهذا‭ ‬المظهر‭ ‬المناقض‭ ‬لحالة‭ ‬التنظيم،‭ ‬والأسباب‭ ‬التي‭ ‬دفعته‭ ‬لذلك‭ ‬وإقدامه‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المغامرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مقدمة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬مكانه‭ ‬واستهدافه‭ ‬وتصفيته‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬سلفه‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬الذي‭ ‬سيظل‭ ‬نموذجا‭ ‬ماثلا‭ ‬أمامه‭ ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬إرهابي‭.‬