صُـنّاع وقنّاصة المواهب .. بين المصلحة والاستثمار

| صادق أحمد السماهيجي

يتتلمذ العديد من الموهوبين على أيدي أشخاص مهرة، يعززون إمكاناتهم ويدفعون بالموهوبين إلى الأمام، وتتعدد المسارات التي يسلكها ويختارها الموهوب بحسب رغبته وميوله وعطائه، فمنهم من يختار التكنولوجيا طريقاً، ومنهم الرياضي، وغيرهم الكثير.  

لا يخفى، أن الشخص الموهوب بحاجة إلى بيئة مهيأة تصقل مهاراته، خصوصاً إذا كان يتلقى التعليم والتدريب في مجاله منذ الصغر، فينشأ نشأة قوية ومتمرسة، وتتولد لديه جوانب أخرى أكثر من كونه يجيد التعامل مع موهبته، بل يمكن أن تجد الجوانب الإبداعية ظاهرة وطاغية إلى أبعد من مجال الموهبة.  

ولا يخفى أيضاً، أن يتحكم في مشهد الموهوبين هذا "كشّافة/صنّاع وقنّاصة"، تجذبهم المهارات، ويتعمقّون في تحليل مكامن الإبداعات، ويتباحثون في أبعاد الموهبة إن كانت مكتسبة بالفطرة والتأثر أم مصنوعة بالممارسة والتكرار أو حتى كانت قابلة للتطوير.  

"الكشّاف"، صانع ومؤسس، يرحّب بالموهبة في مهدها، أو في منتصفها أو أي مرحلة من مراحلها، ويحاول تعديل النواقص فيها، إن كانت على مستوى حرفة شخصية أو من خلال عمل فريق جماعي، فيقوم بعملية البناء والصناعة والصقل والتنمية، رغبة في الحصول على مستوى مشرف من الموهوب، ورغبة منه في تنشئة جيل مبدع يجيد ما تعلمه بإتقان. 

"القنّاص"، متدخل ومتنفذ، يلتقط جهد غيره إلى درجة السرقة، وتلطفاً لم نقل أنها سرقة، فيغري الموهوب لحاجته مثلاً للشهرة أو المادة أو الانتشار السريع، يقوم هذا القناص بإيقاف صانع الموهوب في منتصف الطريق، فيقطع حبل بنيانه، ويشتت ذهنه فيحُول بينه وبين تلميذه، ليقوم القناص باستغلال الموهوب الذي لا حول له ولا قوة، في تحقيق أهدافه المؤقتة أو حتى البعيدة التي تكون مصلحته فيها أعلى من مصلحة الموهوب. 

ما أكثر الذين يتحيّنون الفرص لمتابعة المواهب، وما أحوجنا إليهم في الحقيقة، سواء الذين يمثلون النوع الأول "جزاهم الله خيراً"، أو الذين يمثلون النوع الثاني "سامحهم الله وهداهم"، يستحضرني مثال بسيط في هذا الصدد، بين أكاديمية رياضية تبني لاعبيها على أساس من الانضباط ونوعية المران العلمي والأداء الجيد، وبين أكاديمية رياضية أخرى تبحث عن اللاعب الجاهز لتقوي به الفريق أو حتى من أجل إضعاف الفرق المنافسة الأخرى. 

وحتى لا نكون قساة على بعض القناصة، والحق يقال، يعد القناص في بعض الأحيان جزءاً مكملاً للمسيرة، لما قام بإنجازه صانع الموهبة وعرابها الأول، لينقل الموهوب من مرحلة إلى أخرى، ولكن كل ذلك مقابل مصلحة، بينما الأساس والقاعدة التي تحتضن الموهوب تكون خالصة لإفادته وتطويره وتمكينه، فتنغرس في داخله دوافع الولاء للمكان، ودوافع وتفاصيل وشغف الموهبة.   

الموهبة هدية ربانية، علينا أن ننميها من أجل أن يستفيد منها الشخص نفسه، يفيد بها ذاته ومجتمعه، وتكون له مصدر فخر واعتزاز بين الأقران والمتابعين، لا أن تكون عليه نقمة في المستقبل القريب، قد تجعله يكره أنه كان موهوباً في يوم من الأيام، "إلى كشافة وصناع المواهب سلام وتحية .. إلى قناصة المواهب راجعوا الأمور".