من ملفات سوق العمل.. القيادة الواعية والنقابات العمالية

| عبدالنبي الشعلة

في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2002‭ ‬تقاطرت‭ ‬على‭ ‬ديوان‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬وأركان‭ ‬حكومته‭ ‬الموقرة‭ ‬رسائل‭ ‬وبرقيات‭ ‬التهاني‭ ‬والتبريكات‭ ‬والإشادة‭ ‬والثناء‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬الحكومية‭ ‬المعنية‭ ‬والمنظمات‭ ‬والاتحادات‭ ‬العمالية‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تفضل‭ ‬جلالته‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الشهر‭ ‬يومًا‭ ‬مشهودًا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحركة‭ ‬العمالية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭ ‬عندما‭ ‬استقبل‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬وبحضور‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر،‭ ‬وصاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬القضيبية‭ ‬العامر‭ ‬رئيس‭ ‬وأعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬اللجنة‭ ‬العامة‭ ‬لعمال‭ ‬البحرين‭ ‬وجميع‭ ‬رؤساء‭ ‬اللجان‭ ‬العمالية‭ ‬المشتركة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الوزراء،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬شرف‭ ‬حضور‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬بصفتي‭ ‬وزير‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬آنذاك‭.‬

في‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء‭ ‬أعلن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬أنه‭ ‬أصدر‭ ‬“مرسومًا‭ ‬ملكيًا‭ ‬بقانون‭ ‬بشأن‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية”‭ ‬تحت‭ ‬رقم‭ ‬33‭ ‬لسنة‭ ‬2002،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنه‭ ‬أمر‭ ‬باعتبار‭ ‬يوم‭ ‬العمال‭ ‬العالمي‭ ‬المصادف‭ ‬للأول‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬يوم‭ ‬إجازة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭.‬

ولن‭ ‬ينسى‭ ‬التاريخ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬وسيبقى‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأيام‭ ‬الخالدة‭ ‬والمحطات‭ ‬المضيئة‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬التنموية‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬العزيز،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬الحدث‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬تتويجًا‭ ‬لكفاح‭ ‬عمال‭ ‬البحرين‭ ‬ونضالهم‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬بالعمل‭ ‬النقابي‭ ‬أو‭ ‬بالحركة‭ ‬النقابية‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تجميع‭ ‬جهود‭ ‬العمال‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬منهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬مهنة‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬للمطالبة‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬بحمايتهم‭ ‬من‭ ‬الاستغلال،‭ ‬وضمان‭ ‬عدالة‭ ‬الأجور،‭ ‬والعمل‭ ‬ضمن‭ ‬ظروف‭ ‬عمل‭ ‬آمنة،‭ ‬فإن‭ ‬الحركة‭ ‬النقابية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬رأت‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1919م‭ ‬عندما‭ ‬تجمع‭ ‬غواصو‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬وأحوالهم‭ ‬المعيشية،‭ ‬ولعله‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬يتزامن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬الغواصين‭ ‬تلك‭ ‬بداية‭ ‬لرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬كفاح‭ ‬ونضال‭ ‬الطبقة‭ ‬العمالية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نيل‭ ‬حقوقها‭ ‬النقابية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بمنعطفات‭ ‬عديدة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1982‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬تشكيل‭ ‬“اللجان‭ ‬العمالية‭ ‬المشتركة”‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص؛‭ ‬وهي‭ ‬لجان‭ ‬عمالية‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬اختيارها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتخابات‭ ‬الحرة‭ ‬المباشرة،‭ ‬وكانت‭ ‬تضطلع‭ ‬بواجباتها‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬ومصالحهم‭ ‬ودعم‭ ‬مكتسباتهم‭ ‬والدفاع‭ ‬عنهم،‭ ‬وتمثيلهم‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمنظمات‭ ‬المختلفة،‭ ‬والهيئات‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية،‭ ‬وقد‭ ‬كونت‭ ‬اللجان‭ ‬العمالية‭ ‬المشتركة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬لاحقًا‭ ‬“اللجنة‭ ‬العامة‭ ‬لعمال‭ ‬البحرين”،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكللت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬والمبادرات‭ ‬عندما‭ ‬التقت‭ ‬الإرادة‭ ‬الملكية‭ ‬بطموح‭ ‬الطبقة‭ ‬العمالية‭ ‬باصدا‭ ‬قانون‭ ‬النقابات‭ ‬الذي‭ ‬أجاز‭ ‬وشرع‭ ‬تأسيس‭ ‬“الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬لنقابات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين”‭.‬

وقبل‭ ‬تأسيس‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬أداء‭ ‬ونشاط‭ ‬اللجنة‭ ‬العامة‭ ‬لعمال‭ ‬البحرين‭ ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬بأم‭ ‬عيني‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬كيف‭ ‬تمكن‭ ‬عمال‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬النقابي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يؤسسوا‭ ‬ويكونوا‭ ‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المهنية‭ ‬المتينة‭ ‬مع‭ ‬فعاليات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬العربي‭ ‬والدولي،‭ ‬وكيف‭ ‬فرضوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬واحترامهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاتحادات‭ ‬النقابية‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬وكيف‭ ‬كانوا‭ ‬يتصرفون‭ ‬برزانة‭ ‬واتزان،‭ ‬ويتحلون‭ ‬بأعلى‭ ‬درجات‭ ‬ومستويات‭ ‬المسؤولية‭ ‬والواقعية‭ ‬والحصافة‭ ‬الإدارية‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬وقيادته،‭ ‬وبهذا‭ ‬المنهج‭ ‬استطاع‭ ‬عمال‭ ‬البحرين‭ ‬أن‭ ‬يكتسبوا‭ ‬ويكونوا‭ ‬لهم‭  ‬رصيدا‭ ‬هائلا‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬والخبرات‭ ‬التي‭  ‬مكنتهم‭ ‬من‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بمسؤوليتهم‭ ‬بكل‭ ‬كفاءة‭ ‬واقتدار‭ ‬عندما‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬قيادة‭ ‬اتحاد‭ ‬نقاباتهم‭.‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬تأسيس‭ ‬اتحاد‭ ‬نقابات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين‭ ‬تجسيدًا‭ ‬للإرادة‭ ‬الملكية،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬حق‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬أنفسهم‭ ‬ضمن‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬نقابات‭ ‬عمالية‭ ‬حرة‭ ‬مستقلة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تنفيذًا‭ ‬لتوجيهات‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بتفعيل‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬الملكية‭ ‬بالشروع‭ ‬في‭ ‬صوغ‭ ‬مسودة‭ ‬القانون‭ ‬المطلوب،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الوزارة‭ ‬المختصة‭ ‬بالشؤون‭ ‬القانونية،‭ ‬وبالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬التنظيم‭ ‬العمالي،‭ ‬وبالاستعانة‭ ‬بخبرات‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬ووكالاتها‭ ‬المتخصصة،‭ ‬وتحت‭ ‬إشراف‭ ‬اللجان‭ ‬الوزارية‭ ‬المختصة‭ ‬التي‭ ‬أخضعت‭ ‬مسودات‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المداولات‭ ‬والمناقشات‭ ‬قبل‭ ‬رفع‭ ‬المسودة‭ ‬النهائية‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬لإقراره‭ ‬ثم‭ ‬رفعه‭ ‬للمقام‭ ‬السامي‭ ‬لإصداره،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬الأمين‭ ‬مراقبًا‭ ‬ومتابعًا‭ ‬وناصحًا‭ ‬ودافعًا‭ ‬وموجهًا‭.‬

ونتيجة‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬فقد‭ ‬صدر‭ ‬القانون‭ ‬مستجيبًا‭ ‬لطموحات‭ ‬قيادة‭ ‬البحرين‭ ‬وعمالها،‭ ‬ومنسجمًا‭ ‬تمام‭ ‬الانسجام‭ ‬مع‭ ‬معايير‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية،‭ ‬وحاظيًا‭ ‬بإشادة‭ ‬كافة‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬كأحدث‭ ‬قانون‭ ‬نموذجي؛‭ ‬متميز‭ ‬ومتقدم‭ ‬بأشواط‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ ‬المماثلة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬عندما‭ ‬وفر‭ ‬كامل‭ ‬الحماية‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساواة؛‭ ‬مراعيًا‭ ‬لمبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التمييز‭ ‬بحيث‭ ‬أعطى‭ ‬حق‭ ‬العضوية‭ ‬والتصويت‭ ‬والانتخاب‭ ‬والترشيح‭ ‬لمجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬للعمال‭ ‬الأجانب‭ ‬أو‭ ‬الوافدين،‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬لم‭ ‬يعطه‭ ‬أو‭ ‬يوفره‭ ‬أي‭ ‬قانون‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭!‬

وقد‭ ‬أجاز‭ ‬القانون‭ ‬تنظيم‭ ‬الإضرابات‭ ‬العمالية‭ ‬“كوسيلة‭ ‬سلمية‭ ‬مشروعة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للعمال”‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فيه،‭ ‬ولم‭ ‬تشهد‭ ‬الساحة‭ ‬العمالية‭ ‬منذ‭ ‬صدور‭ ‬القانون‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬إضراب‭ ‬عمالي؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬لنقابات‭ ‬العمال‭ ‬دعى‭ ‬خلال‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬المؤسفة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬إضراب‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الالتزام‭ ‬بالشروط‭ ‬والضوابط‭ ‬التي‭ ‬حددها‭ ‬القانون،‭ ‬وكانت‭ ‬الدعوة‭ ‬ذات‭ ‬نفَس‭ ‬وصبغة‭ ‬سياسية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬“هزته‭ (‬أي‭ ‬الاتحاد‭) ‬مشاهد‭ ‬المتظاهرين‭ ‬المناهضة‭ ‬للحكومة،‭ ‬وقرر‭ ‬تنظيم‭ ‬هذا‭ ‬الإضراب‭ ‬لدعم‭ ‬المتظاهرين”‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬قياداته‭.‬

لقد‭ ‬أُرسي‭ ‬قانون‭ ‬النقابات‭ ‬البحريني‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬حرية‭ ‬واستقلال‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية،‭ ‬وعلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بمرجعية‭ ‬القانون‭ ‬ومعايير‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والانتماء‭ ‬السياسي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الانتماءات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬حظر‭ ‬القانون‭ ‬البحريني‭ ‬على‭ ‬النقابات‭ ‬صراحة‭ ‬“ممارسة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي”‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬الـ‭ ‬20،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬لنقابات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين،‭ ‬كالكثيرين‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الاتحادات‭ ‬العمالية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الامتحان،‭ ‬وانساق‭ ‬وراء‭ ‬تيارات‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬عامي‭ ‬2011‭ ‬و2012‭ ‬وانحاز‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أحد‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية؛‭ ‬فلم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬تدخلات‭ ‬سياسييه،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الإخلال‭ ‬بميزان‭ ‬حريته‭ ‬واستقلاله‭ ‬والتزامه‭ ‬بالقانون،‭ ‬وحدوث‭ ‬تداعيات‭ ‬موجعة‭ ‬له‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إضعافه‭ ‬وإلى‭ ‬نتائج‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬بينها؛‭ ‬انقسام‭ ‬وتفكك‭ ‬الصف‭ ‬العمالي،‭ ‬وتكوين‭ ‬اتحاد‭ ‬آخر‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2012‭ ‬وهو‭ ‬“الاتحاد‭ ‬الحر‭ ‬لنقابات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين”‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬لا‭ ‬تتعارض‭ ‬بل‭ ‬تتفق‭ ‬تمامًا‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬النقابية‭ ‬التي‭ ‬تجيز‭ ‬التعددية‭ ‬وتشجعها‭.‬

ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬اللافتة‭ ‬أننا‭ ‬جميعًا‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬اطلاع‭ ‬بالوضع‭ ‬المتراجع‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تعانيه‭ ‬الحركة‭ ‬النقابية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬عند‭ ‬إصدار‭ ‬قانون‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬البحريني؛‭ ‬والذي‭ ‬أكدته‭ ‬الكنفدرالية‭ ‬الدولية‭ ‬للنقابات‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬2002،‭ ‬وهو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬فيه‭ ‬القانون،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬المذكور‭ ‬“أن‭ ‬العام‭ ‬2002‭ ‬شهد‭ ‬استمرار‭ ‬اضطهاد‭ ‬النقابيين‭ ‬وتعرض‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭ ‬للقمع‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الخطيرة‭  ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بلدان‭ ‬العالم”،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬قرروا‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬طموحات‭ ‬وتطلعات‭ ‬عمال‭ ‬البحرين،‭ ‬وقد‭ ‬ذكرت‭ ‬الكنفدرالية‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬المذكور‭ ‬“إن‭ ‬إصدار‭ ‬البحرين‭ ‬قانون‭ ‬جديد‭ ‬يضمن‭ ‬قيام‭ ‬نقابات‭ ‬حرة‭ ‬ويمنح‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الإضراب‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬الوردية”،‭ ‬فليسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬هذه‭ ‬السيرة‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭.‬