"مان تو مان .. مايكرو مانيجمنت"

| صادق أحمد السماهيجي

أخذ الموظف يوسف الورقة من الطاولة، ذهب للمكتب الآخر ليمررها على زميله، للتشاور معه حول آلية العمل بعد توقيعها واعتمادها، ثم إلى مديره لاتخاذ الإجراء المناسب بهدف إقراره، كل ذلك، جرى أمام مراقبة لصيقة من الزميل المسؤول للموظف يوسف. 

لم يكتفِ الموظف المسؤول من المراقبة التي كان يهدف منها في قرارة نفسه، إصلاح الأمور والحرص الدائم على كيان المؤسسة والخوف من الوقوع في الأخطاء الإدارية التي تكلف الكثير من وجهة نظره، بل راح يسأل: كم من الوقت استغرقت في دراسة هذا القرار؟ ولماذا لم نسمع ولم تتحفنا باستشاراتك الخاصة في تفعيل خطة التسويق ؟ وكيف ستطبق هذا المشروع التكنولوجي وعلى مستوى أي نطاق ؟ وأي شريحة من الزبائن ستستهدف ؟ وأين هي أرقام الأرباح المتوقعة خلال السنتين القادمتين؟

عزيزي القاريء، هناك نوع من المدراء، إلى جانب حرصه على أداء المؤسسة، لا يستطيع أن يترك لك مجال التحرك إلا وتكون له اليد الطولى في التوجيه، وربما يكلفه الأمر أن يقوم هو بالدور المنوط بك، بحجة أنه الأقدر والأخبر والأعرف بإدارة هذا الملف.

تجده "يراقب دائماً"، ويبحث عن "التفاصيل الدقيقة"، ونستطيع القول أنه يسبب نوعاً من عدم الثقة، ويؤزم العلاقات الإدارية بين الموظفين، كما تغلب عليه النزعة في تنفيذ المهام على أكمل وجه، مهما يكون عليه شكل التنفيذ الذي قد يضر بصلاحيات الموظفين، كونه صاحب سلطة أعلى.

ما يفعله مدير "الظل" كما يمكن أن نسمّيه، أو مدير "مان تو مان" كما لو كان في مباراة كرة يد، ما إن يستلم اللاعب الكرة أو حتى لم يستلمها، تجده دائماً بالمرصاد، يعني - قاعد لك على الوحدة - وفعلهُ هذا ناتج بسبب إحساسه بعدم الأمان والشك، وراجع أيضاً لأحقيته في استخدام سلطته من خلال الصلاحيات، وناتج أحياناً من الضغط الشديد في العمل وعدم استقرار الهيكل الإداري.

وربما، لفارق العمر بين مرؤوسي المدير أحياناً أخرى، فيولّد هذا المدير حالة من عدم التجانس في العمل الإداري، وحالة من كثرة الاختلافات، وكذلك يقتل فرصة الإبداع لدى الموظف أو على أقل تقدير فرصة الخطأ وتعديله.

مدير مان تو مان، هو أقرب ما يمكن أن نطلق عليه علمياً "مايكرو مانيجمنت"، أو الإدارة التفصيلية (حيث يراقب المدير بشكل دقيق أو يتحكم بعمل مرؤوسيه أو موظفيه بالتفصيل)، فيقف عند كل خطوة، ويتجنب تفويض القرارات. 

"مايكرو مانيجمنت"، الإدارة التفصيلية / الجزئية من شأنها تخليص العمل أولاً بأول، بحيث لا يكون هناك مجال لأعمال مؤجلة، إلا أن هذه الإدارة تؤثر سلبياً في معظم الإجراءات التي تتحذها المؤسسة، وذلك من خلال استياء عام من الموظفين الذين لا يجدون مجالاً لاكتشاف قدراتهم، فـ رفقاً بموظفي الإدارات التي لها حق التميز والإبداع، وإعطائها الفرصة في ممارسة أبسط حقوقها لأداء مهام عملها.