بين “أتوبيسين”

| ياسر سليم

في‭ ‬المنامة‭ ‬حاضرة‭ ‬الخليج‭ ‬الناضرة،‭ ‬حانت‭ ‬التفاتة‭ ‬مني‭ ‬تجاه‭ ‬الجالس‭ ‬في‭ ‬المقعد‭ ‬المجاور‭ ‬بحافلة‭ ‬نقل‭ ‬عام‭ ‬فاخرة‭ ‬“أتوبيس”،‭ ‬كان‭ ‬عجوزًا‭ ‬بحرينيا،‭ ‬استغرب‭ ‬وجودي‭ ‬المتأنق‭ ‬ببزة‭ ‬رسمية‭ ‬وربطة‭ ‬عنق،‭ ‬كما‭ ‬اندهشت‭ ‬لوجوده؛‭ ‬وسط‭ ‬ركاب‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬الآسيويين‭ ‬والأفارقة‭.‬

تذكرت‭ ‬حينما‭ ‬اتخذت‭ ‬مقعدي‭ ‬في‭ ‬حافلة‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬المكيفة‭ ‬المتجهة‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الهرم‭ ‬إلى‭ ‬وسط‭ ‬القاهرة‭ ‬العامرة،‭ ‬حانت‭ ‬التفاتة‭ ‬للجالس‭ ‬إلى‭ ‬جواري،‭ ‬لأكتشف‭ ‬أنه‭ ‬مسؤول‭ ‬كبير‭ ‬سابق،‭ ‬كنت‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬صحافية‭ ‬منه‭ ‬خصوصا‭ ‬إبان‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭. ‬ابتسم‭ ‬المسؤول‭ ‬السابق‭ ‬محاولا‭ ‬إخفاء‭ ‬حرجه‭ ‬البالغ،‭ ‬وبرر‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬الحافلة‭ ‬بأن‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬أصبحت‭ ‬مسألة‭ ‬مرهقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭.‬

أخبرته‭ ‬مخففًا‭ ‬عنه‭ ‬أنني‭ ‬أقابل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬الحافلة‭ ‬شخصيات‭ ‬في‭ ‬مستواه،‭ ‬وأنني‭ ‬ـ‭ ‬مثله‭ ‬ـ‭ ‬أترك‭ ‬سيارتي‭ ‬لأستقل‭ ‬تلك‭ ‬الحافلة،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬قيادة‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة،‭ ‬حرق‭ ‬للأعصاب‭ ‬والوقود‭ ‬الذي‭ ‬تتزايد‭ ‬أسعاره‭ ‬تباعا‭ ‬مؤخرًا‭.‬

تأملت‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬المشهدين،‭ ‬يصلح‭ ‬أتوبيس‭ ‬النقل‭ ‬العام‭ ‬مقياسا‭ ‬معياريا‭ ‬للمقارنة‭ ‬بين‭ ‬مجتمعين‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬هنا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬أتوبيس‭ ‬البحرين،‭ ‬مقارنة‭ ‬بأتوبيس‭ ‬مصر،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬الفاخر‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬سافرت‭ ‬إليه،‭ ‬كنت‭ ‬أتحرر‭ ‬من‭ ‬الأنماط‭ ‬التقليدية‭ ‬للزيارة،‭ ‬فأستقل‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المواصلات،‭ ‬وأرتاد‭ ‬أشكالا‭ ‬متباينة‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬والمطاعم،‭ ‬لأكتشف‭ ‬المجتمع‭ ‬بتفاصيل‭ ‬وأعماق‭ ‬تركيبته‭.‬

في‭ ‬مصر‭ ‬والبحرين‭ ‬الشقيقتين،‭ ‬يبدو‭ ‬الأتوبيس‭ ‬متطابقا‭ ‬حد‭ ‬تشابه‭ ‬الاسمين،‭ ‬أما‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬فهو‭ ‬طفيف‭ ‬ولصالح‭ ‬مواصلات‭ ‬البحرين،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كلفة‭ ‬الرحلة‭ ‬متقاربة‭ ‬للغاية‭ ‬“أقل‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬فلس‭ ‬لأتوبيس‭ ‬البحرين”،‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬30‭ ‬جنيها‭ ‬مصريا‭ ‬السعر‭ ‬الواقعي،‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬تذكرة‭ ‬أتوبيس‭ ‬مصر‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬جنيهات‭ ‬فقط،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاعتبار‭ ‬لتباين‭ ‬المدخولات‭ ‬المادية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬التباين‭ ‬الأبرز،‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬الركاب،‭ ‬وهنا‭ ‬“مربط‭ ‬الحافلة”،‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تشكل‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬جل‭ ‬مستقليها،‭ ‬وفي‭ ‬البحرين‭ ‬تشكل‭ ‬الطبقات‭ ‬الدنيا‭ ‬جل‭ ‬روادها،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬الآسيويين‭ ‬والأفارقة‭.‬

تقول‭ ‬هذه‭ ‬المقارنة‭ ‬إن‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬العليا‭ ‬ـ‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬ـ‭ ‬هي‭ ‬الأوسع‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬مقارنة‭ ‬بدول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬مصر‭. ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬سوى‭ ‬نوع‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الحافلات،‭ ‬كلها‭ ‬تنتمي‭ ‬للنوع‭ ‬الفاخر،‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬بسهولة‭ ‬تمييز‭ ‬النوع‭ ‬الفاخر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬شكله‭ ‬الخارجي،‭ ‬ونوعيات‭ ‬ركابه،‭ ‬ولذلك‭ ‬دلالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬أخرى‭.‬