فاغنر وتيتان..درسان بليغان لأصحاب الأعمال

| ياسر سليم

فاغنر الروسية وتيتان الأميركية، قدمتا درسين مهمين لكل من يعمل في عالم الأعمال، رغم اختلاف الواقعتين، وبعد المسافات وتباين الدوافع والدلالات. الغواصة تيتان الغارقة، كانت بها أخطاء فنية، وفق تقارير. صاحب الشركة المالكة لها أصر ألا خطأ بها، وطاوعه فنيون قالوا له ما يريد أن يسمعه، لا ما ينفعه، حتى غرقت الغواصة به وبزبائنه. هنا عظة للمنفرد برأيه، المغتر به، مهملاً المشورة. أما تضخيم حجم قوات شركة فاغنر المرتزقة، فكانت خطيئة للنظام الروسي، ينطبق عليها المثل العربي القديم: "سمن كلبك يأكلك"، المجرم السابق والطباخ لاحقا، صار صاحب شركة لبزنس القتال. هنا عظة بأنه ليس بالمال وحده يكسب الإنسان ولاء الأتباع. درس ثالث من واقعة أقل شهرة، كان ضحيتها صديق يعمل مديراً إقليميا لشركة سيمنز الألمانية بالقاهرة، بارع بطبيعة مهنته في تقنية وأمن المعلومات. ورغم ذلك لم يكن حذراً بما يكفي، فتمكنت عصابة من استدراجه وسرقته ثم قتله، بعدما طلبت منه فدية لحياته، ممثلة في إطلاعهم على كلمات المرور الخاصة بحساباته المصرفية، فرفض. كان دليلهم لاختراق حساباته، ثم ابتزازه، واحد من العاملين مع الضحية، والثقات لديه. العظة هنا أن مصارع الرجال؛ تكمن أحيانا في فرط الثقة. "لا تثق بأحد، ولا حتى بنفسك"، نصيحة إيلون ماسك في تعليقه على تمرد فاغنر.     الفدية والفداء بمناسبة الفدية التي راح ضحيتها مدير سيمنز، ونحن في ذكرى فداء النبي اسماعيل ـ أو إسحق في أقوال أخرى ـ بكبش عظيم، كل عام وأنتم بخير، تعد مؤسسات الخليج ومواطنوها؛ على رأس المستهدفين عالميا ببرمجيات الفدية الخبيثة، وهي نوع من البرامج الضارة التي تقوم بتشفير ملفات الضحية وتطلب دفع فدية لصانعيها لفك تشفيرها. ثمة تشابه بين حادثة تيتان وتمرد فاغنر، وتزايد تهديدات برامج الفدية الخبيثة: كلهم وراءه فرط الثقة والاعتداد بالرأي أو الأتباع أو الأجهزة، دون وضع احتمالات أخرى لمكامن الخطر. في عام 2022، صُنفت دول الخليج وعلى رأسها الإمارات على أنها أكثر الدول استهدافاً في الشرق الأوسط لهجمات برامج الفدية، أكثر الثغرات كانت تأتي من قبل الموظفين. التهديدات التي تشكلها برامج الفدية كبيرة، بالإضافة إلى التكلفة المالية لدفع الفدية، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى فقدان البيانات الحساسة. هناك خطوات يتوجب اتخاذها للحماية من برامج الفدية الضارة، على رأسها تحديث البرامج باستمرار، واستخدام كلمات مرور قوية ومصادقة ثنائية، والحذر من رسائل البريد الإلكتروني والروابط المجهولة، مع الاحتفاظ بنسخة احتياطية من البيانات. إذا وقع هجوم ببرنامج الفدية، فيجب مقاومة مطالب دفع الفدية، لأنه لا ضمان أن الدفع سيؤدي إلى فك تشفير ملفات الضحية، وبالعكس، يمكن أن يؤدي الدفع إلى مزيد من الابتزاز. حدث لصديق مثلما حدث لمدير سيمنز، حينما قام قراصنة روس ـ أيضا ـ بتشفير بيانات شركته، لم يرضخ لأنه كان يحتفظ بنسخ احتياطية منها، فقاموا بسرقة صور وفيديوهات خاصة له، وهددوه بنشرها، لكنه استمر ثابتا ضد ابتزازهم، وتجاهل رسائلهم تماما، فيأسوا منه، وانصرفوا عنه. ومع ارتفاع عمليات ما يسمى بـ"التصيد الاحتيالي"، يمكن للشركات والمؤسسات الحد منها عبر الانترنت من خلال توعية موظفيها والعاملين بها حول هذه المخاطر وتدريبهم على كيفية التعرف على الرسائل البريدية الاحتيالية والروابط الخبيثة. من الضروري أيضاً تبني إجراءات أمنية صارمة وتحديث برامج وأنظمة الحماية دوريا، وتطبيق الإجراءات اللازمة للتحقق من هوية المستخدمين، وتأمين حساباتهم المصرفية والبيانات المالية. وهنالك أهمية لتبنّي الشركات للتقنيات الحديثة في مجال الأمن السيبراني، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، والاستفادة من أدوات الحماية. أخيرا، أضحى مبارك على الجميع، بلا ضحايا للإجرام والغباء وطالبي الفدية.