الدموية العابرة للمذاهب!

| حسن المصطفى

يتصور البعض أن التشدد مرتبط بمذهب إسلامي معين، في حين أن التطرف الذي يقود إلى العنف والإرهاب تتشابه جذوره، حتى إن اختلفت الطوائف وتعددت الأحزاب في مرجعياتها الفقهية! لذا، فإن “الدموية الفقهية” ليست مقتصرة على تشكيلات أصولية كـ “داعش” و”القاعدة”، بل تجدها حتى لدى التنظيمات الأخرى التي تقع في الضفة المقابلة.

يمثل كتاب “دليل المجاهد”، الذي هو عبارة عن “مسائل في الجهاد”، طبقاً لفتاوى المرجع الديني العراقي كاظم الحائري، نموذجاً لـ “الفقه العنيف”، الذي يبرر في عدد من مسائله قتل الأبرياء، في سبيل ما يعتقد أنه مصلحة إسلامية عُليا. وكان هذا الكتاب بمثابة المرجع الشرعي لعدد من المعارضين المسلحين العراقيين في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، يعتمدون عليه كسندٍ ديني يبرر ما يقومون به من أعمال عنف قد تطال حتى الأبرياء وتتضرر بسببها ممتلكاتهم الخاصة. “مركز المسبار للدراسات والبحوث”، نشر دراسة مختصرة للباحث العراقي د. رشيد الخيون، بعنوان “يوم كان العِراق (كافراً)”، تناول فيها شيئاً من الفتاوى التي تضمنها “دليل المجاهد”، ومنها على سبيل المثال، السؤال الذي جاء نصه: المجرم إذا كان معه بريء، وتقتضي المصلحة العامة قتله، بحيث يؤدي إلى قتل البريء أيضاً فما هو الحُكم؟ فكان جواب كاظم الحائري: “إن كانت المصلحة الإسلاميَّة هامة جاز ذلك”.

في موضعٍ آخر، يسأل أحدهم: هل يجوز ضرب أو قتل الأسير الذي يُعاند، ويمتنع عن الإدلاء بالمعلومات؟ وجاءت فتوى الحائري كالتالي “نعم يجوز ضربه إنْ توقف أخذ المعلومات الهامة على الضَّرب، ويجوز قتله إنْ صعب إبقاؤه في الأسر، فدار أمره بين القتل والفرار إلى جهة العدو”.

رغم الاختلاف المذهبي العميق بين كاظم الحائري، وأبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي، إلا أن النماذج أعلاه، تمثل ذات العقلية الراديكالية التي تؤسس للإرهاب، وتدفع نحو القتل!

إن الإشكالية كما يشير لها رشيد الخيون، تتمثل في أن تلك الفتاوى تحولت إلى “ثقافة عششت في أدمغة المقلدين، ويتأثر بها غيرهم، وهم الآن ميليشيات تهيمن بقوة سلاحها”، وهو الأمر الذي أسس لـ “العنف المذهبي”، وهو عنفٌ لا يمكن الفكاكُ منه دون النقد الصريح والمنهجي للجذور التي أسست له، وبقيت تشرعنُ ممارساته الخارجة عن القانون.

*كاتب سعودي