النساء يحملن نصف السماء... متى تنصفهن الرقمنة؟

| ياسر سليم

ظلت المديرة لا تدخل مكتبها ليوم كامل، دون أن تفصح عن سر الرعب الكامن خلف الباب، هل رأت جنياً مثلا؟ في اليوم الثاني واربت باب اللغز قائلة لمرؤوستها: لن أدخل حتى يتأكد موته، سأعمل عن بُعد.

في اليوم الثالث اصطحبت مرؤوستها ـ وصديقتها ـ ممسكة بعصا، دخلتا المكتب بحذر جندي يخشى أن يطأ لغما، ثم قالت لها وهي تحرك الجثة ـ عن بعد ـ بعصاها: يبدو أنه مات فعلا.

كان المقتول صرصاراً، دهسته غير عامدة وهي تتمشى في مكتبها، أُحرجت من الاستعانة بعامل النظافة للتيقن من موته وإخراجه، حتى لا يفشي سر خوفها.

حينما علمتُ بالقصة التي أفشتها ـ رغماً عنها ـ صديقتها بين أصدقائنا المقربين المشتركين، سألتُها متعجباً: كيف لقيادية بشركة كبرى ـ تعارك رجال الأعمال الثقال، أن تخشى جثة صرصار؟

قالت كلاماً كثيراً لم أستوعبه، يخطيء من يظن أنه يمكن أن يفهم امرأة، لا يمكننا سوى التسليم بحقائق الكون، مثل حقيقة رعبهن من الحشرات المسالمة، بقدر قدرتهن على أن يقلقن ثلثي الرجال على الأرض، وأن "يحملن نصف السماء"، كما قال الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونج.

أتاحت الثورات الصناعية للمرأة فرصاً هائلة، ورغم تحقيقها كثيراً من المنجزات، لكنها ظلت ضحية تصورات لا تنفك تضعها دائما في قفص اتهام بأنها أخلت بواجباتها الأصلية حين عملت، فضلا عن وصمها بالذعر من الحشرات، وسوء قيادة السيارات.

تشير أبحاث حديثة إلى أن أكثر من ثلثي النساء شعرن لعقود مضت أنهن يواجهن تنميطا لصورتهن، والتحيز ضدهن، وندرة توظيفهن، وإهمال تدريبهن وتوجيههن.

هل منحت ثورة الاقتصاد الرقمي الجديدة النساء فرصاً أكبر كي يتغلبن على تلك التحديات، والتوفيق بين واجباتهن الحياتية، ومهامهن العملية؟

يمكن القول أن جائحة فيروس كورونا رسخت ـ ضمن حسناتها القليلة ـ العمل عن بعد بشكل مستدام، هنا حصلت النساء على ميزة، ضمن بيئة جديدة للأعمال، فهي ـ علاوة على ميزة تجنب المضايقات في دهاليز المكاتب ـ قادرة على البقاء في المنزل، تعمل وترعى أسرتها في آن، الرجل بطبعه لا يحب "قعدة البيت".

وحتى لا تكون مسألة العمل من المنزل تكأة للتقليل من مكانتها في مؤسستها، كان عليها الكفاح داخل دهاليز رقمية منطلقة بسرعة البرق في الألياف الضوئية، لتأكيد جدارتهن، ومن ثمة المطالبة بحقوقهن كاملة.

وتُظهر بيانات رسمية أن الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي قد أسهمت بدور بالغ الأهمية في تحفيز المساواة بين الجنسين في شتى القطاعات.

ورغم ذلك، لا تزال دول مجلس التعاون تعاني واحدة من أكبر الفجوات بين الجنسين في العالم، خاصة في المناصب القيادية، وفقاً للمؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر أخيراً عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ تشغل النساء نحو سبعة في المئة من مقاعد مجلس الإدارة في دول مجلس التعاون، مقابل 20 في المئة على مستوى العالم.

لا علاقة لتلك النسب بخشيتها من الحشرات أو سوء قيادتها للسيارات، بل ببيئة لا تزال بحاجة إلى كفاح هائل، يواكب ما تقدمه آليات وأدوات الرقمنة لهن على طبق من ذهب.