مأزق العمالة الوافدة.. أين كُنتَ يا مطر في يومِ عاشوراء؟ (١-٢)

| عبدالنبي الشعلة

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬وفي‭ ‬وقفة‭ ‬سابقة‭ ‬تطرقنا‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬“مأزق‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة”‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وأشرنا‭ ‬بالتفصيل‭ ‬والأرقام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬أصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬عبئًا‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬ثقيلًا‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬دول‭ ‬المجلس؛‭ ‬خصوصًا‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتراجعة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬تدهور‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬وتفشي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬ورأينا‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الشرائح‭ ‬الدنيا‭ ‬والسائبة‭ ‬والعاطلة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬صارت‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وأسهل‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬وأكبر‭ ‬ضحاياه‭ ‬للأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها؛‭ ‬وبالنتيجة‭ ‬صارت‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬بالذات‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬أكبر‭ ‬وأخطر‭ ‬مصدر‭ ‬لانتشار‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬مرشح،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬يتجه‭ ‬لأن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لابتزازنا‭ ‬وإلى‭ ‬إشكال‭ ‬سياسي‭ ‬خطير‭ ‬معقد‭ ‬قد‭ ‬ينفجر‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬والدول‭ ‬المصدرة؛‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬الأخيرة‭ ‬لاستعادة‭ ‬واستقبال‭ ‬مواطنيها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمالة،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الراغبون‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أوطانهم‭.‬

ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التكرار،‭ ‬ولكن‭ ‬للأهمية،‭ ‬فإننا‭ ‬نشير‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لن‭ ‬تتجاوب‭ ‬ولن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬استعادتهم،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬أيضًا؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعني‭ ‬إغراق‭ ‬أسوق‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬بعودة‭ ‬هذه‭ ‬العمالة،‭ ‬وحرمان‭ ‬خزائنها‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬تجنيها‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬رفضها،‭ ‬ستلقى‭ ‬التأييد‭ ‬والمساندة‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬ومن‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬العمال‭ ‬المهاجرين‭ ‬وحق‭ ‬التجنيس‭.‬

ونود‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭ ‬هنا،‭ ‬أو‭ ‬نلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬“تشاتام‭ ‬هاوس”‭ ‬بلندن‭ ‬والذي‭ ‬تناول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بإسهاب؛‭ ‬ومما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬“تدفق‭ ‬العمال‭ ‬الوافدين‭ ‬قد‭ ‬تواكب‭ ‬مع‭ ‬ولادة‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬الحديثة‭ ‬واقتصادها‭ ‬ومشروعها‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬وجودهم‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬توزيع‭ ‬دخل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وعقده‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مع‭ ‬المواطنين”‭.‬

وقبل‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬قمت‭ ‬بزيارة‭ ‬عمل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬نيو‭ ‬دلهي‭ ‬العاصمة‭ ‬الهندية،‭ ‬ورافقني‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬وفد‭ ‬حكومي‭ ‬ضم‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬جاسم‭ ‬الغتم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬رئيسًا‭ ‬لجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬وزيرًا‭ ‬للتربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وقد‭ ‬تضمن‭ ‬برنامج‭ ‬الزيارة‭ ‬لقاء‭ ‬عصف‭ ‬فكري‭ ‬Brain Storming‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬وأساتذة‭ ‬وطلاب‭ ‬كلية‭ ‬دراسات‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بجامعة‭ ‬جواهر‭ ‬لال‭ ‬نهرو،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجامعات‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وقد‭ ‬ترأس‭ ‬اللقاء‭ ‬البروفيسور‭ ‬“الدكتور‭ ‬باشا”،‭ ‬وكان‭ ‬موضوع‭ ‬النقاش‭ ‬“دور‭ ‬العمالة‭ ‬الهندية‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬وفي‭ ‬تطوير‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والهند”،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬استعراض‭ ‬إمكانات‭ ‬التعاون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الارتقاء‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬نوعية‭ ‬العمالة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬عددها،‭ ‬وكانت‭ ‬تقديرات‭ ‬شعبة‭ ‬البحوث‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الهنود‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬يبلغ‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وأنهم‭ ‬يحولون‭ ‬رسميًا‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬لصالح‭ ‬الخزينة‭ ‬الهندية‭. ‬ولما‭ ‬طُرح‭ ‬سؤال‭ ‬افتراضي‭ ‬عن‭ ‬ماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬الهند‭ ‬لو‭ ‬قررت‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬خدمات‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬وإعادتها‭ ‬إليكم؟‭ ‬فكان‭ ‬الجواب‭: ‬“إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬يعني‭ ‬إعلان‭ ‬حرب”‭!‬

وعلى‭ ‬إثر‭ ‬نشر‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ ‬تلقيت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬والملاحظات‭ ‬القيمة‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬المهتمين‭ ‬ومن‭ ‬الأخوة‭ ‬الزملاء‭ ‬والمتابعين‭ ‬لما‭ ‬أكتب،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬السؤال‭ ‬أو‭ ‬المثل‭ ‬التالي‭ ‬الذي‭ ‬بعث‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬المتابعين‭ ‬“أين‭ ‬كنتَ‭ ‬يا‭ ‬مطر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء؟”‭ ‬والسؤال‭ ‬موجه‭ ‬لي‭ ‬شخصيًا‭ ‬ومعناه‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬السائل‭ ‬أن‭ ‬يقوله‭ ‬هو؛‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬حيال‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬وزيرًا؟

كما‭ ‬تلقيت‭ ‬أيضًا‭ ‬اتصالات‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬والمسؤولين،‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وزراء‭ ‬سابقون،‭ ‬كانوا‭ ‬متزامنين‭ ‬معي‭ ‬كوزراء‭ ‬للعمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بدول‭ ‬المجلس؛‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أخي‭ ‬وصديقي‭ ‬مطر‭ ‬حميد‭ ‬الطاير‭ (‬لاحظوا‭ ‬اسم‭ ‬مطر‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬وزيرًا‭ ‬للعمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقد‭ ‬أشاروا‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أننا،‭ ‬وكثيرون‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬المعنيين‭ ‬والمختصين‭ ‬نادينا‭ ‬بأعلى‭ ‬أصواتنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ودعونا‭ ‬وطالبنا‭ ‬وحذرنا،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فقد‭ ‬بح‭ ‬صوت‭ ‬المرحوم‭ ‬الدكتور‭ ‬غازي‭ ‬بن‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬القصيبي‭ ‬وزير‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بالملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬الشقيقة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2005‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010،‭ ‬وجفت‭ ‬حنجرته‭ ‬وهو‭ ‬ينادي‭ ‬ويحذر‭ ‬شعرًا‭ ‬ونثرًا‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬الاستمرار‭ ‬والإفراط‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النداءات‭ ‬والأصوات‭ ‬والصرخات‭ ‬ضاعت‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬سونامي‭ ‬الطموحات‭ ‬والأهداف‭ ‬النبيلة‭ ‬والنوايا‭ ‬الحسنة،‭ ‬وفي‭ ‬حومة‭ ‬حماسة‭ ‬حكوماتنا‭ ‬وحماستنا‭ ‬جميعًا‭ ‬وسباقنا‭ ‬مع‭ ‬الزمن؛‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬مواردنا‭ ‬المالية‭ ‬المتراكمة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬واستثمارها‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬وبرامج‭ ‬تنمية‭ ‬طموحة،‭ ‬وتشييد‭ ‬أفضل‭ ‬المرافق‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وأفضل‭ ‬المتطلبات‭ ‬والخدمات‭ ‬وتوفيرها‭ ‬بأعلى‭ ‬مستوى‭ ‬وفي‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬مدارس‭ ‬وجامعات‭ ‬ومستشفيات‭ ‬ومطارات‭ ‬وموانئ‭ ‬وجسور‭ ‬وشوارع‭ ‬وطرقات‭ ‬ومجمعات‭ ‬وفنادق‭ ‬وحدائق‭ ‬ومتنزهات‭ ‬ومسارح‭ ‬ومصاهر‭ ‬ومصانع،‭ ‬وقائمة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬من‭ ‬التمتع‭ ‬بحياة‭ ‬كريمة‭ ‬وتعوضه‭ ‬عن‭ ‬أيام‭ ‬الكدح‭ ‬والقحط‭ ‬والجوع‭ ‬والحرمان‭ ‬والمعاناة،‭ ‬وأيام‭ ‬القيظ‭ ‬والحر‭ ‬والشمس‭ ‬المحرقة‭ ‬والعطش‭ ‬والصحراء‭ ‬الجرداء‭ ‬والبحار‭ ‬الغدارة‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬ضعف‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬وافتقارنا‭ ‬كمًا‭ ‬ونوعًا‭ ‬إلى‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬الوطنية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬البرامج‭ ‬والمشاريع‭ ‬اضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالعمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬بهذه‭ ‬الأعداد‭ ‬الهائلة‭.‬

والآن‭ ‬وقد‭ ‬حققنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬طموحاتنا‭ ‬وأحلامنا‭ ‬ووفرنا‭ ‬لشعوبنا‭ ‬أفضل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬والكرامة،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬والظرف‭ ‬أخذ‭ ‬يضغط‭ ‬ويفرض‭ ‬علينا‭ ‬بإلحاح‭ ‬للتوقف‭ ‬وللمراجعة‭ ‬ولتقييم‭ ‬توجهاتنا‭ ‬ومسيرتنا‭ ‬التنموية،‭ ‬وتطعيمها‭ ‬بفكر‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الإشكالية‭ ‬الديموغرافية‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالأمن‭ ‬الوطني‭ ‬وبهويتنا‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والوطنية،‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬كذلك،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬القاعدة‭ ‬السياسية‭ ‬المستقرة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬“أن‭ ‬الواقع‭ ‬السكاني‭ ‬أو‭ ‬الديمغرافي‭ ‬يقرر‭ ‬ويفرض‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي”،‭ ‬وهي‭ ‬القاعدة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تتمسك‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتطبقها‭ ‬لابتلاع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬الاستيطان‭ ‬وبناء‭ ‬المستعمرات‭.‬

إننا‭ ‬لا‭ ‬نكتشف‭ ‬كنزًا‭ ‬ولا‭ ‬نكشف‭ ‬سرًا‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬بأن‭ ‬حبكة‭ ‬أو‭ ‬طبخة‭ ‬تغيير‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬سيتم‭ ‬إعدادها‭ ‬بسهولة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحريك‭ ‬مكوناتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬وهي‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحقوق‭ ‬العمال‭ ‬والمهاجرين‭ ‬أو‭ ‬الوافدين‭ ‬في‭ ‬التجنيس،‭ ‬ثم‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القنوات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الأكثرية‭.‬

فهل‭ ‬فعلًا‭ ‬تأخرنا‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬المسار؟‭ ‬وهل‭ ‬وقع‭ ‬الفأس‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق؟‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭: ‬فات‭ ‬القطارُ‭ ‬وكم‭ ‬ضيعتُ‭ ‬ميقاتا‭.. ‬وجئتُ‭ ‬أبكي‭ ‬على‭ ‬أطلال‭ ‬ما‭ ‬فاتا،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬سنحاول‭ ‬التطرق‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭.‬